" ما زلنا مع وصيّةِ الإمامِ جعفر
الصادق ، عليه السلام ، والذي نَتشرّف ونَعتَزُّ ونَفتَخِرُ بالانتسابِ إليه
اعتقاداً ومَنهجَاً وسُلُوكَا " قال - لأحدِ أصحابِه :
(يا ابن جُندب – أقِل النومَ بالليلِ والكلامَ بالنهارِ
،
فَمَا في الجسدِ شيءٌ أقلَّ شُكراً مِن العين واللسان ، فإنَّ أمَّ سليمان قالت لسليمان
، عليه السلام : يا بُنيَّ إيّاكَ والنومَ ، فإنّه يُفقِركَ يومَ يَحتاجُ النّاسُ إلى
أعمالِهم )
: بحار الأنوار ، المجلسي ، ج 75 ، ص 280.
:1:- إنَّ الإمام جعفر الصادق ، عليه السلام ، في مقطع
هذه الوصيّة القيّم يُحذّرُنَا من خصلتين مذمومتين ويُرغّبنا بخصلتين ممدوحتين - الخصلتان
المذمومتان هُما _ كثرة النوم – وكثرة الكلام -والخصلتان الممدوحتان هُما – قلّة النّومِ
– و قلّة الكلام .
:2:- إنَّ التحذير الوارد من كثرة النوم هو ما يزيد عن
مقدار الحاجة الجسميّة والنفسيّة له ، و بنحو مفرطٍ ومُضّيعٍ للوقت – ومفُوّت لإحياء
الليل بمناجاة اللهِ سبحانه وعباداته والخلوة به – وإنَّ قلّة النوم هي وسيلة
للوصول إلى غايات شريفة لا يمكن للإنسان أن يحققّها في النهار الذي يكون فيه
مشغولاً بمعاشه أو بدراسته أو بغير ذلك.
:3:- نعم إنَّ النوم أمر لا بُدّ منه لاستعادة الطاقة
والنشاط للتجدّد – ولكن لا ينبغي أن يكون مذهبَةً للعمر وهدراً للوقت ، ومن صفات
المؤمنين الحقيقين ، وكما عبّر عنهم القرآن الكريم ((كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ
مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18))) الذاريات.
:4:- ينبغي الحذر من قضاء وقت الليل باللهو أو اللعب
أو المعاصي ، كما يحصل ألآن – فالإمام الصادق يدعونا إلى تنظيم أوقات ليلنا بجعل
قسم منه للراحة وأخر لمناجاة الله سبحانه وعباداته بأداء صلاة الليل والتهجّد فيها،
وفي الرواية:
(بئس الغريم النوم
يَفني قصيرَ العُمرِ ويُفوِّتُ كثيرَ الأجر)
: جامع أحاديث الشيعة ، السيّد البروجردي ، ج 17 ، ص
59 .
:5:- الصفة الثانية المذمومة ،وهي كثرة الكلام ، والتي
تقابلها قلّة الكلام :- والتي تعني ضبط اللسان وعدم استرساله في التكلّم بكثرة بما
يوجب الوقوع في المُحرّمات من الغيبة والبهتان أو التسقيط الاجتماعي – وهذا لا
يعني أنَّ كلّ كلام كثير هو مذموم – لا – فكثرة الكلام قد تكون مطلوبة في موارد
مهمّة مثل بيان الأحكام الشرعية والمعارف الاعتقاديّة ووجوه الخير .
:6:- هنا نُنبّه أنَّ للإنسان لسانين لسان يتكلّم به
ولسان يكتب به وهو القلم ، وهو وجود ثانٍ للفظِ – فالكتابة والنشر في مواقع
التواصل الاجتماعي تمثّل لساناً ثانياً قد يطال الآخرين بالتشهير أو بالتسقيط أو
الكذب أو بهتك المحرّمات – وهو
ما نعاني منه
اليوم – فالكثير يكتب وينشر ما يحلو له وما يجول بخاطره دون تورّع أو ضبط .
:7:- ثُمَّ يقول : الإمام الصادق :(فَمَا في الجسدِ شيءٌ
أقلَّ شُكراً مِن العين واللسان ) :- وهنا يُبيّنُ عليه السلام ، أنَّ اللسان
أقلَّ الجوارح شكراً لله تعالى ، وهو آلة عجيبة غريبة وأخطر وأعظم الجوارح أثراً ،
مع أنّه نعمةٌ إلهيّةٌ يمكن معها من الإفصاح عن العلوم والمعارف والأحكام المختزنة
عند الإنسان – ولكن الخطورة تكمن في ما لو استعمله في أذى الآخرين – وقد حذّر
النبيُّ الأكرمُ ’ من خطورة اللسان ومصيره ، ففي الرواية : ( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ
اللَّه أَوْصِنِي فَقَالَ احْفَظْ لِسَانَكَ ، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّه أَوْصِنِي،
قَالَ احْفَظْ لِسَانَكَ، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّه أَوْصِنِي قَالَ احْفَظْ لِسَانَكَ
وَيْحَكَ وهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ إِلَّا حَصَائِدُ
أَلْسِنَتِهِمْ )
: الكافي ، الكليني ، ج2 ، ص 115 :
:8:- ومع وجود وسائل الإعلام الحديثة من التواصل
الاجتماعي والفضائيات والانترنت وسرعة انتشار المعلومة ينبغي الحذر من اللسان
والقلم والكتابة وعدم الاستعجال وضبط الكلام بما هو مشروع ومقبول أخلاقاً – فكم من
كلمةٍ فكّكت أسراً أو تسببت بعدوان أو أثارت حروب بين الشعوب ؟ وعن الإمام الصادق ، عليه السلام ، :( قال : قال
رسولُ اللَّه يُعَذِّبُ اللَّه اللِّسَانَ بِعَذَابٍ لَا يُعَذِّبُ بِه شَيْئاً مِنَ
الْجَوَارِحِ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ عَذَّبْتَنِي بِعَذَابٍ لَمْ تُعَذِّبْ بِه شَيْئاً
فَيُقَالُ لَه خَرَجَتْ مِنْكَ كَلِمَةٌ فَبَلَغَتْ مَشَارِقَ الأَرْضِ ومَغَارِبَهَا
فَسُفِكَ بِهَا الدَّمُ الْحَرَامُ وانْتُهِبَ بِهَا الْمَالُ الْحَرَامُ وانْتُهِكَ
بِهَا الْفَرْجُ الْحَرَامُ وعِزَّتِي وجَلَالِي لأُعَذِّبَنَّكَ بِعَذَابٍ لَا أُعَذِّبُ
بِه شَيْئاً مِنْ جَوَارِحِكَ)
: الكافي ، الكليني ، ج2 ، ص 115 :
:9:- وقال : عليه السلام : (فإنَّ أمَّ سليمان قالت لسليمان
، عليه السلام : يا بُنيَّ إيّاكَ والنومَ ، فإنّه يُفقِركَ يومَ يَحتاجُ النّاسُ إلى
أعمالِهم ): بمعنى أنَّ رأس مال الإنسان عُمرُه ، وكثرة النوم تضييعه وتهدره –
وعليه ينبغي اغتنام نعمة الحياة قبل الممات ونعمة الشباب قبل الهرم – ومراقبة أنفسنا
وألسنتنا وخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي والتي يصل نشرها إلى مشارق الأرض ومغاربها
، كما نبّه الإمام ، عليه السلام ، .
_____________________________________________
أهمّ مَضامين خطبةِ الجُمعَةِ الأولى ،والتي ألقاهَا سَماحةُ
الشيخ عبد المَهدي الكربلائي ، دام عِزّه, الوكيل الشرعي للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ العُليا
الشَريفةِ في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس ,اليوم ، الواحد والعشرين من رجب 1440 هجري
، التاسع والعشرين من آذار 2019م .
______________________________________________
تدوين - مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي - النَجَفُ الأشْرَفُ
.
:كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ تبارك وتعالى، رَاجينَ
القَبولَ والنَفعَ العَامَ, ونسألَكم الدُعاءَ .
______________________________________________
0 التعليقات:
إرسال تعليق