الصدّيقة الزهراء:عليها السلام: الأسوة الحسنة : مفاهيم وتطبيقات



 الصدّيقة الزهراء÷
الأسوة الحسنة

مفاهيم وتطبيقات


مرتضى علي الحلي

مؤسسة أحباب الصدّيقة الطاهرة÷
النجف الأشرف
















الصدّيقة الزهراء الأسوة الحسنة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إطلالة البحث

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين.

ولِدَتْ السيدة الزهراء÷ بنت الرسول الأكرم محمد’ بعد البعثة النبوية الشريفة بخمس سنين([1])، وعن الإمام أبي جعفر الباقر×، قال: >لما ولِدَتْ فاطمة÷ أوحى الله إلى مَلك، فانطلق به لسان محمد’؛ فسمَّاها فاطمة، ثم قال: إنِّي فطمتكِ بالعلم وفطمتك من الطمَث([2])، ثم قال أبو جعفر×: والله لقد فطمها الله بالعلم، وعن الطمث في الميثاق<([3]).
وعن رسول الله محمد’، أنه قال: >وأما ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بَضعة([4]) مني وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيّ([5])، وهي الحوراء الإنسيّة، متى قامت في محرابها بين يدَي ربّها جل جلاله زهر نورُها لملائكة السماء، كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عز وجل لملائكته: يا ملائكتي، انظروا إلى أمتي، فاطمة سيدة إمائي قائمةً بين يدي ترتعد فرائصها([6]) من خيفتي، وقد أقبلتْ بقلبها على عبادتي، أشهِدكم أنَّي قد أمّنتُ شيعتَها من النار<([7]).
كانت السيدة فاطمة÷ تُلقب بـ (الصدّيقة، والبتول، والطاهرة، والشهيدة)، وكُنيّت بـ (أم أبيها)، وروي عن الإمام الصادق×، أنه قال: >لفاطمة÷ تسعة أسماء عند الله تعالى: فاطمة، والصدّيقة([8])، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية والمرضية،([9]) والمحدّثة، والزهراء، وكنيتها: أم أبيها، وقد لقّبها النبي’ سيدةَ نساء العالمين، وقد دعاها أيضا (بتولاً)؛ فسُئل’ عن معناه، فقال: >هي المرأة التي لم تحِض ولم ترَ حمرةً قط، وإن الحيض مكروه ممنوع في بنات الأنبياء^<، وقد روي عنهم^: >إن سبيلَ أمهات الأئمة^ سبيلُ فاطمة÷ في ارتفاع الحيض عنهن<، وهذا مما تميّزت به أمهات أئمتنا^ من سائر النساء؛ لأنه لم يصح في واحدة من جميع النساء حصولُ الولادة مع ارتفاع الحيض عنها سواهن؛ تخصيصاً لهن لمكان أولادِهن المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين<([10]).
وعن الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق×، أنَّه قال: >سُميَّتْ فاطمة مُحدَّثة؛ لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما كانت تنادي مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة، إن الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين.
يا فاطمة، اقنتي لربك، وتحدثّهم ويحدثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليستْ المُفضلة على نساء العالمين مريمَ بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة نساء عالمِها، وإن الله جعلك سيدةَ عالمك، وسيدةَ نساء الأولين والآخرين<([11]).
وحديث الملائكة مع فاطمة÷ مما لا يجوز إنكاره ورفضه؛ لإمكانه وقوعاً وحقيقةً تاريخيا ووجودياً؛ فالحديث الملائكي قد تحقّق مع من لم تكن معصومةً من النساء، منهن: سارة، زوجة النبي إبراهيم الخليل×، حينما بشّرتها الملائكة بالولادة الموعودة، وقد كانت قائمة من وراء الستر تسمع الكلام الملائكي؛ فضحكتْ تعجبًا مما سمعتْ, فبُشّرت على ألسنة الملائكة بأنها ستلد مِن زوجها إبراهيم ولداً يسمى إسحاق وسيعيش ولدها, وسيكون لها بعد إسحاق حفيد منه, وهو يعقوب، فقال تعالى حكاية عن هذه الحقيقية الوجودية والتأريخية: {وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} سورة هود: [71- 73].
وغيرها من النساء كأم موسى÷، إذ قال الله تعالى في حقها: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7].
عاشت الزهراء÷ ثمان عشرة سنة، أقامت بمكة مع رسول الله’ ثماني سنين، ثم هاجرت معه’([12])، وزوَّجها النبي’ بعد مقدمه المدينةَ بسنة، وهي بنت تسع سنين من أمير المؤمنين الإمام علي× بأمر الله تعالى، وله× يومئذ أربع وعشرون سنة، وولدت فاطمة÷ الحسن ولها إحدى عشرة سنة، والحسين‘ بعد الحسن بعشرة أشهر وثمانية عشرة يوماً، وقُبض رسول الله’ ولها يومئذ ثماني عشرة سنة إلا ثلاثة أشهر، وبقيت بعده خمسة وسبعين يوماً([13])، ولها÷ من البنات زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالب([14]).

