: مُسلِّم بن عقيل :سِمو الهوية والذات والموقف:


: مُسلِّم بن عقيل : رضوان الله تعالى عليه :
سفيرُ الإمام الحسين :عليه السلام :
: سِمو الهَويَّةِ والذاتِ والموقف :
============= =========== 
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين

:سِمو الهَويَّة والذات :
============== 
مسلم بن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم 
هو تابعي من ذوي الرأي والعلم والشجاعة 
كان مقيماً بمكة ، وانتدبه الإمام الحسين :عليه السلام: ليتعرف له حال أهل الكوفة حين وردتْ عليه كتبهم يدعونه ويبايعون له 


وأما والده فهو عقيل بن أبي طالب إذ كان أحب ولد أبي طالب إليه .
وأسلم أبو طالب :رض: علياً إلى رسول الله ، وجعفرا إلى العباس ليربياهما 
كما كانت أشراف العرب تفعل ذلك بأبنائها 
وتمسكَ بعقيل 
وقال :رض: إذا بقي لي عقيل فلا أبالي 
وكان ذلك من صنع الله عز وجل لعلي عليه السلام 
فإنَّ كان عند رسول الله فمنَّ الله عليه بالسبق إلى الإسلام . 
وكان رسول الله : صلى الله عليه وآله:
يقول لعقيل :إنِّي لأحبك يا عقيل حبين ، حب لك وحب لحب أبي طالب إياك:
339 :شرح الأخبار:القاضي النعمان المغربي:ج3:ص


: وأما أمه فهي أم ولد يُقال لها . عليََّة وكان عقيل إشتراها من الشام فولدتْ له مسلما:
:مقاتل الطالبيين :أبوالفرج الأصفهاني:ص52:

: وعن ابن عباس ، قال : قال علي : عليه السلام : لرسول الله : صلى الله عليه وآله :
: يا رسول الله ، إنَّكَ لتحب عقيلا ؟
قال :ص: إي والله إني لأحبه حبين : 
حُبّاً له ، وحُبّاً لحب أبي طالب له ،
وإنَّ ولده :ويقصد مسلم :لمقتول في محبة ولدك 
فتدمع عليه عيون المؤمنين ، وتصلي عليه الملائكة المقربون .
ثم بكى رسول الله : صلى الله عليه وآله : حتى جرت دموعه على صدره 
ثم قال:ص : إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي : 
:الأمالي :الصدوق :ص191:

كان لمسلم بن عقيل خمسة أولاد ذكور هم : عبد الله ، ومحمد ، وقد قتلا في كربلاء 
وعلي ، ومسلم ، وعبد الله . . . عبد الله وعلي ولدا مسلم بن عقيل ، وأمهما رقية بنت أمير المؤمنين :ع:
وقد استشهد عبد الله في كربلاء ، وأم مسلم بن مسلم بن عقيل من بني عامر بن صعصعة . 
أنساب الأشراف : البلاذري : ج 2 :ص 69 : 
ويُذكَر أنَّ مسلماً بن عقيل بن أبي طالب قد حضر صفين 
وكان في ميمنة الإمام علي :عليه السلام: مع الحسن والحسين :عليهما السلام:
وعبد الله بن جعفر ، وكانت صفين سنة 37 هجرية :
:المناقب :ابن شهر آشوب :ج3:ص168: 


وكان مسلم بن عقيل أرجل ولد عقيل وأشجعها
: اي كان من أكمل رجال آل عقيل وأشدهم وأقواهم :
فقدَّمه الحسين ابن علي :عليهما السلام: إلى الكوفة حين كاتبه أهلها ودعوه إليها وراسلوه في القدوم ووعدوه نصرهم ومناصحتهم 
وذلك بعد وفاة الحسن بن علي ، وموت معاوية بن أبي سفيان ، وأمره أن يكتم أمره ويعرف طاعة الناس له : 
:أنساب الأشراف :البلاذري:ص77:



:سِمو موقف العبد الصالح مُسلِم بن عقيل:رضوان الله تعالى عليه:
==================================== 

إنَّ المُلاحَظََ الرئيس في قراءة شخصيّة مُسلم بن عقيل هو توفرها على التوازن الذاتي والبنيوي عقيدةً وفكرا ومنهجا وسلوكا.
بصورة تحكي عن إستحقاقات موضوعية وواقعية نالتها هذه الشخصية العظيمة 
من لدن الإمام الحسين :عليه السلام: وبشهادته التقريرية والتحريرية واقعا.
حينما أجاب:عليه السلام: على كتاب أعاظم أهل الكوفة 

إذ جاء في كتابهم إليه : 
أما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها وغصبها فيئها وتأمر عليها بغير رضى منها...........إلخ :
وفي جوابه : عليه السلام : إليهم : 
وإنِّي باعثٌ إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل 
فإن كتبَ إليَّ أنّه قد اجتمع رأي ملأكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأتُ في كتبكم
فإنِّي أقدم إليكم وشيكا : 
:الإرشاد :المفيد :ص185
الكامل في التأريخ:ابن الأثير:ج4:ص20

من هنا يمكن لنا الوقوف بوعي وهدف على ما إختزلته هذه الثلاثية المفهومية القيميَّة التي أطلقها الإمام الحسين:عليه السلام: بحق سفيره الصالح مسلم بن عقيل
وهي :أخي وابن عمي وثقتي :
لنلحظ مدى عمق الصلة بين العبد الصالح مسلم بن عقيل وبين إمام زمانه المعصوم 
الإمام الحسين:عليه السلام:

حتى أنَّ الإمام الحسين:ع: يجعل ابن عمه أخاً له أولاً وأصالةً
فمسلم بن عقيل كان بمثابة سيدنا العبّاس من الحسين:عليه السلام:
لذا قدّم الإمام الحسين:ع: وصف الأخ قبل ابن العم
ثم منحه ثقته الكاملة به واقعاً حتى كان الحسين :عليه السلام: قد علّق قدومه إلى الكوفة على مكاتبة مسلم بن عقيل إليه.
ليختار خياره في الأمر آنذاك.


فكانت مخاطبات أهل الكوفة في العراق آنذاك، المُطالِبَة بضرورة قدوم
الإمام الحسين:عليه السلام: إلى العراق على أساس من أنّ الكوفة بلدةٌ جاهزةٌ للنهضة 
والتغيير ضد حكم بني أمية
وعلى الرغم من علم الإمام الحسين:ع: بحقيقة الموقف في ذلك الوقت
لكنه لم يرفض خطابات القدوم إلى الكوفة، ولم يُعطِهم المسوغ لترك الحركة ضد الأمويين
بل استمر:عليه السلام: في تحركه التغييري متجها صوب العراق مُلقيا الحُجّة والبينة على كل من يمُرّ به.


وهذا نص مخاطبة أهل الكوفة:

((ولما بلغ أهلَ الكوفة هلاكُ معاوية فأرجفوا بيزيد
:أي خاضوا في الحديث عنه قاصدين نشر الإشاعات المُغرضَة فيه:
وعرفوا خبر الحسين:ع: وامتناعه من بيعته، وما كان من ابن الزبير في ذلك، وخروجهما إلى مكة
فاجتمعتْ الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد.

: وسليمان هو من التابعين الكبار، ورؤسائهم وزهادهم...
إنه أول من نهض بعد قتل الحسين طالبا بثأره:عليه السلام:
و أقول: لا ينبغي الإشكال في جلالة سليمان بن صرد الخزاعي، وعظمته:
: معجم رجال الحديث: السيد الخوئي:ج 9: ص283.

فذكروا هلاك معاوية فحمدوا الله عليه، فقال سليمان:

((إنَّ معاوية قد هلك، وإنَّ حسيناً قد تقبض أي إمتنع وقبض بيعته لهم، فلم يبسط لهم يده:
: على القوم ببيعته، وقد خرج إلى مكة، وأنتم شيعته وشيعة أبيه، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو عدوه فأعلموه، وإن خفتم الفشل والوهن فلا تغروا الرجل في نفسه )) 
. قالوا: 
((لا، بل نقاتل عدوه، ونقتل أنفسنا دونه))
فكتبوا:
((بسم الله الرحمن الرحيم، للحسين بن علي:عليه السلام:
من سليمان بن صرد، والمسيب بن نجبة، ورفاعة بن شداد، وحبيب بن مظاهر وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة
سلام عليك، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد، الذي انتزى 
:أي: وثب.))

وقد استاء رسول الله :ص: من ثمار هذه الشجرة الملعونة طيلة حياته فما رؤي ضاحكا من يوم رأى في منامه أنهم ينزون على منبره نزو القردة والخنازير<
: الغدير: العلامة الأميني: 3ج: ص252.
على هذه الأمة فابتزها أمرها، وغصبها فيئها، وتأمّر عليها بغير رضىً منها، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها، وجعل مال الله دُولة بين جبابرتها وأغنيائها؛ فبعدا له كما بعدت ثمود. 
إنه ليس علينا إمام،
:: تحتمل العبارة أنه ليس يزيد بإمام عليهم، أو خلو منصب الإمامة:

فأقبِل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق؟ 
والنعمان بن بشير 
: وهومن حلفاء معاوية وقادة سراياه، وله غارة على العراق أيام أمير المؤمنين:عليه السلام:
وكان من أمراء يزيد على العراق:
في قصر الإمارة، لسنا نجمع معه في جمعة، ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا أنك أقبلت إلينا أخرجناه، حتى نلحقه بالشام إن شاء الله))
.
ثم سرحوا الكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني وعبد الله ابن وال، وأمروهما بالنجاء :الإسراع:
فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين:ع: بمكة، لعشر مضين من شهر رمضان.
ولبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب، وأنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي، وعبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي، وعمارة بن عبد السلولي إلى الحسين:ع: ومعهم نحوٌ من مئة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة.

ثم لبثوا يومين آخرين، وسرحوا إليه هانئ بن هانئ السبيعي، وسعيد بن عبد الله الحنفي، وكتبوا إليه:

(( بسم الله الرحمن الرحيم، للحسين بن علي من شيعته من المؤمنين والمسلمين، أما بعد فحيّ هلا، :
ـ أو تُكتب (حيّهلا): مركبة من (حيّ) أي هلمّ، و(هلا) أي عجّل : 
فإنَّ الناس ينتظرونك، لا رأي لهم غيرك، فالعجلَ العجلَ، ثم العجل العجل، والسلام)). وكتب شبث بن ربع وحجار بن أبجر، ويزيد بن الحارث بن رويم، وعروة بن قيس، وعمرو بن الحجاج الزبيدي، ومحمد بن عمرو التيمي:
))
أما بعد: فقد اخضرّ الجناب :
:كناية عن نضج الظروف بما يستدعي قدوم الحسين:ع:

وأينعتْ الثمار، فإذا شئتَ على جندٍ لك مجنّد، والسلام<. 
وتلاقتْ الرسل كلها عنده
فقرأ الكتب، وسأل الرسل عن الناس
ثم كتب مع هانئ بن هانئ وسعيد بن عبد الله، وكانا آخر الرسل:

(( بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى الملأ من المسلمين والمؤمنين. 
أما بعد:
فإنَّ هانئا وسعيدا قدما علي بكتبكم، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم
وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلّكم، أنه ليس علينا إمام فأقبِل
لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق.

وإني باعث إليكم أخي وابن عمي وثقثي من أهل بيتي، فإن كتبَ إلي أنه قد اجتمع رأي مَلئكم :أشراف الناس ورؤساؤهم :
وذوي الحِجا: العقل والحصافة:
والفضل منكم على مثل ما قدمِت به رسلُكم وقرأت في كتبكم، أقدِم عليكم وشيكا إن شاء الله.
فلعمري ما الإمام إلا الحكم بالكتاب القائم بالقسط، الدائن بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله، والسلام))

ودعا الحسين بن علي:ع: مسلمَ بن عقيل بن أبي طالب:ع:
فسرّحه مع قيس بن مسهر الصيداوي، وعمارة بن عبد السلولي، وعبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي، وأمره بتقوى الله وكتمان أمره واللطف،
فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل إليه بذلك.
وكتب إليه:ع:
: (( السلام، أما بعد فامضِ لوجهك الذي وجهّتك))

فوصل مُسلم الكوفة:
: خرج مسلم بن عقيل :رض: من مكة في منتصف شهر رمضان سنة ستين للهجرة ودخل الكوفة في اليوم الخامس من شهر شوّال من نفس السنة:
:مروج الذهب ومعادن الجوهر :المسعودي:ج3:ص55:

وأقبلتْ الشيعةُ تختلف إليه، فكلما اجتمع إليه منهم جماعة
قرأ عليهم كتاب الحسين بن علي:ع: وهم يبكون، وبايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا
فكتب مسلم :رحمه الله: إلى الحسين:ع: يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفا ويأمره بالقدوم. وجعلتْ الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيل رضي الله عنه حتى عُلََِمَ مكانه))
:الإرشاد :المفيد:ج2:ص38- 41:

فهذه المُخاطبات بين أهل الكوفة آنذاك والإمام الحسين:ع:
إنما جاءت بعد سماعهم بحركة الإمام الحسين:ع: ضد يزيد ورفضه علنا البيعةَ له.
فحركة الإمام الحسين:ع: ونهضته، كانت هي السبب في أن يُقدِم أهل الكوفة على مخاطبته للقدوم
لا أنّ مخاطباتهم كانت هي السبب الرئيس في نهضته.
وإنه هو:عليه السلام قد قبلها وأرسل سفيره مسلم بن عقيل من باب كسب الأنصار والمؤيدين لنهضته على الظالمين .



(( وفعلاً قد دعا الإمام الحسين :ع: مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي  
وعمارة بن عبد الله السلولي وعبد الرحمن بن عبد الله الأريحي 
وأمره بتقوى الله وكتمان أمره واللطف
فإن رأى الناس مُجمعين مستوثقين عجل إلي بذلك 
فأقبلَ مسلم حتى أتى الكوفة فنزل دار المختار ابن أبي عبيدة 
وهي التي تدعى دار سلام بن المسيب 

فأقبلت الشيعة تختلف إليه فكلما اجتمع إليه منهم جماعة
قرأ عليهم كتاب الحسين : عليه السلام : وهم يبكون ، وبايعه الناس حتى بايعه ثمانية عشر ألفا .
فكتب مسلم إلى الحسين بن علي :عليهما السلام: يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفا وطالبا منه القدوم 
وجعلتْ الشيعةُ تختلف إلى مسلم بن عقيل: رضي الله عنه:
حتى علِمَ بمكانه فبلغ النعمان بن بشير ، وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها
وكتب عبد الله بن مسلم ، وعمارة بن عقبة ، وعمر بن سعد إلى يزيد بن معاوية 
أما بعد

: فإنَّ مسلم بن عقيل قدم الكوفة فبايعه شيعة الحسين بن علي
فان يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدول فإنَّ النعمان ابن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف 
فلما وصلتْ الكتب إلى يزيد دعا سرجون مولى معاوية فقال له ما رأيك ؟
إنَّ حسينا قد وجه إلى الكوفة مسلم بن عقيل يُبايع له 
وقد بلغني أنَّ النعمان ضعيف
فمَن ترى أن استعمل على الكوفة ؟
وكان يزيد عاتباً على عبيد الله بن زياد 
فقال له سرجون : أرأيتَ معاوية لو نشر لك أكنتَ آخذا برأيه ؟ 
قال : نعم
قال فأخرج سرجون عهد عبيد الله على الكوفة 
وقال : هذا رأى معاوية 

وقد أمر بهذا الكتاب فضم المصرين إلى عبيد الله
فقال له : يزيد افعل ابعث بعهد ابن زياد إليه 
ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي ، فكتب إلى عبيد الله معه 
أما بعد :
: فإنَّه كتب إليَّ من شيعتي من أهل الكوفة تخبرني إنَّ ابن عقيل بها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين 
فسرْ حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقبه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام 
وسلم إليه عهده على الكوفة 

فخرج مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيد الله بالبصرة ، فأوصل إليه العهد والكتاب
فأمر عبيد الله بالتجهيز من وقته والمسير إلى الكوفة من الغد ، ثم خرج من البصرة 
فاستخلف أخاه عثمان وأقبل إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلي ، وشريك الأعور الحارثي ، وحشمه وأهل بيته حتى دخل الكوفة ، وعليه عمامة سوداء وهو متلثم 

والناس قد بلغهم اقبال الحسين :عليه السلام : إليهم فهم ينتظرون قدومه
فظنوا حين رأوا عبيد الله انه الحسين:ع:
فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه وقالوا مرحبا بابن رسول الله قدمت خير مقدم
فرأى من تباشرهم بالحسين ما ساءه 
فقال مسلم بن عمرو : 
ولما كثروا قلت تأخروا هذا الأمير عبيد الله بن زياد ، وسار حتى وافى القصر في الليل ومعه جماعة قد التقوا به
فدعا ابن زياد مولى له يقال له معقل فقال له :
خذ ثلاثة آلاف درهم ثم اطلب من مسلم بن عقيل والتمس أصحابه 
فإذا ظفرتَ بواحد منهم ، أو جماعة فاعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم

وقل لهم استعينوا بها على حرب عدوكم ، وأعلمهم أنَّكَ منهم
فإنَّك لو أعطيتهم إياها اطمأنوا إليك ووثقوا بك ولم يكتموا شيئا من اخبارهم ثم اغد عليهم ورح حتى تعلم مستقر مسلم بن عقيل وتدخل عليه ففعل ذلك 
وجاء فطلب الاذن فأذن له ، فأخذ مسلم بن عقيل بيعته وأمر أبا ثمامة الصايدي يقبض المال منه 
واقبل ذلك الرجل يختلف إليهم فهو أول داخل وآخر خارج حتى فهم ما احتاج إليه ابن زياد من أمرهم

وكان يخبره بهم ، فاجتمع لابن عقيل أربعة آلاف رجل ، وما زالوا يتوثبون حتى المساء فضاق بعبيد الله أمره 

: خرج مسلم بن عقيل بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان ليال مضين من ذي الحجة سنة 60 للهجرة النبوية:
بينما كان خروج الإمام الحسين :عليه السلام :من المدينة إلى مكة يوم الأحد
لليلتين بقيتا من رجب سنة 60 للهجرة
ودخل مكة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان، فأقام بمكة شعبان وشهر رمضان وشوال وذا القعدة
ثم خرج منها لثمان مضين من ذى الحجة يوم الثلاثاء يوم التروية 
في ذات اليوم الذي انتفض فيه مسلم بن عقيل في الكوفة:
:تاريخ الأمم والملوك:الطبري : ج 4 :ص 284و285و286: 


: وكان المختار بن أبي عبيد وعبد الله بن الحارث بن نوفل 
قد خرجا مع مسلم بن عقيل:رض:
خرج المختار براية خضراء 
وخرج عبد الله براية حمراء وعليه ثياب حمر
وجاء المختار برايته فركزها على باب عمرو بن حريث 

وقال:
إنّما خرجتُ لأمنع عمراً
وأنَّ الأشعث والقعقاع بن شور وشبث بن ربعي قاتلوا مسلماً وأصحابه عشية سار مسلم إلى قصر ابن زياد قتالاً شديداً
وأن شبثاً جعل يقول انتظروا بهم الليل يتفرقوا
فقال له القعقاع: إنّكَ قد سددتَ على الناس وجه مصيرهم
فافرج لهم ينسربوا، وأن عبيدالله أمر أن يطلب المختار وعبد الله بن الحارث وجعل فيهما جعلاً فأتى بهما فحبسا :
:تأريخ الطبري :ج4:ص286

وكان أكثر عمل مسلم بن عقيل أن يمسك باب القصر ، وليس معه في القصر إلا ثلاثون رجلا من الشرطة ، وعشرون رجلا من اشراف الناس وأهل بيته وخاصته حتى كادت الشمس أن تغيب 

فكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها فتقول انصرف الناس يكفونك
ويجيئ الرجل إلى ابنه وأخيه فيقول :
غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر أنصرف فيذهب به فيصرفه 
فما زالوا يتفرقون عن ابن عقيل حتى أمسى وصلى المغرب وما معه إلا ثلاثون نفسا في المسجد 
فلما رأى أنه قد أمسى وليس معه إلا أولئك النفر خرج متوجها نحو أبواب كندة 
فما بلغ الأبواب ومعه منهم عشرة ثم خرج من الباب فإذا ليس معه انسان 

فالتفت فإذا هو لا يحس أحدا على الطريق ولا يدله على منزله ، ولا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو
فمضى على وجهه مترددا في أزقة الكوفة لا يدرى أين يذهب ، فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها طوعة أم ولد كانت للأشعث بن قيس 
فأعتقها فزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا
وكان بلال قد خرج مع الناس فأمه قائمة تنتظره ، فسلم عليها ابن عقيل فردت عليه 
فقال لها يا أمة الله اسقني ماءا فسقته ، وجلس وأدخلت الاناء 
ثم خرجت فقالت يا عبد الله ألم تشرب ؟ 
قال : بلى قالتْ فاذهب إلى أهلك فسكت 
ثم أعادت مثل ذلك فسكت 
ثم قالت له في الثالثة سبحان الله يا عبد الله قم عافاك الله إلى أهلك 
فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحله لك
فقام:رض:
وقال : يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة
فهل لكِ في اجر ومعروف ولعلي مكافيك 
قالتْ : يا عبد الله وما ذاك ؟ 
قال:رض:
انا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم وغروني وأخرجوني
قالتْ : أنت مسلم ؟

قال : نعم 
قالتْ: ادخل فدخل بيتا في دارها غير البيت الذي تكون فيه ، ففرشت له وعرضت له العشا فلم يتعش
ولم يكن بأسرع أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه
فقال لها : 
: والله انه ليريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة وخروجك منه إنَّ لكِ لشأنا 
قالت :
يا بنى أعرض عن هذا
قال : والله لتخبريني 
قالتْ: اقبل على شأنك ولا تسألني عن شئ فألح عليها 

قالتْ :يا بنى لا تخبرن أحدا من الناس شيئا مما أخبرك به 
قال : نعم 
فأخذتْ عليه الأيمان فحلف لها فأخبرته فاضطجع وسكت 
فلما أصبح غدا إلى عبد الرحمن بن محمد الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند أمه 
فأقبل عبد الرحمن حتى أتى أباه وهو عند ابن زياد
فسار فعرف ابن زياد اسراره 

فقال له ابن زياد بالقضيب في جنبه قم فأتني به الساعة فقام 
وبعث معه قومه لأنه قد علم أنَّ كل قوم يكرهون أن يصاب فيهم مثل ابن عقيل 
فبعث عبيد الله بن العباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتى أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل رضي


فلما سمع وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال علم أنه قد أتى 
فخرج إليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار ، ثم عادوا إليه فشد عليهم كذلك
فاختلف هو وبكر بن حمران الأحمري ، فضرب فم مسلم فقطع شفته العليا 
وأسرع في السفلى ، ونصلت ثنيتاه فضربه مسلم في رأسه ضربة منكرة وثناه بأخرى على حبل العاتق كادت تطلع على جوفه 
فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت فأخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في اطناب القصب ثم يلقونها عليه من فوق البيت 
فلما رأى ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه في السكة 
وقال له محمد بن الأشعث لك الأمان لا تقتل نفسك 
وهو يقاتلهم ويقول عند ذلك :
أقسمتُ لا اقتل إلاّ حُرا ............. وإن رأيتُ الموتَ شيئا نكرا
واخلط البارد سخنا مُرا ............. رد شعاع الشمس فاستقرا
كل امرء يوماً مُلاق شرا ............ أخاف أن أكذب أو أغرا 

فقال له محمد بن الأشعث :
إنَّكَ لا تكذب ولا تغر ولا تخدع
إنَّ القومَ بنو عمك وليسوا بقاتليك ولا ضاريك 
وقد عجز عن القتال فابتهر وأسند ظهره إلى جنب تلك الدار
فأعاد ابن الأشعث عليه القول لك الأمان فقال آمن أنا ؟ 
فقال نعم

فقال للقوم الذين معه لي الأمان
فقالوا له : نعم إلاّ عبيد الله بن العباس السلمي 
فإنه قال لا ناقة لي في هذا ولا جمل وتنحى 

فقال مسلم :
أما لو لم تؤمنوني ما وضعتُ يدي في أيديكم ، وأتى ببغلة فحمل عليها واجتمعوا حوله وانتزعوا سيفه 
فكأنه عند ذلك يئس من نفسه فدمعتْ عيناه 
ثم قال هذا أول الغدر 
فقال له محمد بن الأشعث:
أرجو أن لا يكون عليك بأس 
فقال :رض: ما هو إلا الرجا أين أمانكم ؟ 
إنا لله وإنا إليه راجعون وبكى 

فقال له عبيد الله بن العباس السلمي:

إنَّ الذي يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبكِ 
فقال:رض:
والله إنِّيما لنفسي بكيتُ ، ولا لها من القتل أرثي
وإن كنتُ لم أحب لها طرفة عين تلف
ولكني أبكى لأهلي المقبلين إلي أبكى للحسين وآل الحسين صلوات الله عليهم 
ثم اقبل بابن عقيل إلى باب القصر
فاستأذن فأذن له فدخل على عبيد الله 
فأخبره خبر ابن عقيل وذكر ما كان من أمانه له 
فقال له عبيد الله :
وما أنت والأمان ؟ 
كأنما أرسلناك لتأتينا به فسكتَ ابن الأشعث 
وانتهى بابن عقيل إلى باب القصر وقد اشتد به العطش 
فقال أسقوني من هذا الماء ، وتساند إلى حايط 
وبعث عمرو بن حريث غلاماً
فجاءه بقلة عليها منديل وقدح فصب فيه ماء

فقال له : اشرب فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دما من فمه فلا يقدر أن يشرب 
ففعل ذلك مرة أو مرتين فلما ذهب في الثالثة ليشربه سقطتْ ثنيتاه في القدح 
فقال :رضوان الله تعالى عليه:

الحمد لله لو كان لي من الرزق المقسوم شربته 
وخرج رسول ابن زياد وأمر بادخاله 
فلما دخل لم يسلم عليه بالإمرة 
فقال له الحرس : ألا تسلم على الأمير
فقال :رض: إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه
وإن كان لا يريد قتلى ليكثرن سلامي عليه 
فقال له ابن زياد لعمري لتقتلن قال كذلك ؟
قال نعم
قال : دعني أوصى إلى بعض قومي

قال : افعل فنظر مسلم إلى جلساء ابن زياد وفيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص 
فقال : يا عمر ان بيني وبينك قرابة ولي إليك حاجة 
وقد يجب عليك نجح حاجتي وهو سر
فامتنع عمر أن يسمع منه

فقال عبيد الله : لِمَ تمتنع ان تنظر في حاجة ابن عمك ؟ 
قال :فجلس حيث ينظر إليهما ابن زياد 
فقال إنَّ عليَّ دينا استدنته مذ وقت قدمت الكوفة سبعمائة درهم فاقضها عني 
وإذا قُتِلتُ فاستوهب جثتي من ابن زياد فوارها وابعث إلى الحسين مَن يرده 
فإنّي قد كنتُ أعلمته أنَّ الناس ليسوا إلا معه ولا أراه إلا مقبلا 
فقال عمر لابن زياد أتدري أيها الأمير ما قال ؟ 
انه ذكر كذا وكذا


فقال ابن زياد : لا يخونك الأمين ، ولكن قد يؤتمن الخائن 
ما مالك فهو لك ولسنا نمنعك ان تصنع به ما أحببت .
واما جثته فإنّا لا نبالي إذا قتلناه ما صنع بها 
واما الحسين فهو إن لم يردنا لم نرده 
اصعدوا به فوق القصر واضربوا عنقه 
ثم اتبعوا جسده 
أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف
فدعى بكر بن حمران الأحمري 
فقال له اصعد فلتكن أنتَ الذي تضرب عنقه فصعد به :رضوان الله تعالى عليه:
وهو يكبر ويستغفر الله ويصلى على رسول الله : صلى الله عليه وآله :
ويقول الّلهُمَّ احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وخذلونا 
فأشرفوا به على موضع الحراس اليوم فضرب عنقه واتبع جسده رأسه : ))
:روضة الواعظين:الفتال النيسابوري :ص177:



وبعد قتل مسلم بن عقيل 
: كان محمّد بن الأشعث قد كلّمَ عبيدالله بن زياد في هانيء بن عروة
وقال له:
إنَّكَ قد عرفتَ منزلة هانيء بن عروة في المصر وبيته في العشيرة
وقد علم قومه أني وصاحبي سقناه إليك
فأنشدك الله لمَّّا وهبته لي فإني أكره عداوة قومه، وهم أعز أهل المصر وعدد أهل اليمن
فوعده أن يفعل .

فلما كان من أمر مسلم ابن عقيل ما كان بدا لعبيد الله بن زياد فيه
وأبى أن يفي لمحمّد بن الأشعث بما قال
فأمر بهانيء بن عروة حين قتل مسلم بن عقيل
فقال:
أخرجوه إلى السوق فاضربوا عنقه
فأخرج بهانيء حتى انتهى إلى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم وهو مكتوف
فجعل يقول:
: وامذحجاه ولا مذحج لي اليوم، وامذحجاه وأين مني مذحج!!
فلما رأى أن أحداً لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف 

ثم قال: أما من عصا أو سكين أو حجر أو عظم يجاحش به رجل عن نفسه؟؟ 
ووثبوا إليه فشدوه وثاقا
ثم قيل له: امدد عنقك
فقال: ما أنا بها مجد سخي وما أنا بمعينكم على نفسي
فضربه مولى لعبيد الله بن زياد، تركي يقال له رشيد، بالسيف
فلم يصنع سيفه شيئاًً
فقال هانيء: إلى الله المعاد، اللهم إلى رحمتك ورضوانك!!
ثم ضربة أخرى فقتله:
:الإرشاد :المفيد:ج2:ص64

: ثم إنَّ عبيدالله ابن زياد، لما قَتلَ مسلماًً وهانيءاً
بعثَ برؤوسهما مع هانيء بن أبي حية الوادعي
والزبير ابن الأروح التميمي إلى يزيد بن معاوية اللعين:
:تأريخ الطبري:ج4:ص286




فسلامٌ عليه يوم ولِدَ ويوم قضى شهيدا ويوم يُبعثُ حيّا

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :



شاركه على جوجل بلس

عن مرتضى علي الحلي

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات: