: القضَيَّةُ المَهدويَّة
بين يَدي الإمام علي بن موسى الرضا :عليه
السلام:
==============================
: قراءةٌ في التأصيل والمُعطيات :
========================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله
المعصومين
إنَّ المُتتبع لأصالة القضية
المهدوية في العقيدة الإسلامية يجدها جليّة وواضحة في التأصيل
منذ عهد رسول الله محمد:صلى الله عليه وآله
وسلّم:
ومتمثلاً ذلك بذكره للأحاديث التي تنص على إمامة الأئمة الإثني عشر
المعصومين:عليهم السلام:
ومنهم الإمام المهدي:ع: وتحديد هويته النسبية
والشخصية
وبيان أحوال آخر الزمان قُبيل عصر الظهور
من علامات ذلك الوقت ومحدداته إلى
ذكر أحداث الظهور
ومقتضياته.
وما بينه الرسول الأكرم محمد:ص:
بخصوص القضية المهدوية ورامزها
الإمام المهدي:ع:
قد نقله الأئمة المعصومون لنا واحدا تلو الآخر
بحيث لا تجد إمام معصوم إلاّ وتناول
القضية المهدوية
في بياناته وتبليغاته تكريساً
للإيمان بهذه العقيدة الحقة ولأجل أن يكون الناس على دراية ووعي بما سيحصل في
نهاية المطاف الوجودي للبشرية.
وبما أننا في رحاب الإمام علي بن
موسى الرضا:عليه السلام:
فسنقصر الحديث ونختصره في كيفية تعاطيه
مع القضية المهدوية .
ففي عيّنة وجيزة نأخذها كصورة من صور
تعاطي
الإمام الرضا:ع: نستنطق أبعادها ومعطياتها القيميَّة
وهي كما يلي:
عن أبي الصلت الهروي وهو
: عبد السلام بن صالح أبو الصلت
الهروي الخراساني
ثقة صحيح الحديث له كتاب وفاة الرضا: عليه
السلام :
قاله النجاشي
وعدّه الشيخ الطوسي في رجاله من
أصحاب الرضا :ع:
وقد ذكره العلامة الحلي في القسم الأول من
الخلاصة
وقال : ثقة صحيح الحديث
وقوّى المحقق المامقاني كونه شيعيا واستدل بأمور
ليس هنا موضع ذكرها:
إنظر : رجال النجاشي : 245 :
: رجال الطوسي : 380 ، 396 :
رجال العلامة الحلي: 117 ، 267 :
: تنقيح المقال:المامقاني: ج2 : .151
قال :
سمعتُ دعبل : شاعر الإمام الرضا:ع:
قال :
لقد أنشدتُ مولاي الرضا :عليه السلام
:
القصيدة: مدارسُ آياتٍ خلتْ من تلاوة:
وانتهيت إلى قولي :
خروج إمام لا محالة خارجُ ........ يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل .......... ويجزي على النعماء والنقمات
فبكى الرضا :عليه السلام: بكاءاً شديدا ثم رفع رأسه إليَّ
وقال :
يا خزاعي ، نطق روح القدس على لسانك
بهذين البيتين
فهل تدري مَن هذا الامام ومتى يقوم ؟
قلت : لا يا مولاي إلا أني
سمعتُ بخروج إمام منكم يملأ الأرض عدلا .
فقال الإمام الرضا:ع:
: يا دعبل ، الإمامُ بعدي محمد ابني
، وبعد محمد ابنه علي ، وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المُنتَظر
في غيبته المطاع في ظهوره
لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله
تعالى ذلك اليوم حتى يخرج فيملأها عدلا كما ملئت جورا :
: إعلام الورى بأعلام الورى: الطبرسي:ج2:ص69.