السيدة فاطمة الزهراء÷
مفاهيم وتطبيقات

إن في خلق الله تعالى الزهراءَ÷ حكمةً مقدسة؛ حيث جعلها سبحانه كاملة ومتكاملة ذاتيا وتربوياً؛
لذا فهي أنموذجٌ فريدٌ من نوعه على مر التاريخ البشري؛
إذ جَمعتْ سائر الكمالات الشريفة، فهي: معصومةٌ، وبنت معصوم، وزوجة معصوم، وأم للمعصومين^، وبنص القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا} [الأحزاب: 33].
وورد في صحيح مسلم،([15]) ولفظ الحديث عن عائشة: >خرج النبي’ غداةً وعليه مِرط مُرحّلٌ([16]) من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخلَه، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال’: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا}<، وفي ذيل آية التطهير: أخرج الترمذي، والطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي معاً في الدلائل: >عن ابن عباس، قال: قال رسول الله’: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا}، فأنا وأهل بيتي مُطهّرون من الذنوب<.([17])
وقال الذهبي: >وفي فاطمة وزوجها وبنيها نزلتْ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا}؛ فجلَّلهمُ رسول الله’ بكساء،([18]) وقال: الَّلهم هؤلاء أهل بيتي. وأخرج الترمذي، من حديث عائشة أنها قيل لها: أي الناس كان أحب إلى رسول الله’؟: قالت: فاطمة من قبل النساء، ومن الرجال زوجها<.([19])
من هنا صَلُحَت فاطمة÷ لئن تكون القدوة
والأسوة الحسنة لنساء العالمين أجمعين، كما قال تعالى في حق أبيها النبي الخاتم محمد’: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، فكذلك يكون الحث على التأسّي بفاطمة الزهراء÷ وبمنهجها القويم، وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الممتحنة: 6]، بمعنى: لقد كان لكم -أيها المؤمنون- في النبي محمد’ والذين معه من أهل بيته المعصومين^([20]) قدوةً حميدة لمن يطمع في الخير من الله تعالى في الدنيا والآخرة، ومَن يُعْرِض عما ندبه الله إليه من التأسّي بأنبيائه ^، ويوالِ أعداء الله؛ فإنَّ الله هو الغنيُّ عن عباده, الحميد في ذاته وصفاته المحمود على كل حال.
حين ننظر إلى صور حياتها الشريفة÷، نراها قد جسّدت الإسلام الحقيقي في كل مفردات حياتها، بدءاً من تعاطيها -بوصفها بنتاً- مع أبيها’؛ حتى أنّه’ كنّاها بـ (أم أبيها)،([21]) ومعلومٌ أن الكُنية الحسنة إنما تُشعر صاحبها بالرفعة المعنوية،
فلو لم تكن الزهراء÷ في درجة عالية من الكمال والتربية والأخلاق؛ لما استحقتْ تَكنية أبيها’ لها بهذه الكُنية الشريفة.
إن كنية (أم أبيها) هي كنية حقّة تختزن في قيمها ودلالاتها كل ما يُريده الإسلامُ منّا وفي عنوان البنوّة خاصة، ومن أبرز دلالاتها الرئيسة أن الزهراء÷ تمثّل أصل استمرار الرسالة النبوية الشريفة، في إمامة الأئمة المعصومين^ من ولدها الحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذرية الحسين^، والدليل على ذلك أن لفظة (أم) في اللغة تفيد معنى الأصل.([22]) ويؤيده قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشورى: 7]، فـ (أم القرى) مكة المكرمة.
وفي مجال الزوجية كانت÷ الزوجة الصالحة والمُطيعة لعلي× والمُربية لأبنائه^؛ وهو القائلُ عنها‘: >ولا أغضبتني ولا عصتْ لي أمراً، ولقد كنتُ أنظرُ إليها فتكشفُ عني الغمومَ والأحزان بنظري إليها<.([23])
وشيٌْ عظيمٌ أن يُحدِّث الزوج عن أخلاق زوجته الصالحة، وكذا شيٌْ عظيمٌ أيضا أن تُحدِّث الزوجةُ عن أخلاق زوجها؛ لذا نحن بأمسّ الحاجة التربوية الفعلية لئن نتخلَّق بأخلاق المعصومين^.
وشهادة علي× هذه في حق فاطمة÷، إنما هي رسالة بيِّنة وهادفة تشير إلى ضرورة أن تفقهَ الزوجة ثقافةَ التعايش مع زوجها وَفق ثنائية الحقوق والواجبات، وكذلك أن يفقه الزوج معنى الزوجية في مفهوماتها وتطبيقاتها الشرعية والأخلاقية حياتياً.
لم تعتمد÷ في حياتها الزوجية على خدم ولا عبيد ولا أُجراء،([24]) بل كانت÷ تقوم بنفسها بواجبات البيت، وذات يوم قالت÷ لأبيها’، عندما دخل بيتها: >يا أبة لا طاقة لي بخدمة البيت ، فأخدِمني خادماً يخدمني ويعينني على أمر البيت، فقال لها رسول الله’: يا فاطمة أيَّما أحب إليكِ، خادم أو خيرٌ من الخادم؟ فقال عليٌ×: فقلتُ: قولي خير من الخادم.
فقالت: يا أبة خيرٌ من الخادم. فقال لها رسول الله’:
تكبّرين الله في كل يوم أربعاً وثلاثين تكبيرة، وتحمدينه ثلاثاً وثلاثين مرة، وتسبّحينه ثلاثاً وثلاثين مرةً، فذلك مئة باللسان وألف حسنة في الميزان، يا فاطمة إنَّكِ إن قلتِها في صبيحة كل يوم، كفاكِ الله ما أهمك من أمر الدنيا والآخرة<.([25])
وهنا تتجلى ثقافة الشكر والرضا والحمد والمعنويات العالية عند فاطمة÷، فالرضا بما قضى الله تعالى وقدّر لهو أعظم مما يتوقعه الإنسان في أمانيه؛ فلذا قال تعالى: {وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، وعن الإمام الصادق×، قال: دخل رسول الله’ على فاطمة÷ وعليها كساء من ثلّة([26]) الإبل، وهي تطحن بيدها، وترضع ولدَها؛ فدمعت عينا رسول الله’ لما أبصرها؛ فقال: يا بنتاه! تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة؛ فقد أنزلَ اللهُ عليّ {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى: 5].([27])
ومع التزامها÷ بمفردات الزوجية والأمومة الصالحة، وإدارة بيتها المتواضع، لكنها بقيتْ بتولاً عابدة متعلقة دوما بالله تعالى، والتاريخ ينقل لنا صوراً مُشرقة عن عبادتها، إذ قال عنها ولدها الحسن×: >رأيتُ أمي فاطمة÷ قائمةً في محرابها ليلة الجمعة، فلم تزل راكعةً ساجدة حتى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسمّيهم وتكثِر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء! فقلتُ: يا أماه، لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني، الجار ثم الدار<.([28])
إذاً، فالزهراء÷ فعلاً وحقاً امرأة مقدّسة، تحمل قيم الله تعالى في ذاتها، فهي كما تتصل بالله في الوقت نفسه، كانت تتّصل مع الناس وتتوسط للحق تعالى في قضاء حوائجهم، ولم تؤثِر حاجاتِها([29]) على غيرها
وهي صاحبة الإيثار لوجه الله تعالى المعروف في القرآن الكريم: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 9]، وهذه الحادثة تضعنا في واقع الوعي، وضرورة رصد الوضع العام إنسانيا ومجتمعياً، فالمعصومون^ حينما يتعاملون مع الآخرين لا يضعون أمام أعينهم إلاّ بشرية الآخر وإنسانيته قبل كل شيء؛ لذا تصدّقوا على الأسير، فضلاً عن تصدّقهم على المسكين واليتيم، وهنا تنفتح نافذة العمل المُخلِص لوجه الله تعالى في إطلالتها الحياتية، لتُضيف بُعداً جديدا في كينونة فاطمة÷، يطلّ علينا بإشراقة تكشف عن أهمية الإخلاص لله تعالى في العمل مطلقاً.
وتعني هذه الإشراقة الفاطمية لزومَ التجرّد عن الذاتيات البشرية في الحركة المجتمعية؛ كي ينهض الإنسان بواقعه دينياً ودنيوياً، قبل أنْ يلحظ شيئا آخر سوى وجه الله تعالى.
إن من الملحوظ أيضا في حياة فاطمة الزهراء÷ نشاطها الفعّال والصالح في الحركة المجتمعية، في صورة حافظت معها على حجابها واحتجابها، فالذي يستوقف الباحث في هذا المجال القيّم حجاب الزهراء÷، وحشمتُها حتى في أصعب الظروف النفسية والمجتمعية، فهي÷ قد أدّت دوراً صعباً في واقع الوجود والحياة، إذ صمدت نفسيا وقيميّا بوجه البلاء الذي حلَّ عليها، بعد شهادة أبيها’.
ويذكر التأريخ: >أنَّه لما أجمع أبو بكر وعمر على منع فاطمة÷ فدكاً، وبلغها ذلك... لاثتْ خمارها على رأسها، واشتملتْ بجلبابها ،وأقبلت في لُمّة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولَها ما تُخرم مشيتها مِشية رسول الله’، حتى دخلتْ على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطتْ دونها ملاءة
فجلستْ÷، ثم أنَّت أنّة أجهش القوم لها بالبكاء، فارتج المجلس، ثم أمهلت هنيئة، حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله، فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها، فخطبت÷ خطبتها الشهيرة<.([30])
الذي نعنيه في هذا النص، البعدُ القيَمي في حجاب الزهراء÷ واحتجابها، ولقد تجلى بُعد الحجاب والاحتجاب الفاطمي القيَمي في عبارات النص أعلاه، وهي: >لاثتْ خِمارها على رأسها، واشتملتْ بجلبابها، وأقبلت في لمّة من حفدتها ونساء قومها، تطأ ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله، فنيطتْ دونها ملاءة<.
فاللوث في اللغة: الطي والجمع ، ولاثت خِمارها أي: لفّته. والخِمار: المقنعة؛ سميت بذلك لأن الرأس يُخمر بها أي يغطى، وهو تعبير عن ستر تمام الرأس الشريف لها÷، والاشتمال بالشيء جعله شاملا ومُحيطا. والجلباب: الرداء والإزار، وهو تعبير عن لبس الملابس الساترة لتمام الجسم وبصورة تامة. في لمّة: أي: جماعة، وهنّ جماعة من النساء معها.
وتطأ ذيولها أي: أن أثوابها كانت طويلة تستر قدميها فكانت÷ تطأها عند المشي، وأما معنى: ما تُخرم مشيتها مشية رسول الله، أي: لا تترك في مشيها مشية أبيها’ في الهدوء والوقار والهيبة. ونيطتْ دونها ملاءة، أي:عُلِّقتْ، وناط الشيء علَّقه: والملاءة: الإزار، أي: الستار الحاجب بينها وبين القوم.
فتلك المفردات في أعلاه، التي تجسدت واقعا في حركة فاطمة÷ في المجتمع آنذاك، تجعلنا أمام الحق بعينه في ضرورة أن تلتزم المرأة المعاصرة اليوم بالحجاب والاحتجاب. ونعني بالحجاب: المقدارَ الواجب الذي فرضه الله تعالى على النساء أجمعين، من ستر تمام الرأس والبدن، وترك الزينة والتبرج أمام الرجال الأجانب.
 وأما الاحتجاب فهو: الوجه الآخر للحجاب المادي، بل هو الجوهر الشريف في صورة الحجاب، ويعني: أن تضع المرأة حاجزا نفسياً وسلوكيا وذهنيا ومادياً([31]) أمام الرجل الأجنبي عنها في حال التعاطي معه. ويتجلى ذلك الحجاب والاحتجاب المطلوب من المرأة والمُؤسّسُ له قرآنيا في قوله تعالى {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].
{فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32]، بمعنى: فلا تتحدثن مع الرجال الأجانب بصوت ليّن يُطمعِ الذي في قلبه مرض في الشهوة الحرام، وهذا أدب واجب على كل امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر, وكذلك قُلن قولا بعيدًا عن الريبة لا تنكره الشريعة.
ومن الحقيقة أن الحجاب الشرعي للمرأة، وكذا احتجابها النفساني والسلوكي لا يُشكّل جدار فصلٍ عائقٍ بينها وبين حركتها المجتمعية، بقدر ما يُشكّل درعاً حصينةً تستتر به عن أعين الرجال الأجانب وطمعِهم بها، وهذا ما توفرتْ عليه شخصية الصدِّيقة فاطمة÷، إذ أنَّها÷ تحجّبتْ واحتجبت وتحرّكتْ وخطبَتْ وطالبتْ بحقها وحق بعلها علي×؛ لذا إذا ما أردنا أن نبني جيلا صالحا من النساء المؤمنات،
فما علينا إلاّ أن نطرح لهُنّ أنموذج الزهراء÷، بالصورة الحقة المتوازنة في أبعادها الوجودية قيمياً،
ويجب أن نقف عند كل مفصلٍ حياتي من مفاصل حياة فاطمة÷، وأن ننظر إلى كيانيّتها الرامزة إنسانيا ودينياً، بعينين صحيحتين بصيرتين كي تكتمل عندنا صورة الحق وأهله.

