" مَن أرادَ أن يكون صادقاً في مُولاتِه
وفي سُلُوكِه وفي سَيرِه إلى اللهِ تبارك وتعالى فليستمع بوعي إلى وصيّة الإمام الصادق
، عليه السلام ، ويُطبّقها فِعلاً وسُلُوكا "
قال : عليه السلام : لأحدِ أصحابه - عبد الله بن جندب (يا ابن جندب لا تَقُل في المُذنبين
مِن أهل دعوتِكم إلّا خيراً ، واستكينوا إلى الله في توفيقهم ، وسَلوا التوبةَ لهم
، فكُلّ مَن قصدنا وتولّانا ، ولم يوال عدوّنا ، وقال ما يَعلم ، وسكتَ عمّا لا يعلم
أو أُشكِلَ عليه فهو في الجنة - يا ابن جندب
يَهلكُ المُتكل على عمله ، ولا ينجو المُجترئ على الذنوب الواثق برحمة الله - قُلتُ : فمَن ينجو ؟ قال
: الذين هُم بين الرجاء
والخوف ، كأنَّ قلوبَهم في مَخلب طائر شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العذاب)
: بحار الأنوار ، المجلسي ، ج 75 ، ص 280.
:1:- كُلُّ مؤمنٍ مُعرّضٌ للخطأ والوقوع
في الذنب والمعصية - فما هي الطريقة الصحيحة والحكيمة في التعاطي مع هذه الحالة ؟
وهنا الإمام الصادق ، عليه السلام ، يرشدنا و يُقدّمُ لنا طريقاً صحيحاً – ينبغي أن
ننظرَ فيه إلى واقعنا ، وهل الواحدُ منّا يتعامل مع أخيه المؤمن إذا أخطأ أو أذنب
بعدم فضحه أو نشر ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي والحقد عليه وتسقيطه والتشهير به
؟
:2:- هناك صنفٌ يتعامل مع ما يرى أو مع ما
يسمع بخصوص المؤمنين بطريقة غير صحيحة وغير أخلاقيّة ، وهي الإسراع في نشر ذلك
والتشهير والتسقيط – وهذه الطريقة غير حكيمة ومرفوضة لأنَّ فيها انكساراً نفسيّاً
للمؤمن المذنب وعزلةً اجتماعيّةً واستحقاراً له من قبل الآخرين ، وقد تدفعه
للتمادي في المعصيّة.
:3:- المطلوب :- هنا هو عدم نشر ذلك وعدم
فضحه ، بل ينبغي الدعاء له بالتوبة والهداية والرجوع إلى الصواب وإلى المجتمع
تائباً وفاعلاً ، فحال المؤمن المُذنب كحال المريض يحتاج إلى مُراعاة ودعاء ونصح
وستر.
:4:- بحكم طبيعة كلّ إنسانٍ تعرّضه للخطأ والزلاّت – ولكن هنا لا ينبغي
تسقيطه اجتماعيّاً وأخلاقيّاً ومعنويّاً – بل ينبغي النظر إلى بعض ما عنده من
أعمال صالحات وإيجابيات في صفحته البيضاء ، ولا ينبغي التركيز على عثراته دون نصحه
ووعظه بالتوبة النصيحة والستر عليه – قال : عليه السلام : (واستكينوا إلى الله في توفيقهم
، وسَلوا التوبةَ لهم ).
:5:- هناك نقطة مهمّة جدّاً ينبغي
الالتفات إليها في التعاطي مع المؤمنين إذا أذنبوا أو أخطأوا – وهي ضرورة التفريق
بين عملهم وبين شخصيّتهم – فنعم هناك عمل يبغضه اللهُ سبحانه ولكنّه يُحبّ صاحبه
لعلمه بحسن عاقبته في خواتيم الأمور ، وهناك مَن قد لا يُوفّق للتوبة ولحسن
العاقبة – ولا يجب أن تُحوّلَ النظرةَ إلى حقد شخصي وغلّ في القلب على مؤمنٍ أذنبَ
أو أخطأ ، فلعلّه يتوب من قريب وتكون عاقبته حسنة .