فالمُلفِتُ للنظر في هذه العيِّنة من
عيّنات تعاطي الإمام الرضا :ع:
مع القضية المهدوية الحقة هو بُكائه الشديد
ومعنى ذلك أنّ الإمام الرضا كان على درجة عالية جداّ من الإنشداد الوجداني
الواعي والشوق الكامل
لنصرة الإمام المهدي:ع:
فيما لوثنيتْ له الوسادة الوجودية واقعا
وإن لم يكن هو :عليه السلام: مُعاصراً لزمن الظهور الشريف للإمام المهدي:ع:
إلاّ أنه في
سلوكه هذا الوجداني الواعي أراد وبإخلاص
أن يؤصّل لنا الوصال النفسي والقلبي مع إمامنا
المهدي:ع:
لأنّ الإرتباط النفسي والقلبي وحتى
الذهني الواعي مع الإمام :ع:
هو من يصنع السلوك الصالح في تعاطينا
معه
فالغفلة والنسيان تجعلان الإنسان في
أسوء حال
وأبعد ما يكون عن نصرة الإمام في حال ظهوره الشريف.
لذا نبه الله تعالى على هذه الحقيقة فقال سبحانه
:
((أفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ
فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا
فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي
الصُّدُورِ)) الحج46
والأمر الثاني هنا والمُلفتُ للنظر
هوقول الإمام الرضا:ع: لدعبل:
نطق روح القدس على لسانك بهذين
البيتين
خروج إمام لا محالة خارجُ ........ يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل .......... ويجزي على النعماء والنقمات
وبغض النظر عن معرفة ماهية روح القدس
هذا
إلاّ إننا نقطع باليقين بكونه من الله تعالى
وفيوضاته على الصالحين أمثال الشاعر المخلص دعبل الخزاعي
الذي حمل
خشبته على كتفه إستعداداً منه للشهادة والصلب في سبيل الله تعالى على ما
يذكر التأريخ.
هذا الشاعر العظيم الذي طالما كان
يحمل خشبته على كتفه ليصلب عليها
وهو القائل : لي خمسون عاما أحمل خشبتي على كتفي
أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك
فبعد إستماع الإمام الرضا للبيتين
الشعريين
تراه يُسارع في تعزيز مفهوم القضية المهدوية
وبيان مصداقها الحق الإمام المهدي:ع:
ويتلو الحديث التالي على مسامع الثقة دعبل الخزاعي:
فيقول:ع:
: يا دعبل ، الإمام بعدي محمد ابني ،
وبعد محمد ابنه علي ، وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المُنتَظَر
في غيبته المطاع في ظهوره
لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد
لطول الله تعالى ذلك اليوم حتى يخرج فيملأها عدلا كما ملئت جورا :
وبهذا يرسم لنا طريقا تعبديا لإنتظار الإمام المهدي:ع:
وذلك بقوله:ع:
: المنُنتَظَر في غيبته:
: و المُطاع في ظهوره :
فيما لو وفقنا الله تعالى لدرك ذلك
اليوم الموعود فحينها يكون تكليفنا وجوب طاعته .
ويظهر من نص الحديث هذا في ذيله أنّ
الغيبة الكبرى ستطول في زمنها
ولربما سييأس الناس من ذلك بل حتى
يشكُ فيه أهل اليقين
كما وضَّحت الروايات هذا الأمر
وذلك في قول الإمام جعفر الصادق:عليه
السلام:
حيث قال :
: فلا يظهر صاحبكم:أي الإمام المهدي:ع:
حتى يشك فيه أهل اليقين
قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون:
: الغيبة: النعماني: ص348.
ولكن حتمية الظهور للإمام المهدي:ع: قطعية يقينية
لاتتخلف أبدا
ولولم يبقى من الدنيا إلاّ يوم واحد لطول الله
تعالى ذلك اليوم حتى يُحقق سبحانه وعده الحق بظهور القائم
ليملأ الأرض قسطا وعدلا كما مُلِئَت
ظلما وجورا.
والبيتان الشعريان اللذان نطق بهما
روح القدس
بلسان
دعبل الخزاعي
خروج إمام لا محالة خارجُ ........ يقوم على اسم الله والبركات
يميز فينا كل حق وباطل .......... ويجزي على النعماء والنقمات
هما الآخران يُسهمان في تعزيز رؤيا
الغيب الإلهي الحقة لمفهوم القضية المهدوية
فالخروج الحتمي للإمام المهدي:ع:
وقيامه على إسم الله تعالى ونشره للعدل والخير
والصلاح وتطبيقه للحق ودحضه للباطل ونشره لدين الله الإسلام.