الصدّيقةُ الزهراء÷
رائدةٌ في القانون والحقوق

حينما نُطالع مُحاجَجة الصدِّيقة فاطمة الزهراء÷ القومَ الذين غصبوا منها فدكاً ظلما وعدوانا، التي هي: >واحة في الحجاز على مقربة من خيبر، كان أهلها من المزارعين اليهود اشتهرتْ قديماً بثمرها وقمحها، أرسل النبي’ علياً على رأس مئة من رجاله لمحاربتهم، ثم صالحهم على أملاكهم سنة 7 هـ‍، فوهبها لفاطمة الزهراء÷ وجَعلتْ فاطمة عاملها فيها، وبعد وفاة الرسول’ عزلوا عاملها وصادروها<.([32])
نجدها÷ قد نهجتْ نهجاً رائعا في قانونيته وحقوقيته؛ مما يكشف عن مدى إحاطتها العلمية والثقافية، بكل ما تشتمل عليه منظومة القانون والحقوق، وفي إطاره الإسلامي الأصيل خاصةً. ومن المعلوم أن القانون أمر كلي وإطلاقي في انطباقه على جزئياته وأفراده، ولذا به احتجّت الزهراء÷ على الغاصب الأول، في تبعيضه التنفيذي له، حينما ورثَ أباه ولم يُمكّنها من وراثة أبيها’؛ فقالت له: >أترثُ أباك ولا أرث أبي’!<، والحق أيضاً، هو ذلك الشيء المعلوم ثبوته لصاحبه ملكاً وتصرفا ونقلاً وتوريثاً وإسقاطاً، ومن هنا تمسكتْ÷ بحقها في فدك.([33])
وبهذه الثنائية ثنائية معرفة القانون والحق، تحركت الزهراء فاطمة÷ في نهضتها القيميّة، نهضةَ استرجاع العمل بالقانون الحق والحقوق السليبة، وهذا ما حصل فعلا بعد شهادة أبيها النبي محمد’، ومنْعها من حقّها وإرثها في فدك، وقد ملّكه إيّاها رسول الله’ في حياته الشريفة، فعن الإمام موسى الكاظم×، أنه قال: >إن الله تعالى لما فتح على نبيه’ فدك وما والاها -ولم يوجف عليها بخيل ولا ركاب- أنزل الله تعالى على نبيه’:
{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26]، فلم يدرِ رسول الله’ مَن هم؟ فراجع في ذلك جبرئيل×، فسأل الله تعالى عن ذلك؛ فأوحى إليه: أن ادفع فدك إلى فاطمة صلوات الله عليها؛ فدعاها رسول الله’، فقال لها: يا فاطمة، إن الله سبحانه أمرني أن أدفع إليك فدك،
فقالت: قد قبلتُ يا رسول الله من الله ومنك. فلم يزل وكلاؤها، فيها في حياة رسول الله’، حتى ولي أبو بكر، فأجمع على منعها فدك، وانصرف عاملها منها<.([34])
وبعدما سلبها الغاصب الأول، ابن أبي قحافة مباشرةً، وادّعى أنها فيء للمسلمين، انبرت الصديقة الزهراء÷ للمطالبة بحقها في فدك، وعدّت استيلاءه على فدك غصباً، وأمراً غير قانوني وغير شرعي لا يمكن السكوت عنه.