:6:- وقد روي عن الإمام الصادق ، عليه السلام ، (إنَّ
اللهَ خلقَ السعادةَ والشقاءَ قبل أن يخلق خلقه ، فمَن خلقه اللهُ سعيداً لم يبغضه
أبدا ، وإن عملَ شرّاً أبغض عمله ولم يبغضه ، وإن كان شقيّاً لم يحبه أبداً وإن عمل
صالحاً أحب عمله وأبغضه لما يصير إليه ، فإذا أحب اللهُ شيئاً لم يبغضه أبدا وإذا أبغض
شيئاً لم يحبه أبدا )
: الكافي ، الكليني ، ج 1 ، ص 153. :
:7:- وقال :عليه السلام : (فكُلّ مَن قصدنا
وتولّانا ، ولم يوال عدوّنا ، وقال ما يَعلم ، وسكتَ عمّا لا يعلم أو أُشكِلَ عليه
فهو في الجنة ) :- هذا مقطع مهم جدّاً ، ينبغي فهمه ووعيه ، وهو يرشدنا إلى عدم
الاستحياء من عدم علمنا إذا ما سؤلنا عن حكم فقهي أو اجتماعي أو غير ذلك في مختلف
التخصصات – رجل دين – طبيب – فيزيائي ، وغيرهم – لما لذلك من آثار خطيرة إذا أجبنا
بما لا نعلم – فإنَّ الإجابة أو القول بغير علم يضلّ كثيرا - قل لا أعلم تنجو .
:8:- وقال : عليه السلام : (يا ابن جندب يَهلكُ
المُتكل على عمله ، ولا ينجو المُجترئ على الذنوب الواثق برحمة الله - قُلتُ : فمَن ينجو ؟ قال : الذين هُم بين الرجاء
والخوف ، كأنَّ قلوبَهم في مَخلب طائر شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العذاب) :- وهنا
يُبيّن الإمامُ الصادقُ خطورة الاعتداد بالنفس والغرور بالأعمال الصالحة والعُجب
بها ، وجعلها وسيلة للنجاة – وإنّما النجاة الحقيقية تكون برحمة الله وبلطفه
وعنايته - فمهما أتى الإنسانُ بالصالحات
والخيرات والحسنات فهو يبقى دوما مفتقر إلى الله وإلى رحمته – وينبغي أن يتزوّد
بالتقوى ويشعر بالتقصير ، لا أن يتكّل على أعماله لوحدها فيهلك – (وعن الإمام
الباقر ، عليه السلام ،أنّه قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، : قال الله
تبارك وتعالى : لا يتكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي ، فإنّهم لو اجتهدوا
و أتعبوا أنفسهم - أعمارهم - في عبادتي كانوا مُقصرين غير بالغين في عبادتهم كُنه عبادتي
فيما يطلبون عندي مِن كرامتي والنعيم في جناتي
ورفيع الدرجات العُلى في جواري ، ولكن برحمتي فليثقوا وفضلي فليرجوا وإلى حُسن الظن
بي فليطمئنوا ، فإنَّ رحمتي عند ذلك تدركهم ، ومِنّي يبلغهم رضواني ، ومَغفرتي تُلبسُهم
عفوي فإنّي أنا اللهُ الرحمَن الرحيم وبذلك تسمّيتُ )
: الكافي ، الكليني ، ج 2 ، ص71. :
_____________________________________________
أهمّ مَضامين خطبةِ الجُمعَةِ الأولى ،والتي
ألقاهَا سَماحةُ ، الشيخ عبد المَهدي الكربلائي ، دام عِزّه, الوكيل الشرعي للمَرجعيّةِ
الدّينيّةِ العُليا الشَريفةِ في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس ,اليوم الثالث والعشرين من جمادى الآخرة 1440 هجري
، الأوّل من آذار 2019م . ______________________________________________
تدوين - مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي - النَجَفُ
الأشْرَفُ .
:كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ تبارك وتعالى،
رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ, ونسألَكم الدُعاءَ .
______________________________________________
0 التعليقات:
إرسال تعليق