كل ذلك كان حاضرا وبقوة في وعي
الإمام الرضا:ع:
ولكن ما أراده روح القدس ونطقه بلسان
دعبل
هو التأكيد الأكيد والقطع الوجودي
بحتمية ظهور
الإمام المهدي:ع:
وهذه القصة قصة إنشاد الشاعر الصالح
دعبل الخزاعي
قد بلغتْ من الشهرة بمكان ما لاتقبل
النكران
فضلا عن موثوقية وعدالة راويها دعبل
الذي وثّقه
علماء الرجال الأوائل ومدحوه وقالوا عنه ثقة.
وقد وثقه صاحب وسائل الشيعة
فقال:
: مشهور في أصحابنا ، حاله مشهور في
الإيمان
وعلو المنزلة ، عظيم الشأن ، قاله العلامة
ومدحه النجاشي - أيضا - ، وروى الكشي وغيره مدحه:
: وسائل الشيعة: الحر العاملي:ج30:ص369.
وذات يوم سُئِلَ الإمام الرضا:عليه
السلام :
وقيل له :
يا ابن رسول الله ومَن القائم منكم أهل البيت ؟
قال : الرابع من ولدي ابن سيدة الإماء
يطهر الله به الأرض من كل جور ويقدسها من كل ظلم
وهو الذي تشك
الناس في ولادته
وهو صاحب الغيبة قبل خروجه ،
فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره ،
يضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد
أحدا
وهو الذي تطوى له الأرض ولا يكون له
ظل ،
وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه
جميع أهل الأرض بالدعاء إليه
ألا إنَّ
حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه ، فإن الحق معه وفيه
وهو قول الله عز وجل
{إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء
آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ }الشعراء 4
: كفاية الأثر: الخزاز القمي:ص274.
وهذا الحديث الآخر هو صورة مشرقة من
صورتأصيل
الإمام الرضا:ع:
للقضية المهدوية وضروراتها ومعطياتها الحياتية
وهنا يُبين الإمام الرضا:ع:
علامة حتمية قطعية من علامات ظهور
الإمام المهدي:ع:
وهي الصيحة أو النداء من السماء
وهذه العلامة الحتمية هي واحدة من
العلامات الخمس التي يجب تحققها قبل قيام القائم
كما وضح ذلك الإمام جعفر الصادق:ع:
فعن عمر بن حنظلة
قال :
سمعتُ أبا عبد الله : عليه السلام : يقول :
: خمسُ علامات قبل قيام القائم :
الصيحة والسفياني والخسف وقتل النفس الزكية
واليماني :
فقلتُ : جُعلتُ فداك إن خرج أحد من أهل بيتك قبل
هذه العلامات أنخرج معه ؟
قال :عليه السلام:
: لا :
فلما كان من الغد تلوتُ هذه
الآية
(( إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية
فظلت أعناقهم لها خاضعين ))
فقلت له : أهي الصيحة ؟
فقال : أما لو كانت:بمعنى لو تحققت الآية:
خضعت أعناق أعداء الله عز وجل :
: الكافي: الكليني: ج8:ص310.
وأختم بقول الإمام الرضا:ع:
: وقد حدثني أبي عن جدي عن أبيه عن
آبائه عن علي صلوات الله عليهم :
أنَّ النبي : صلى الله عليه وآله :
قيل له : متى يخرج القائم من ذريتك ؟
فقال:ص :
مثله كمثل الساعة لا يجليها لوقتها
إلاَّ هو عز وجل ثقلت في السماوات
والأرض
لا تأتيكم إلا بغتة:
:غاية المرام: السيد هاشم البحراني:ج7:ص91.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب
العالمين
وعجّل الله تعالى فرج إمامنا المهدي:عليه
السلام:
وجعلنا من أنصاره العاملين بين يديه
وسلامٌ على الإمام
الرضا في العالمين
والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته
0 التعليقات:
إرسال تعليق