الصدّيقة السيدة الزهراء÷ هي الكوثرُ
بنص القرآن الكريم

قال الله تعالى في مُحكم كتابه العزيز: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [ سورة الكوثر].
عند البدء، وبحسب التتبع والتحقيق المعرفي في مجال تفسير هذه السورة المباركة، نجد أن المفسرين اختلفوا في مرادها اختلافا كبيراً، اختلافاً لم يُلحظ مثله في غيرها؛ فبعض المفسرين قالوا: إنّ هذه السورة مكية النزول، وبعض آخر قال: إنها مدنية النزول، فضلا عن تخبطهم في تفسير معنى (الكوثر)؛ فراح البعض منهم يُشرّق ويُغرّب في تفسيرها، فحمّلوا المعنى اللغوي لمادة (كوثر) على مراد الله الحق في هذه السورة، وقالوا: إنّ الكوثر هو الخير الكثير، ونهر في الجنة أعطاه الله لرسوله’، وترد عليه أمته يوم القيامة لتنهل منه، وقالوا: الكوثر هو القرآن الكريم، أو هو الشفاعة، أو هو كثرة الأموال،([35]) والنتيجة أن غيّبوا مرادَ الله الحق في هذه السورة القصيرة، ونحن نقول بأمانة علمية تحقيقية ما يأتي:
أولاً: إنّ نزول هذه السورة الشريفة وقع في مكة لا في المدينة؛ لأنّ المفسرين أنفسهم ذكروا أنّ سبب نزولها هو: أنّ العاص بن وائل السهمي قد عيّرَ رسول الله’ بأنه أبتر، وبخاصة بعد وفاة ولده القاسم من زوجته السيدة خديجة÷، ومن المعلوم أنّ السيدة خديجة÷ وعم النبي مؤمن قريش (أبي طالب)× قد توفيا في مكة قبل الهجرة النبوية الشريفة، باتفاق المؤرخين والمفسّرين، حتى أنهم سمّوا عام وفاتهما بـ (عام الحزن). ([36])
ثانياً: إنّ سبب نزول السورة هذه، ينسجم مع الحادثة الشهيرة بتعيير النبي’ في مكة، من قبل المشركين ورأسهم العاص بن وائل السهمي، ذلك ما اتفق عليه المفسرون، أعني سبب النزول، فكيف يُحرّفون معنى الكوثر المراد قرآنيا عن سبب نزوله؟ وهم يؤمنون يقيناً بقاعدة: (لكل مقام مقال)، يعني أن مقتضى نزول السورة الشريفة هو الرد على مشركي مكة، بأنّ صاحبهم (العاص بن وائل السهمي) هو الشانئ على النبي’ بأنه الأبتر.
ثالثاً: إنّ الآية: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]، تعبير إلهي امتناني وتعظيمي لشخص الرسول محمد’ نفسياً وقلبياً وحتى اجتماعياً، بأنه سيتحقق عندك (الكوثر)، وهو الذرية الكثيرة وهي منحصرة من رحم([37]) الزهراء÷ لا غير، حتى أنّ العرب في الجاهلية كانت تصف ذي الذرية الكثيرة، بأنه (رجل كوثر)، أي صاحب ذرية كثيرة، وهي الخير حقيقة وعرفاً.
ولأنه’ قد تأذى من مقولة الجهلة من المشركين في مكة بأنه (أبتر)، وهذه ظاهرة كانت العرب تعرفها قبل الإسلام، وتعيّر بها من لم يكن له ولد أو عقب؛ فجاءه الخطاب الإلهي بتطييب خاطره’ فعلاً حياتيا ممتدا بامتداد الزمن في الحياة الدنيا.
رابعاً: إنّ مفسري أهل السنة فسروا معنى قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، بأنّ المقصود من الصلاة هنا صلاةُ عيد الأضحى،
والنحر هو الأضحية، وهو ما لا ينسجم وسياقَ الآية الشريفة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}، فالإعطاء هنا قد تحقّق بالفعل خارجاً وهو نعمة من الله تعالى، بإعطائه الوعد بذرية معصومة طاهرة من صلبه الشريف، ومن رحم خديجة الكبرى÷ ومن ولد فاطمة÷ الكوثر الحقيقي، الذي جمع خير النبوة المحمدية الخاتمة لما سبق وخير الإمامة العلوية الفاتحة لما اُستُقبِل، وهو ما يستحق الشكر العملي عليه بصلاة الشكر، ووضع اليدين في حال التكبير فيها بحَذاء الوجه، هذا ما ذهب إليه أئمتنا المعصومون^، وبخاصة ما ورد عن الإمام الصادق×، حينما سُئِل عن معنى النحر؟ فقال×: >هو أن ترفع يديك حَذاء وجهك<.([38])
وقد ذكر السيد الشريف المرتضى في رسائله، تفسيرَ هذا المقطع الشريف: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} من السورة، فقال: >أي استقبل القبلة في نحرك، وهو أجود التأويلات ومن أفصح الكلام عربيا<.([39]) وإلى هذا المعنى قد ذهب أيضا السيد الطباطبائي في تفسيره (الميزان)، فقال: >هذا -أي {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}- تفريعٌ بالأمر بالصلاة والنحر على الامتنان، أي فاشكر يا محمد’ لهذه النعمة (نعمة الكوثر)، والنحر هو رفع اليدين في تكبير الصلاة إلى النحر<.([40])
وبهذا يبطل زعم مفسري السنة بأن النحر هو الذبح للحج، والصلاة هي صلاة عيد الأضحى؛ ذلك لأنّ تشريع الحج قد تم في المدينة وليس في مكة، يعني حصل الأمر بالحج الواجب >سنة تسع أو عشرة للهجرة النبوية الشريفة<،([41]) باعتبار أنّ مكة تم فتحها في العام الثامن للهجرة، فكيف يؤمَر النبي’ بنحر الأضاحي وهو لم يفتح مكة بعد!
أما المفسرون المتخبّطون من غيرنا في تفسير قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}، فيقولون إن الصلاة هنا هي صلاة الأضحى، والنحر هو الأضحية المذبوحة في الحج، فكيف يُعقل هذا! وهل هذا إلاّ تناقض؟ والتأريخ يُصدّق دعوى أن تشريع الحج حصل في المدينة لا في مكة، وسورة الكوثر مكية، {فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}! [يونس: 35].
خامسا: لو تنزلنا جدلاً، بأنّ المقصود من (الكوثر) نهر في الجنة، على ما ذهب إليه أغلب المفسرين من العامة وجمهور السنة، فما الحكمة من قوله تعالى في ذيل سورة الكوثر: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}؟، يعني أن معيّرك ومبغضك (العاص بن وائل السهمي) هو الذي سيكون منقطع الخير والنسب، فما وجه مناسبة الذيل في السورة لصدرها؟([42]) والحال أنّ القرآن الكريم امتاز بالحكمة والضبط البياني والبلاغي والتنظيمي، مما أعجز المشركين، ووفقاً للملحوظات المنهجية والموضوعية في أعلاه، يمكن القول وبقوة: إنّ مفهوم (الكوثر) لا ينطبق مصداقيا وعمليا إلاّ على ذرية النبي محمد’ من فاطمة÷؛ فهم الخير الكثير والنعمة العظيمة التي يجب شكر الله تعالى عليها عملياً.
إذ أن القرآن الكريم دائماً يُعبّر عن الصالحين من المعصومين بـ (النعمة)،([43]) وهذا واضح في سورة الفاتحة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6- 7].

