:: الازدواجيّةُ في شخصيّة
الإنسان في نظرِ أمير المؤمنين ،الإمام علي بن أبي طالب ،عليه السلام ،::
- المواصفاتُ والمُعطياتُ
السلبيّةُ :
ما زلنا في المواعظ التي قالها الإمام علي ، أمير المؤمنين ، عليه السلامُ
، والتي يُبيّنُ من خلالها أصولَ الرذائل الأخلاقية في شخصيّة الإنسان ، والتي
تكون سبباً لأمراض القلوب ، وقد نبّهنا عليها رشداً للجاهل بها ، وتنشيطاً للكاسل
عنها ، وقد ذكرنا بعضها فيما سبق ، ونذكر بعضاً آخر منها ، ليتبيّنَ لنا معالمَ
وحالةَ الازدواجية في الشخصية الإنسانية والتناقض فيها بين الأقوال والأفعال
والمشاعر والعواطف.
وبعض الناس يعيش هذه الحالة حالة الازدواجية في السلوك والفعل والدعوة ،
وسنذكر مصاديق لهذه الازدواجية
لعّلّنا ننتبه من غفلتنا عنها.
قال : عليه السلامُ : في مقطع يوضح حالة الازدواجية :
( يَنْهَى ولَا يَنْتَهِي ويَأْمُرُ بِمَا لَا يَأْتِي - يُحِبُّ الصَّالِحِينَ
ولَا يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ - ويُبْغِضُ الْمُذْنِبِينَ وهُوَ أَحَدُهُمْ - يَكْرَه الْمَوْتَ
لِكَثْرَةِ ذُنُوبِه - ويُقِيمُ عَلَى مَا يَكْرَه الْمَوْتَ مِنْ أَجْلِه - إِنْ سَقِمَ
ظَلَّ نَادِماً وإِنْ صَحَّ أَمِنَ لَاهِياً - يُعْجَبُ بِنَفْسِه إِذَا عُوفِيَ ويَقْنَطُ
إِذَا ابْتُلِيَ - إِنْ أَصَابَه بَلَاءٌ دَعَا مُضْطَرّاً وإِنْ نَالَه رَخَاءٌ أَعْرَضَ
مُغْتَرّاً - تَغْلِبُه نَفْسُه عَلَى مَا يَظُنُّ ولَا يَغْلِبُهَا عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ
- يَخَافُ عَلَى غَيْرِه بِأَدْنَى مِنْ ذَنْبِه - ويَرْجُو لِنَفْسِه بِأَكْثَرَ مِنْ
عَمَلِه)
: نهج البلاغة ، ت ، د ، صبحي الصالح ،ص 498.:
إنَّ مفهوم الازدواجيّة - يَنْهَى ولَا يَنْتَهِي ويَأْمُرُ بِمَا لَا يَأْتِي
- ::
هو أن يخالفَ الإنسانُ نفسه في
أقواله وأفعاله ومشاعره وعواطفه وتصرفاته ، فكأن ينهى الناس عن أمر ما مِن قبيح
الأعمال وهو لا ينتهي عنه.
أو قد يأمرهم بفعل الصالحات من الأعمال وهو لا يفعلها ، وواقعاً أنّه بحكم
وجود المصالح والمنافع والبركات في الأعمال الصالحة فينبغي به أن يفعلها نفسه ،
ومن ثم يأمر الآخرين بها ، وكذلك الحال فيما يوجد من المفاسد والمضار في الأعمال
القبيحة فالأصل أن ينتهي عنها ثم ينهى الناس عنها ، أما أن ينهى ولا ينتهي أو يأمر
ولا يفعل فهذه هي الازدواجية والتناقض بل النفاق حقيقةً.
فإذا كان هذا الشخص يعتقد بالمصالح والمنافع في الأعمال الصالحة فلماذا لا
يفعلها ؟
وكذا إذا كان يعتقد بالمفاسد والمضار في القبائح والمحرّمات من الأفعال
فلماذا لا ينتهي ؟ إذاً هذه هي
حالة التناقض والازدواجية ، التي يعيشها بعض الناس ، .
وقد وبّخ القرآن الكريم في آياته الشريفة هذه الصنف من الناس ، حيث قال
تعالى:
((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ
تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ))(44) البقرة.
قال أمير المؤمنين ، عليه السلام: - يُحِبُّ الصَّالِحِينَ ولَا يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ - ويُبْغِضُ
الْمُذْنِبِينَ وهُوَ أَحَدُهُمْ - ::
إنَّ الإنسان الصالح إذا كان يحبُّ الصالحين فلماذا لا يعمل بأعمالهم ، فهل
يحبّهم لأشخاصهم أو لأعمالهم الصالحة ، والأصل أن يقتدي بهم وأن يتطابق حاله في
قوله وفعله ، لا أن يُظهرَ عواطفَ ومشاعر
الحب لهم ويخالفهم في التطبيق والفعل.
وكذلك الحال في التعاطي مع المذنبين وكيفية إظهار المشاعر والعواطف تجاههم
,
فكيف يبغض المذنبين وهو أحدهم وكان عليه أن يكره ذنبه وينتهي عنه.
فهذا هو التناقض في الدعوة والمشاعر والعواطف والأفعال على مستوى تكوين
الشخصية في حال الازدواجية والتناقض فيها.
فالشعور بحب الصالحين ينبغي أن يترجمه بالاعتبار بهم وبأعمالهم الصالحة ,
وهكذا ببغضه للمذنبين فينبغي به أن يترك أعمالهم القبيحة.
قال :، عليه السلام: يَكْرَه الْمَوْتَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِه - ويُقِيمُ عَلَى
مَا يَكْرَه الْمَوْتَ مِنْ أَجْلِه - ::
واقعاً إنَّ الإنسان الذي له ذنوب ومعاصي يتمنّى أن لا يحلّ به الموتُ ،
ويكره أن يقتربَ أجله ، لأنّه سيواجه هذه الذنوب والحساب والعقاب عليها.
ويفترض به إذا كان يخاف من الموت أن يترك الذنوب ويبارد للتوبة ويصلح حاله
قبل فوات الأوان.
لأنَّ مِن المعاصي ما يترتّب عليه حق مالي للناس أو لله تعالى وكذا حق
عبادي له سبحانه.
ويفترض إذا لم تكن هناك ازدواجية في شخصية الإنسان فعليه أن يبادر للتوبة
وإصلاح نفسه ، ولكنه مُقيم على حالة الذنوب والمعاصي .
وهذه الحالة السلبية قد أشارَ
إليها القرآن الكريم في وصف اليهود بها ، قال تعالى:
((قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً
مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ
يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ
(95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا
يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ
أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96))) البقرة.
وينبغي بالمؤمن الصادق في اعتقاده أن يبادرَ للتوبة وأداء الحقوق وأن يكون
حاله متطابقاً قولاً وفعلا.
قال :، عليه السلام: إِنْ سَقِمَ ظَلَّ نَادِماً وإِنْ صَحَّ
أَمِنَ لَاهِياً :::
إنَّ الله تعالى يرى الإنسان حينما يرتكب الذنوب والمعاصي , وهو غافل عن
الآخرة , فينبهه سبحانه ببعض الأساليب حتى يلتفتَ للآخرة وللأعمال الصالحة ويترك
الذنوب , ولكن قد يغترّ بالدنيا وبعافيته وصحته وسلطته , وبعد أن لم يلتفت فالله سيبتليه
بضائقة مالية مثلا أو بمرض أو مشكلة حتى يلتفت إلى نتائج أعماله وذنوبه؟
وبعض الناس حينما يمرض يدعو لله بشدة ولكن حالما يُعافى أو يخرج من البلاء
أو الفقر أو المرض ينسى ما كان عليه , ويعود إلى اللهو والذنوب والاشتغال
بالدنيا.
وهذا هو معنى قوله : عليه السلام: وإِنْ صَحَّ أَمِنَ لَاهِياً : -
بمعنى أنّه يعيش بعد العافية حالة من الأمن من البلاء فيما بعد ويغفل عن
قدرة الله تعالى وعلمه بحاله , والمفروض به أن يتوب من ذنوبه ، لا أن يعود إليها.
قال : عليه السلام : في وصف حالة الازدواجية والتناقض :
- يُعْجَبُ بِنَفْسِه إِذَا عُوفِيَ ويَقْنَطُ إِذَا ابْتُلِيَ - إِنْ أَصَابَه
بَلَاءٌ دَعَا مُضْطَرّاً وإِنْ نَالَه رَخَاءٌ أَعْرَضَ مُغْتَرّاً - تَغْلِبُه نَفْسُه
عَلَى مَا يَظُنُّ ولَا يَغْلِبُهَا عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ -
إنَّ حالة العافية هي ما تقابل حالة الابتلاء , فقد يعيش الإنسانُ حالاً
مرفهاً ومنعماً ,
ولا يعيش حالات الابتلاء من الضيق وغيره , فيصيبه الاعتدادُ بالنفس والغرور
بحاله – حالة الشباب والتمكّن المالي والسلطوي والوجاهة , ويغفل عن أنّ الله تعالى
هو قادر على أن يغيّر حاله , ويبتليه , وفي وقت كان عليه أن يشكر ربه على نعمه
التي تفضل بها عليه , ولم يكن تحصيلها له بفعل قدراته وذاته - أي الشخص نفسه – بل الله
هو المنعم الحقيقي ، وهو قادر على سلبها منه ومنحها لغيره.
ففي البلاء يدعو ربه , وفي الرخاء ينساه ، هذا هو حال الشخصية الازدواجية ,.
والمفروض بالإنسان المؤمن أن يعيش حالةَ التطابق بين اعتقاده والتوجه
والعمل.
فإذا أُصيب بالبلاء يتوجّه إلى الله ويدعو((أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا
دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)) ، ولكن إذا عوفي عادَ ورجعَ إلى ما كان عليه ،
فيغفل.
والمطلوب منه أن يتطابق حاله في اعتقاده في الرخاء والشدّة معاً .
ومن حالات الازدواجية في الشخصية ما قاله :عليه السلام : في التوصيف:
-
يَخَافُ عَلَى غَيْرِه بِأَدْنَى مِنْ ذَنْبِه - ويَرْجُو لِنَفْسِه بِأَكْثَرَ
مِنْ عَمَلِه - ::
وفي هذه الحال يظهر التناقض في رؤية الإنسان لذنوبه على أنّها صغيره ولذنوب
الناس على أنّها كبيرة ، وقد تكون صغيرة واقعاً ,مناقضاً بذلك نفسه بنفسه ،بحيث
يحتقر أعمال الآخرين و يستصغرها ، ويرى لنفسه الأكثر منها بحجة توفر أعماله على
شروط ومقدمات شرعية ، قد لا تكون متوفرة في أعمال غيره بحسب ما يرجو.
وختاماً ينبغي بالإنسان المؤمن العاقل أن لا يعيش هذه الحالة المذمومة في
التناقض والازدواجية على مستوى الاعتقاد والأقوال والمشاعر والسلوك.
_______________________________________________
مَضمونُ خطبةِ الجُمعَةِ الأولى والتي ألقاهَا سَماحةُ الشيخ عبد المهدي الكربلائي ,دَامَ عِزّه, الوكيل
الشرعي للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ الشَريفةِ في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس ,اليوم ,
الثامن من جمادى الأولى ,1439 هجري- السادس والعشرين من كانون الثاني,2018م.
________________________________________________
: تدوين – مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشْرَفُ –
- كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ تعالى , رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ
, ونسألَكم الدُعاءَ-
_______________________________________________
0 التعليقات:
إرسال تعليق