:: ضرورة إيجاد حالة
التوازن بين الدنيا والآخرة وفَهم العلاقة بينهما – المنهج والمُعطيات "
:1:- إنَّ من
جملة الأمور المُهمّة التي يسعى إليها القرآن الكريم والعترة الطّاهرة هي إيجاد
حالة التوازن في فَهم العلاقة بين الدنيا والآخرة والعمل على ضوئها ، إدراكاً واعتقاداً
بحقيقة مراحل الانتقال بينها وبين الحياة الأبديّة – وهناك مسافة فكيف نن
تقل من
هذه الدنيا إلى ذلك العالم الآخر الأبدي ؟
:2:- لا بُدّ من
العمل وفق التوازن بين الدنيا والآخرة ، وبضوابط شرعيّة ، وقد بيّن ذلك القرآن الكريم بقوله تعالى: ((وَابْتَغِ
فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا
وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ
إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77))) القصص.
:3:- بين الدنيا
والآخرة تمام الملائمة إذا نظرنا إليها وفق رؤيّة الشارع المقدّس ، وبينهما تمام
المنافرة إذا نظرنا إليها بمنظار آخر وخلاف ذلك.
:4:- نحتاج إلى أن
نعلمَ ونفَهمَ العلاقة بين الدنيا والآخرة ، وأنّها مقدّمةٌ لتحصيلها – لا أنّها
وجود مستقل في قبالها ولا علاقة لها بها – فالعلم يقتضي العمل – والعمل بلا علم لا
يُمكن أن يُلتَذَ به ويأتي بنتائج معاكسة.
:5:- كلّ ما
يصلنا من النبي الأكرم ، صلّى الله عليه وآله وسلّم ، هو وحي بنص قرآني أو بشكل
آخر ، ولكن المشكلة في الأحداث التاريخيّة أنّها قلّ ما يُدرس فيها سيرة
الأنبياء ، وحتى في مدارسنا – فسيرة الأنبياء
جزء من التاريخ –
ولا تخلو الأرض
من حجّة .
:6:- من الضروري
وفق حالة التوازن أن ننظرَ إلى الدنيا على أنّها مزرعة الآخرة – وأنَّ هناك مسانخة
بين العمل وجزاءه – فالذي يزرع باطلاً لا يمكن أن يحصدَ حقّا – وإنَّ التفكير
بالعمل وفق التوازن في الحاجات يُغيّر نظرتنا في الظروف التي نمرّ بها في هذه
الدنيا.
:7:- إذا جعلنا
الدنيا وجوداً مستقلّاً عن الأخرة ، ونعمل لها بكلّ ما أوتينا من قوّة – نقتحمها بحلالها
وحرامها ، فستكون هناك منافرة بينهما .
:8:- يحدثُ
كثيراً في مقام العمل الخلطُ بين التوازن واللاتوازن بين الدنيا والآخرة ، فتقع مشاكل
نفسيّة وعدم استقرار وعدم وضوح هدف – ومن الضروري الفرز في هذه العلاقة في مقام
العلم والعمل.
:9:- إنَّ نفس
الالتزام بحالة التوازن يعود على الإنسان بالنفع إذا سعى سعيا صالحا ،وأمّا إذا
ركب الفسوقَ والعصيان فلن يضرّ إلّا نفسه ، لأنَّ اللهَ غنيٌ عن العالمين.
:10:- لقد بيّن
أمير المؤمنين ، علي ، عليه السلام ، هذه الحالة في كلماته القِصار :
(إنَّ الدُّنْيَا
والآخِرَةَ عَدُوَّانِ مُتَفَاوِتَانِ - وسَبِيلَانِ مُخْتَلِفَانِ - فَمَنْ أَحَبَّ
الدُّنْيَا وتَوَلَّاهَا أَبْغَضَ الآخِرَةَ وعَادَاهَا - وهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرِقِ
والْمَغْرِبِ ومَاشٍ بَيْنَهُمَا - كُلَّمَا قَرُبَ مِنْ وَاحِدٍ بَعُدَ مِنَ الآخَرِ
- وهُمَا بَعْدُ ضَرَّتَانِ)
: نهج البلاغة ،
ت ، د ، صبحي الصالح ، ص 486.
:11:- بعض المدارس الوضعيّة أنكرت الدارَ الآخرةَ
وألحدَت – وإلحادها هو انهزام نفسي أمام البراهين العلميّة اليقينيّة - ينهزم إليه العقل البشري عندما لا يُريد أن
يفهم الحقيقة ، ((وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا
فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14))) النمل.
:12:- لقد واجه
الأنبياء ، عليهم السلام ، كلّ ذرائع وتبريرات المعارضين لهم ، من قبيل - أنَّ
الذي يتبّعكم هم أراذل الناس – أو أساطير الأوّلين – أو مجنون وغير ذلك – وقد بيّنوا
ضرورةَ التوازن بين الدنيا والآخرة في العمل وفق ضوابط .
:13:- إنَّ
الاعتقاد بحالة التوازن والعمل وفقها تجعل صاحبها مطمئناً بمصيره وجزاءه ، كما هو
عليه أمير المؤمنين ، عليه السلام ، إذ لمّا ضربه ابن ملجم في محرابه قال: فزتُ
وربّ الكعبة – لأنَّ أعماله كلّها كانت وفق جعل الدنيا مقدمةً لتحصيل الآخرةَ.
:14:- نحن قاصرون
وعاجزون عن معرفة كنه الزهراء ، عليها السلام ، فهي السرّ المستودع ، ولا زال غير
مُكتشَف ، ومن الضروري أن نتعلّم منها ونتخذها منهجاً وشفاعةً ، ونتمسّك بها أسوةً
حسنةً – فقد زهدت في الدنيا ، وهي ابنة
سيّد الأنبياء أجمعين – لم تكلّف عليّاً في زواجها – إلّا جلد كبش وبيت متواضع ،
وعاشت برضا .
_____________________________________________
أهمّ مَضامين خطبةِ
الجُمعَةِ الأولى ،والتي ألقاهَا سَماحةُ السيّد أحمد الصافي ، دام عِزّه, الوكيل الشرعي للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ
العُليا الشَريفةِ في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس ,اليوم ، الثاني من جمادى الآخرة 1440 هجري ، الثامن
من شباط 2019م . ______________________________________________
تدوين - مُرْتَضَى
عَلِي الحِلّي - النَجَفُ الأشْرَفُ .
:كَتَبْنَا بقَصدِ
القُربَةِ للهِ تبارك وتعالى، رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ, ونسألَكم الدُعاءَ
.
______________________________________________
0 التعليقات:
إرسال تعليق