القَضيَّةُ المهدوية
بين يَدي الصدِّيقَةِ الزهراء÷

في خطبتها، تطرح الصدِّيقة فاطمة الزهراء÷ مقولة عظيمة الغاية، ذلك في مجلس أبي بكر، فتقول÷: >وإطاعتنا نظاماً للملة<، وهنا تعني الزهراء÷ ضرورة تأمين الأخذ من منهج أهل البيت المعصومين^، واتّباع إمام الوقت× وفي زماننا هو الإمام المهدي×؛ حتى تنحفظ العقيدة والشريعة الإسلامية، نظاماً صالحاً لقيادة الناس وهدايتهم في هذه الحياة،([44]) وقد قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71]، وفي آية أخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وأولي الأمر هم أهل البيت المعصومون^ بنص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
ومن أبرز المصاديق وأحقها واقعا لولي الأمر اليومَ، هو الإمام المهدي×؛ لأنّ الله تعالى لا يُكلّفنا بطاعة غير المعصومين لزومياً، وبخاصة أن غيرهم يرتكبون المعاصي والذنوب،([45]) وهذا ما لا يتفق وعدالةَ الله تعالى وحكمته وهو سبحانه المُنَزّه عن فعل القبيح عقلا وشرعاً.
ولو دققنا النظر في انتقاء السيدة الزهراء÷ للفظة (النظام) في تعريفها لطاعة أهل البيت المعصومين^، لوجدنا أبعاداً في ما وراء اللفظ والمعنى الظاهر. فالنظام هو ذلك السبيل الوحيد الذي يلم شتات المُبعثرات من الأمور، ويُظهرها في صورة واحدة مُرتَّبة يَصعبُ اختراقها، فيما لو عُنيَ بها فكرا ومنهجا.([46])
ثم تقول÷: >وإمامتنا أماناً من الفرقة<.
والإمامة المعنيِّة هنا هي الإمامة الإلهية بالجعل والنصب، والمُتمثّلة بأئمة أهل البيت المعصومين^،
ورامزها اليوم هو الإمام المهدي×؛ كون الإمامة هي صمام الأمان، ومركز التوحد الإيماني والديني للمسلمين نحو ما قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]، وورد في تفسير هذه الآية الشريفة أنَّه
>قالوا: يا رسول الله’، ومن وصيّك؟ فقال’: هو الذي أمركم الله بالاعتصام به، فقال عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، فقالوا: يا رسول الله بيّن لنا ما هذا الحبل؟ فقال’: هو قول الله: {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاس} [آل عمران: 112]، من آية: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [آل عمران: 112]، فالحبل من الله كتابُه ، والحبل من الناس وصيي، أي: الإمام علي×<.([47])
إذاً، يتبيّن أن الإمام المعصوم× هو حبل الله تعالى، وهو تعبير كنائي عن ضرورة الاعتصام بإمام منصوب من الله تعالى، يشدّ الناس إلى ربِّهم شدّا. فالإمام المعصوم× هو حبل الله المتين بين عباده في كل زمان من الأزمنة، والاعتصام به لا يحصل إلا بموالاته ونصرته . وقال أمير المؤمنين× في بعض خطبه: >أيها الناس لو لم تخاذلوا عن نصر الحق، ولم تهنوا عن توهين الباطل، لم يطمع فيكم من ليس مثلكم، ولم يقوَ من قوي عليكم، لكنكم تهتم متاه بني إسرائيل، ولعمري ليضعفن عليكم التيه من بعدي أضعافا بما خلَّفتم الحق وراء ظهوركم...<.([48])
وفي التوقيع الرفيع الصادر إلى الشيخ المفيد رحمه الله تعالى من الناحية المقدسة: أي: الإمام المهدي×: >ولو أنَّ أشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم؛ لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا، على حق المعرفة وصدقها منهم بنا<.([49])
وفعلاً، نحن قد رأينا كيف جرتْ الأمور، بعد انحراف الناس عن جادة أئمة أهل البيت^؛ فلو أن الناس اجتمعوا حول إمامة الأئمة المعصومين^، لما تفرّقت الأمة وأصبحتْ طرائقَ قددا.



محنة فراق فاطمة÷

لقد شعرَ الرسولُ الأكرم محمد’ بالحزن والأسى, وأحس بالفراق والوحشة عندما فقد خديجة÷ زوجته ونصيرته، وعمه (أبو طالب)× المحامي والمدافع المؤمن المُوحّد؛ فسُمّي ذلك العام بعام الحزن. فشاطرت السيدة فاطمة الزهراء÷ أباها’ في مصيبته هذه، ورُزِئتْ هي الأخرى، فشملتها محنة ذلك العام الحزين لفقد أمها الحنون÷، ولم تكن÷ بعد قد شبعتْ من حنانها وعاطفتها؛ فأحستْ الزهراء÷ أيضا بغمامة الحزن واليتم تخيّم على حياتها الطاهرة.
ويحسّ الأبُ المقدس الحنون’ بوطأة الحزن على نفس الزهراء÷، ويرى دموع ابنته الصغيرة دموع المحنة القادمة على متن المستقبل، تتسابق على خدّيها فيرق القلب الرحيم، وتفيض مشاعر الأبوة الصادقة، فيحنو رسول الله’ على الزهراء÷ ليعوّضها من حبه وحنانه.
كان الرسول الأكرم’ أقرب إنسان إلى فاطمة÷ ولا إنسان أقرب إلى نفسه الشريفة من فاطمة÷؛([50]) فلذا عبّر عن هذا السر عدة مرات،
فقال’: >إنَّما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها<،([51]) وهنا يستشرفُ الرسول الأكرم’ المستقبل القادم بحمولاته الجاهلية والحاقدة، التي ستغتال الزهراء÷ من قريب، وهذا ما بيّنته الأحاديث الشريفة عنه’ في حق الزهراء÷ في قوله’: >فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني<.([52])
ونتساءل يا رسول الله’: وهل أحدٌ يقدر على أنْ يغضِب فاطمة÷ وأنت وعلي× في الوجود! كلا، إنَّها قراءة المستقبل القريب، القادم بثقله على قلب فاطمة÷ وضلعها وجنينها السقط المُحسن الشهيد في حادثة الدار الشهيرة تأريخياً.
وتبكي فاطمة÷؛ فيقول الرسول الأكرم’: >يا بنية لا تبكي فإن الله مانع أباك، ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب<.([53])
ولمّا بلّغ الرسول الأكرم’ رسالته، وأكمل مهمته على هذه الأرض، وآنَ له أن يلتحق بربه الكريم، كان قد مرض رسول الله’ والزهراء÷ تنظر إليه وجلةً، فتشعر أنّها هي المقبوضة الأجل، فتجلس÷ بقربه’، فيرحب بها ويخبرها بقرب رحيله’، وأنّها أول أهله لحوقا به، فتستبشرُ الزهراء÷ بذلك الأجل القادم لها؛([54]) لأنه يمنحها سرعة اللحوق بأبيها’، وهي÷ التي تختار الموت للقائه عن الحياة من دونه، فبُعيد رحيل الرسول الأكرم’ لم تعش الزهراء÷ طويلا.
إنَّها أيام قلائل وتبدأ محنة الزهراء÷، محنة فدك ومحنة علي× في حقه، ومحنة ضلعها الكسير المُهشَّم بعصرة الباب وقسوته الحاقدة، لقد أثّرت الأحداثُ التي عَصفت بالأمة الإسلامية بعد شهادة الرسول الأكرم’ في الصدّيقة الزهراء÷، فكل تلك المآسي جعلتها تمرض وتعاني من شدة المرض أربعين ليلة، وعن ابن عباس، قال: >مرِضَتْ فاطمة÷ مرضاً شديداً؛ فقالت÷ لأسماء بنت عميس: ألا ترين إلى ما بلغت؟ فلا تحمليني على سرير ظاهر، فقالت أسماء: لا، لعمري ولكن أصنع نعشاً كما رأيتُ يصنع بالحبشة، قالت÷: فأرينيه: فأرسلت إلى جرائد رطبة فقطعت من الأسواق، ثم جُعلتْ على السرير نعشا وهو أول ما كان النعش، فتبسّمت وما رأيتها متبسمة إلاّ يومئذ، ثم حملناها فدفناها ليلاً<.([55])
إنّ الزهراء÷ كانت تبدو في اليوم الأخير من حياتها الشريفة وكأنها تتماثل للشفاء الأبدي، فهي كانت متيقنة بالرحيل واللحوق السريع بأبيها’، فقالت÷: >يا ابن عم، إنَّه قد نُعيَت إليّ نفسي لأرى ما بي، لا أشك إلاّ أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة،
وأنا أوصيكَ بأشياء في قلبين -وما في قلبكِ يا فاطمة÷؟ أتفكّرين في محنة علي× من بعدكِ؟
أم محنة الحسن×؟ أم تفكرين في الحسين× وما سيجري عليه يومَ عاشوراء؟
أم تتمنِين أنْ تطول حياتكِ فتنصرين ولدكِ الإمام المهدي المُنتَظر×، وتسترجعين حقك يا زهراء؟-
قال لها علي×: أوصيني بما أحببتِ يا بنت رسول الله، ثم قالت÷: جزاك الله عني خير الجزاء، يا ابن عم، أوصيك: أولاً، أن تتزوج بعدي بابنة أختي أمامة، فإنها تكون لولدي مثلي، فإن الرجال لا بد لهم من النساء، ثم قالت÷: أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني، وأخذوا حقي فإنّهم أعدائي وأعداء رسول الله، وأن لا يصلي علي أحد منهم ولا من أتباعهم ، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار<.([56])
و>عن علي بن الحسين بن علي، عن أبيه الحسين^: قال: لما مرَضتْ فاطمة بنت النبي’، وصَّت إلى علي× أن يكتم أمرها، ويخفي خبرها، ولا يُؤذن أحداً بمرضها، ففعل ذلك. وكان علي× يمرضها بنفسه، وتُعينه على ذلك أسماء بنت عميس على استسرار بذلك كما وصتْ به، فلما حضرتها الوفاة وصَّت أمير المؤمنين× أن يتولى أمرها، ويدفنها ليلا، ويعفي قبرها.
فتولّى ذلك أمير المؤمنين× ودفنها، وعفى موضع قبرها. فلما نفض يده من تراب القبر، هاج به الحزن، فأرسل دموعه على خديه، وحول وجهه إلى قبر رسول الله’، فقال×:
السلام عليك يا رسول الله مني ، والسلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرة عينك، وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار لها الله سرعة اللحاق بك، قلَّ يا رسول الله عن صفيتكَ صبري، وضعف عن سيدة النساء تجلدي، إلاَّ أنّ في التأسي لي بسنتك والحزن الذي حل بي بفراقكَ موضع التعزي، فلقد وسّدتكَ في ملحود قبرك بعد أن فاضتْ نفسك على صدري، وغمضتكَ بيدي، وتوليتُ أمرك بنفسي ، نعم وفي كتاب الله أنعم القبول، إنا لله وإنا إليه راجعون. لقد اُستُرجعَت الوديعة (أي: الزهراء÷) وأُخذَت الرهينة، واختُلِستْ الزهراء فما أقبح الخضراء والغبراء، يا رسول الله! أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهّد، لا يبرح الحزن من قلبي، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيح، وهم مهيج، سرعان ما فرق بيننا ، وإلى الله أشكو، وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك عليّ وعلى هضمها حقها، فاستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين<.([57])
وفي رواية أخرى بشأن وصيتها÷، قال لها علي×:
أوصيني بما أحببتِ يا بنت رسول الله’، فجلس عند رأسها وأخرج مَن كان في البيت، ثم قالت÷: يا ابن عم، ما عهدتني كاذبة ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني، فقال×: معاذ اللهَ أنتِ أعلم بالله وأبرّ وأتقى وأكرم، وأشد خوفا من الله من أن أوبّخك بمخالفتي، وقد عزَّ عليّ مُفارقتكِ وفقدكِ، إلاّ أنه أمر لا بد منه، والله لقد جددتِ عليّ مصيبة رسول الله’،([58]) وقد عظمت وفاتكِ وفقدكِ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، من مصيبة ما أفجَعها وآلمها وأمضها وأحزنها، هذه والله مصيبة لا عزاء عنها ورزية لا خلف لها، ثم بكيا‘ جميعا ساعة، وأخذ علي× رأسها وضمها إلى صدره، ثم قال:
أوصيني بما شئتِ؛ فإنّكِ تجديني وفيّا أمضي كل ما أمرتني به، وأختار أمركِ على أمري، قالت÷: جزاك الله عني خيرَ الجزاء يا ابن عم، ثم أوصته بما أرادت، فقام أمير المؤمنين علي× بتنفيذ جميع ما وصَّته به، فغسلها في قميصها وأعانته على غسلها أسماء بنت عميس<.([59])
وحين حان موعدُ دفنها÷، كان الكلُ ينتظر أن يُشيِّع الجسد الطاهر إلى مثواه الأخير، إلاّ أن علياً× أخرج إليهم سلمان أو أبا ذر، وأمره أن يصرفَ الجميع؛ لأنّ فاطمة÷ أوصتْ أن لا يُشيّعها الناس وأن لا يُدخل على جثمانها أحد.
>وخرجَ أبو ذر، فقال: إنصرفوا فإن ابنة رسول الله’ قد أُخّر إخراجها في هذه العشية، فقام الناس وانصرفوا، فلما أنْ هدأت العيون، ومضى من الليل... أخرجها علي والحسن والحسين^، وعمار والمقداد، وعقيل والزبير، وأبو ذر وسلمان وبريدة، ونفر من بني هاشم وخواصه، صلوا عليها، ودفنوها في جوف الليل، وسوي على حواليها قبوراً مزورة مقدار سبعة حتى لا يُعرف قبرها<.([60])
وهكذا ودّعتْ فاطمة÷ علياً× وأولادها الحسن والحسين وزينب^، وارتفعت روحها الطاهرة إلى عالم الخلد والنعيم الأبدي، وطوت÷ صفحة الحياة الدنيا لتبدأ مرحلة البقاء في عالم الآخرة، ورحلتْ فاطمة÷ إلى ربِّها راضية مُطمئنة، ونشرتْ ألغازها في سفر الوجود، تاركةً في قلب المؤمنين لوعة لا تهدأ، يحمل أسرارها الإمام المهدي× من مظلوميتها وخفاء قبرها الشريف.
ولتحيا أبداً في ضمير الإنسانية المؤمنة والتاريخ الحق، مثلاً أعلى وقدوة صالحة معصومةً، تتطلع إليها الأنظار الواعية وتسمو في قدسها النفوس الراقية. فسلام عليها يوم ولدِتْ ويوم قضتْ شهيدةً ويوم تبعث حيا.






B


([1]) الكافي، الكليني: 1: 458.
([2]) {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]. فالتطهير هنا توكيد للعصمة بالفعل بإزالة كل الخبائث النفسية والمادية.
([3]) الكافي، الكليني:1: 460.
([4]) القطعة من اللحم.
([5]) إن كون الزهراء÷ روح النبي’ مما يجعله’ في المقابل روحَها÷ أيضاً؛ فهي بعد وفاة الرسول’ لم تلبث أن لحقت به؛ لأنها فقدت روحها. وهي÷ جزء من أهم مقومات وجود الإنسان بالنسبة إلى وجود أبيها’: الجسد، والعين، والقلب، والروح.
([6]) الفريصة: ما بين الجنب والكتف، وارتعادها كناية عن شدة الخشية من الله تعالى.
([7]) الأمالي، الصدوق: 176.
([8]) {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} [الحديد: 19].
([9]) {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: 27- 28].
([10]) تاج المواليد، الطبرسي: 21.
([11]) دلائل الإمامة، محمد بن جرير الطبري (الشيعي): 81.
([12]) كانت هجرتها÷ بُعيد هجرته’، مع الإمام علي× عندما هاجر سائراً بالفواطم، في حادثة مشهورة.
([13]) تاج المواليد، الطبرسي: 22.
([14]) ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري: 167.

([15]) كتاب فضائل الصحابة: باب فضائل أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
([16]) إزارُ خَزٍّ (ثياب تُنسج من صوف وإبريسم) فيه عَلَمٌ.
([17]) الدر المنثور، السيوطي: 5: 199.
([18]) قد يكون استعمال الكساء منه’، تمثيلاً محسوساً للقصر المأمور به في الآية الكريمة، وذلك مما يؤكد المعنى المُراد.
([19]) تأريخ الإسلام، الذهبي: 3: 44.
([20]) في سياق الآية السابقة من السورة نفسها، وهي: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الممتحنة: 4]، عبّر القرآن الكريم بـ (الذين مع النبي إبراهيم×)، فهي تفسير لما في الآية المذكورة لاحقاً (فيهم)، ونرى مقدار عظمة الذين مع النبي×؛ فهم مساوون له في مقدار التأسي بهم من قبل الناس، وما أشد انطباق مصداق الآية على أهل بيت النبي محمد’!
([21]) بحار الأنوار، المجلسي: 43: 16.
([22]) >وأُمُّ كل شيء: أَصْلُه وعِمادُه؛ قال ابن دُريَد: كل شيء انْضَمَّت إليه أَشياء، فهو أُمٌّ لها<. لسان العرب: مادة: (أمم).
([23]) المناقب، الخوارزمي: 354. ويبدأ النص بقوله×: >فوالله ما أغضبتُها، ولا أكرهتها على أمرٍ حتى قبضها الله عز وجل...<. بحار الأنوار، المجلسي: 43: 134. وفي هذا توجيه للرجال بأن يراعوا زوجاتهم نفسياً وعاطفياً ومادياً؛ كي يصفو عيش الزوجين.
([24]) جمع أجير، وكان يسمى (العسيف).
([25]) المناقب، الخوارزمي: 354. وجدير بالذكر أن النبي’ أخدمَ الزهراءَ÷ بالخادمة فضة النوبية رضوان الله تعالى عليها، وهي من النساء التقيات الملازمات للزهراء÷، ثم الإمام علي×، وكانت تتكلم بالقرآن في حديثها اليومي، وهي التي صامت مع أهل البيت^ في حادثة نزول الآية: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7]. ثم كانت فضة مع العقيلة زينب÷ في ركب سبايا كربلاء. وروي أنها جاءت مع العقيلة إلى الشام، وجاورت قبرها بعد وفاتها حتى توفيت رحمها الله، ومرقدها في دمشق.
([26]) الصوف أو وبر الإبل.
([27]) مجمع البيان، الطبرسي: 10: 382.
([28]) دلائل الإمامة، محمد بن جرير الطبري (الشيعي):152. و(الدار) هنا كناية عن أهله.
([29]) كذلك كانت قضية فدك، فهي من أجل إسناد ولاية أمير المؤمنين× وشيعته، عبر خطبتها الحافلة بكثير من كلمات الحق عند السلطان الجائر، ولا يعني هذا كله أن تسكت الزهراء÷ عن حقها المادي المسلوب؛ فأهل البيت^ أهل شجاعة كما هم أهل زهد.
([30]) الاحتجاج، الطبرسي: 1: 132.
([31]) تعني هذه المحدّدات الأربع شمول جوانب فعل الاحتجاب للمرأة، نفسياً، بمعنى: عاطفياً، فلا تميل المرأة عاطفياً نحو الرجل فتقترب منه، وسلوكياً، بمعنى: أن لا تدع تعاملاتها الضرورية اليومية والمستمرة سبباً للتنازل عن الحاجز بينها وبين الرجل شيئاً فشيئاً، وذهنياً، بمعنى: أن لا تسوّغ لنفسها -عبر التفكير- بنقض القناعات الإسلامية بأحكامه المتسالم عليها، فتجعله تمهيداً لترك احتجابها ومادياً، بمعنى: النتيجة والهيئة المتحققة أخيراً من كل الجوانب السابقة، أو هو الحجاب عامة. والملاءة هنا خير مثال على الحجاب المادي.
([32]) معجم البلدان، ياقوت الحموي: 4: 238- 239.
([33]) لقد كانت قضية فدك قد خرجت عن الطور البسيط وهو المطالبة بالحق المادي فقط، خرجت إلى طور المحاججة في الأصول التشريعية الخاصة بالموضوع، في آيات القرآن، والحديث النبوي المأثور، بل إلى طبيعة تفاصيل رسالة الإسلام في عرب الجاهلية. ومن أراد المزيد من التفصيلات فليراجع كتاب (فدك في التاريخ) للشهيد السيد محمد باقر الصدر، وغيره من الكتب.
([34]) ينظر: دلائل الإمامة، محمد بن جرير الطبري: 111.
([35]) قال صاحب لسان العرب: >وجميع ما جاء في تفسير الكوثر قد أُعطيه النبي’؛ أُعطي النبوّة، وإِظهار الدين الذي بعث به على كل دين، والنصر على أَعدائه، والشفاعة لأُمته، وما لا يحصى من الخير، وقد أُعطي من الجنة على قدر فضله على أَهل الجنة’<. لسان العرب، ابن منظور: مادة: (كثر). والغريب أنه لم يشر إلى كثرةِ بركة الزهراء÷!
([36]) تاريخ اليعقوبي: 2: 35.
([37]) >أشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة<. مصباح المتهجد، الطوسي: 721.
([38]) الحبل المتين، البهائي العاملي: 132/ الطبعة القديمة.
([39]) رسائل المرتضى، السيد المرتضى: 1: 439.
([40]) تفسير الميزان: 20: 394.
([41]) تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي: 7: 19. وذكر السرخسي: >روت عائشة: أن النبي’ كان مفرداً، وإنما حج رسول الله’ بعد الهجرة مرة<. المبسوط: 4: 25.
([42]) قد يُقال: إن في القرآن آيات جاءت في سياق خاص بين آيات أخرى، نحو آية التطهير لأهل البيت^ التي جاءت في سياق آيات خطاب نساء النبي’، فهذه مثل تلك (قياساً مع الفارق)، لكن سورة الكوثر بآياتها الثلاثة ونهاياتها المتحدة بحرف الراء، واتفاق المفسرين على ذيل السورة، مع القرائن الحديثية والتاريخية، يؤكد أن آيات سورة الكوثر جاءت في سياق واحد متصل، ولكن جرى إلقاء البشرى على قلب النبي’ في مطلع السورة، والإتيان بوصف (الأبتر) إلى نهاية السياق؛ تحقيراً وتصغيرا وإهمالاً لشأن المعيّر، أو إشارة إلى نهايته فعلياً بما لا يكون من بعده كلام أو (ذرية).
([43]) هذا من باب تسمية الشيء بما يؤول إليه، فالمعصومون^ هم نعمة من الله سبحانه؛ لأنه عز وجل أنعم عليهم، ثم أنعم علينا بهم.
([44]) قد يظن بعض المسلمين على أن تفرّق الأمة الإسلامية على هذا الحال من الطوائف والصراعات إنما هو رحمة للأمة، أو هو من سنن الله -والعياذ بالله- في خلقه!، والحق أن القرآن كما يدعو إلى التوحيد الربوبي، فإن الطريق إلى توحيد الواحد واحد، فلم تكن الشريعة والعقيدة الإسلامية متجزئة أو مختلفة السبل، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]. قال الصادق×: >إنما الدين واحد<.
([45]) أي وجوبٍ في لزوم طاعة غير المعصوم؟ فإذا كان المطيع والمُطاع على الدرجة نفسها -أو بتفاوت يسير- من التقوى والعمل فأي مزية لأحدهما على الآخر بلزوم تلقّي الدين عنه! فلا بد من معصوم لا يخطئ ولا ينسى. فالدين الكامل لا يبلّغه إلا كامل.
([46]) في القرآن الكريم، لم يكن جعل الأمور والمخلوقات تكوينياً إلا بالنظام، فالآيات تعبّر عنه بـ (القدر)، وهو من ضرورات النظام، نحو ما في: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 21]، {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى: 27].
([47]) الغَيبَة، النعماني: 48. وفي صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي×: >قام رسول الله’ يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربى فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغّب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي<
([48]) مكيال المكارم، ميرزا محمد تقي الأصفهاني: 2: 283.
([49]) تهذيب الأحكام، الطوسي: 1: 40.
([50]) لا يتزاحم هذا مع ما لعلي× من المنزلة الخاصة في نفس رسول الله’، وقد قال’ في حقه: >يا علي، أنا وأنت أبوا هذه الأمة، يا علي، أنا وأنت والأئمة من ولدك سادة في الدنيا، وملوك في الآخرة، من عرفنا فقد عرف الله، ومن أنكرنا فقد أنكر الله عز وجل<. الأمالي، الصدوق: 755.
([51]) ورد في تفسير الرازي: 9: 160: >وقال عليه الصلاة والسلام: فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها<.
([52]) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب مناقب المهاجرين وفضلهم: 4: 210.
([53]) السيرة النبوية، إبن هشام: 2: 283. تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر: 66: 338.
([54])  في مسند أحمد بن حنبل: 6: 77: >عن عائشة: أن رسول الله’ دعا فاطمة ابنته فسارّها فبكت، ثم سارها فضحكت، فقالت عائشة: فقلت لفاطمة: ما هذا الذي سارك به رسول الله’، فبكيتِ ثم سارك فضحكتِ؟ قالت: سارني فأخبرني بموته فبكيت، ثم سارني فأخبرني أني أول من أتبعه من أهله فضحكت<.
([55]) وسائل الشيعة، الحر العاملي، أبواب الدفن وما يناسبه، باب استحباب اتخاذ النعش لحمل الميت ويتأكد في المرأة: 3: 220- 221.
([56]) روضة الواعظين، النيسابوري: 151.
([57]) الأمالي، المفيد: 282.
([58]) في عبارته× ما يؤكد تماثل كيانها÷ مع كيان النبي’، فالحزن على الزهراء÷ كالحزن على النبي’.
([59]) أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين: 1: 322.
([60]) روضة الواعظين، النيسابوري: 152.
شاركه على جوجل بلس

عن مرتضى علي الحلي

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات: