: بر الوالدين وترك عقوقهما:
================
: في قراءةٍ أخلاقيَّة:
============
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
قال الله تعالى:
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوكِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23-24].
والمعنى:هو:
وأَمَر ربُّكَ -أيها الإنسان- وألزمَ وأوجبَ أن يفرد سبحانه وتعالى وحده بالعبادة
وأمرَ بالإحسان إلى الأب والأم، وبخاصة في حالةُ الشيخوخة
فلا تضجر ولا تستثقل شيئًا تراه من أحدهما أو منهما
ولا تسمعهما قولا سيئًا
حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيئ، ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح، ولكن ارفق بهما
وقل لهما -دائما- قولا لينًا لطيفًا.
وتواضع دوماً وادعو لهما بالخيروالرحمة كماربيانك صغيرا.
من هنا :
إذا أهدى لكَ صديقُك هدية جميلة فإنَّكَ تشكره ويزداد حبك له
وإذا قدَّمَ لكَ شخص المساعدة والعون في حياتك
فإنَّك ستعترف بفضله وإحسانه، وتحترمه وتحاول قدر الإمكان، أن تردّ هذا اللطف والجميل الذي أسداهُ لك.
لذلك فإنَّ الوالدين هما أحق الناس بالحب والشكر والاحترام
فهما اللذان تحمّلا الأذى والمتاعب من أجلنا
الأمُ تحمل طفلها في بطنها جنيناً تسعة أشهر، وتعاني طَوال تلك الفترة الكثير من الصعوبات والآلام، وتغذي الجنين من دمها
ثم إذا ولدته -بعد معاناتها ساعات الطلق عند الولادة، وهي أصعب اللحظات والتي تتمنى بعض الأمهات الموت فيها-
سهرتْ معه الليالي تحميه من الحر والبرد، وغذّته من لبنها، وأعطته حبها وحنانها ورعايتها إلى أن يترعرع ويكبر...
والأب هو الذي يكدح ويعمل، ويسعى لكسب لقمة العيش، وتهيئة كل ما يتطلّبه الطفل من ملبس ورداء و...
متحمّلاً برد الشتاء وحر الصيف، والتنقل من مكان لآخر لضمان ذلك وغيره
ثم حرصه على تنشئة الطفل وتربيته التربية الصحيحة، من حُسن اختيار تسميته إلى العناية بصحته، ثم اختيار الصديق الصالح له.
وقد ورد في رسالة الحقوق
للإمام زين العابدين علي بن الحسين :عليه السلام:
في حق الولد على أبيه:
: وأما حق ولدك، فتعلم أنَّه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا، بخيره وشره، وإنَّكَ مسؤول عما وليته به من حسن الأدب، والدلالة على ربه عز وجل، والمعونة على طاعته...:
.
وبالمقابل، فإنَّ للأب والأم حقوقاً على الولد
قال :عليه السلام:
: وأما حق أمك أن تعلم أنّها حملتك، حيث لا يحتمل أحدٌ أحدا، وأعطتك من ثمرة قلبها، ما لا يعطي أحدٌ أحدا،
ووقتك بجميع جوارحها
ولم تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك، وتعرى وتكسوك، وتضحى وتظلك،
وتهجر النوم لأجلك
، ووقَتْكَ الحر والبرد لتكون لها، وإنَّكَ لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه.
وأما حق أبيك، فأنْ تعلم أنه أصلك، وأنه لولاه لم تكن
فمهما رأيتَ في نفسك مما يعجبك، فاعلم أنَّ أباك أصل النعمة عليك فيه
فاحمد الله واشكره على قدر ذلك.:
:الأمالي : الصدوق :ص454
لذا قرن الله سبحانه وتعالى بر الوالدين والإحسان إليهما، بطاعته في الآية الشريفة أعلاه
أي فكما يجب علينا طاعة الله جل وعلا، يجب أن نطيع أوامر الوالدين ونحسنَ إليهما
ويتم الإحسان إلى الوالدين من خلال الأمور الآتية:
1-
إطاعة أوامرهم وتنفيذها من دون تردد وتأخير، وذلك فيما لا يكون فيه معصية لله جلَّ وعلا.
2-
التواضع لهم والرحمة والرأفة بهم، وتكريمهم بتقبيل اليد والجلوس أدنى من جلوسهم.
3-
الدعاء لهم وشكرهم
{ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء: 24]،
{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} [النمل: 19].
4-
عدم الرد عليهم والتجاوز عليهم حتى بكلمة تأفّف
{فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23].
5-
عدم رفع الصوت عالياً بوجههم
بل يجب التحدث معهم بصوت منخفض وهادئ.
6-
رعايتهما في أوقات الشدة والمرض والشيخوخة، وبرهما بعد الموت بالصلاة لهما والدعاء.
وهناك فوائد كثيرة، يحصل عليها الإنسان إذا وُفق لبر والديه وأحسن إليهما
منها ::
::أنه يعيش الراحة النفسية والاطمئنان
:: وأنه سبحانه وتعالى يمد في عمره، ويفتح له أبواب الرزق الحلال
قال رسول الله مُحمَّد
:صلى الله عليه وآله وسلّم:
: من سرّه أن يمد الله في عمره، ويزيد في رزقه فليبرّ والديه ويصل رحمه:.
:الكافي :الكليني :ج2:ص156.
ومن الفوائد الأخرى:
:: أنَّه ينال الأجر والثواب العظيم في الآخرة
فقد روي أنَّ أحد أصحاب النبي:ص:
قال: كنا مع رسول الله:ص:
على جبلٍ فأشرفنا على وادٍ،
فرأيتُ شاباً قوياً يرعى الغنم،
فقلتُ: يا رسول الله لو كان شبابه في سبيل الله!
فقال:ص:
فلعلَّه في سبيل الله وأنتَ لا تعلم!
ثم دعاه النبي:ص:
فقال: يا شاب هل لك مَن تعول؟
قال: نعم أمي
قال:ص: إلزمها فإن عند رجليها الجنة.::
:كنز العمال :المتقي الهندي:ج4:ص607
أما مَن يسيء إلى والديه ولا يؤدي حقّهما
فهو إنّما يقابل الإحسان بالإساءة، ولا يمكن أن يكون إنساناً صالحاً
لأنه لا يحترم المُحسن إليه
ولا يؤدي حق الإنسان
فيتعود على الإساءة للآخرين والاعتداء على حقوقهم
لذلك يخبرنا النبي:ص:
في الحديث الشريف والوارد عنه أنَّ عقوق الوالدين من أعظم الذنوب.
قال:ص:
: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟
الإشراك بالله
وعقوق الوالدين
وقول الزور :
صحيح مسلم:ج1:ص64.
وعنه:ص:أنه قال:
: إياكم وعقوق الوالدين
فإنَّ ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام ولا يجدها عاقّ:.
:الكافي : الكليني:ج2:ص349
وجاء عن الإمام الصادق :عليه السلام:
أنه قال:
: مَنْ نظرَ إلى أبويه نظرة ماقِتْ وهُما ظالمان له، لم يقبلِ الله له صلاة :
. ماقت أي غاضب.
:الكافي : الكليني:ج2:ص349:
وعقوق الوالدين يحصل من أمور:
1-
عدم طاعة أوامرِهم الصحيحة والشرعية.
2-
التكبّر عليهم والإساءة لهم بالفعل واللسان.
3-
هِجرانهم وعدم وصلهم بالرحمة والرأفة.
4-
عدم الإحسان إليهم ومراعاة أحوالهم الحياتية، وخاصةً إذا أصبحوا كباراً وعجَزة.
وتترتب على عقوق الوالدين آثارٌ منها:
1-
مخالفة أوامر الله سبحانه وتعالى.
2-
سخط الوالدَين ودعاؤهما عليه،
وقد وردت الأخبار أنَّ دعوة الوالدين مستجابة،
وقال الرسول الأكرم:ص:
: إياكم ودعوة الوالِد فإنها أحدُّ من السيف:.
:الكافي: الكليني :ج2:ص509.
3-
تعجيل العقوبة في الدنيا
قال رسول الله:ص:
: ثلاثة من الذنوب تعجل عقوبتهما ولا تؤخر إلى الآخرة: عقوق الوالدين والبغي على الناس وكفر الإحسان:
:الأمالي : المفيد :ص237.
4- العاقّ لوالديه يعقّه ابنُه.
فبعد أن عرفنا كيف يمكننا أن نبر والدينا، والآثارَ الحميدة المترتبة على ذلك، وعرفنا الآثار السيئة الناتجة من عقوق الوالدين
وجب علينا أن لا نعق والدينا سواءً في حياتهم أو بعد مماتهم
فقد قال الإمام الصادق:عليه السلام:
:ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين وميتين، ويصلي عنهما ويتصدق عنهما ويحج عنهما ويصوم عنهما...:
:الكافي : الكليني :ج2:ص159.
ربّ اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرا، واجزهما بالإحسان إحساناً وبالسيئاتِ عفواً وغفرانا
إنَّكَ أرحم الراحمين.
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :
0 التعليقات:
إرسال تعليق