"من
الضروري اعتماد مَبدأ النقد الذّاتي البنَّاء والموضوعي في تصحيح مَسيرة الحياة
لدى الفرد والمُجتمع معاً ، ع
قائديّاً وسلوكيّاً وثقافيّاً وعاداتٍ وتقاليداً
وأخلاقاً ومنهجا"
:: المَرجَعيَّةُ الدِّينيَّةُ العُليَا الشَرِيفَةُ
: - تدعو إلى اعتماد ثقافة ومبدأ النقد الذّاتي الإيجابي والموضوعي في تصحيح مسار
حياتنا في مُختلف مجالاتها السلوكيّة والتربويّة والأخلاقيّة والثقافيّة والعادات
والتقاليد وفق ضوابط شرعيّة مُحدّدةٍ .
:1:- إنَّ من
أهمِّ الدروس التربويّة التي نحتاجها أفراداً ومجتمعاً في ضرورة تصحيح مسارات
حياتنا مطلقا هو مبدأ وثقافة النقد البنّاء والإيجابي ذاتيّاً وموضوعيّاً ووفق
أُطر شرعيّة وأخلاقيّة معروفة.
:2:- إنَّ مبدأ
النقد الذاتي والموضوعي هو مبدأ قرآني له أهميّته الحياتيّة في ما إذا استشعرنا بخطورته وآثاره ومعطياته ،
وأنّه يسهم في تصحيح المسار السلوكي والثقافي والأخلاقي للفرد والمجتمع معاً –
وأمّا إذا لم نستشعر أهميته وأهملناه فسيتحوّل إلى معول هدم وتفكيك للعلاقات
الاجتماعيّة ونشر للأحقاد والعداوات.
:3:- ( مقدّمَةٌ
) :- من الواضح والمعلوم أنَّ كلّ إنسان يخطأ إلّا المعصوم ، عليه السلام ، وهنا
وبحكم كون الإنسان عرضةً للخطأ والزلل والعثرات في حياته ومساراته الثقافيّة
والسلوكيّة والفكريّة والعباديّة والعقائديّة يتوجّب عليه أن ينقد ذاته أوّلاً ، وأن
يتقبّل النقد الإيجابي المشروط ثانياً – لأنَّ الخطأ قد يكون له تأثير كبير في
مجال الفكر أو الأخلاق أو العقيدة وبالتالي يؤثّر أكبر في المُجتمع.
:4 :- لقد نبّه
القرآنُ الكريمُ والأحاديث الشريفة على أنّ طبيعة الإنسان فيها نقص وجهل و ميل إلى
الشهوات و إلى الشرور ، ممّا تجعله عرضةً للخطأ والعثرات التي تؤدّي به إلى الهلكة
(كل بني آدم خطّاءٌ وخير الخطّائين التوابون )
: ميزان الحكمة ،
الريشهري ، ج1 ، ص338 .
:5:- وبحكم عرضة
الفرد والمجتمع معاً للخطأ فهما يحتاجان للتنبيه دائماً – ومن خلال إعمال ثقافة
النقد الإيجابي والتقييم والتقويم للمسارات في عثراتها أو في فشلها ، ولأنَّ هذه
المسارات إذا تُرِكَت دون نقد وتقييم وتقويم فستؤديّ إلى هلاك المجتمع.
:6:- إنَّ مفهوم
النقد يعني أن نراجعَ أفراداً ومجتمعاً أنفسنا ومبادئنا وأخلاقنا ومواقفنا وعاداتنا
وثقافتنا بشكل دائم ومستمر ، والقرآن الكريم أكّد على ذلك في قوله تعالى : ((وَالَّذِينَ
إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا
فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135))) آل عمران.
:7:- إنَّ المؤمن
دائما بحاجة إلى أن يتنبّه ، ويتجنّب اللامبالاة ويهتمّ بأفعاله وبسلوكه وبثقافته
ومسيرته – فالغفلة توجب الهلكة – وبالمحاسبة والمراقبة واليقظة والوعي تتحقّق
النجاة.
:8:- في حديث صحيح
(ليس منّا مَن لم يُحاسب نفسه في كلّ يوم ، فإن عمل حسناً استزاد اللهَ وإن عمل سيئاَ
استغفر اللهَ منه وتابَ إليه )
: روضة المتقين ،
المجلسي الأوّل ، ج 13 ، ص 62 .
وعن أمير
المؤمنين ، عليه السلام ، أنّه قال :(ما أحقُّ الانسان أن تكون له ساعة
لا يشغله عنها شاغلٌ ، يُحاسب فيها نفسَه ، فينظر
فيما اكتسب لها وعليها ، في ليلها ونهارها )
: مستدرك الوسائل
، الطبرسي ، ج 12 ، ص 154.
:9:- إنَّ النقدَ
الذّاتي له أحكام شرعيّة وضوابط ينبغي إتّباعها لتؤتي أُكلها وثمارها – فإذا خرجَ
عن مساره الصحيح تحوّل إلى معول هدم للإنسان والمجتمع معاً .
:10:- مشكلتنا
تكمن في عدم تقبّل النقد الصحيح ، ونفهمه على أنّه انتقاص وسخريّة – والحال يجب أن
نقبله بشروطه الصحيحة وننتبه إليه – وفي الرواية عن الإمام جعفر الصادق ، عليه
السلام : (لا يستغني المؤمنُ عن خصلة ، وبه الحاجة إلى ثلاث خصال ، توفيق من الله عز
وجل ، وواعظ من نفسه ، وقبول مِمّن ينصحه)
: المحاسن ،
البرقي ،ج 2 ، 604 .
:11:- إنَّ
الكثيرَ منّا لا يقبل النقد والتقييم لاعتداده بنفسه ، ويعتبره هدراً لكرامته أو
نيلاً من مقامه العلمي أو الاجتماعي أو جاهه ، والحال إذا كان بشروطه فهو يوجب التصحيح
للمسارات والتشخيص للعيوب – وروي عن الإمام الصادق ، عليه السلام ، أنّه قال : (أحبُّ
إخواني إليَّ مَن أهدى إليَّ عيوبي )
: الكافي ،
الكليني ، ج 2 ، ص 639 .
:12:- إنَّ مِن
أهمّ مقومات النقد الإيجابي هو إتّباع الأسلوب الحكيم لفظاً وأداءً وقصدا – (عن صفوان
الجمّال أنَّ أبا الحسن موسى الكاظم ، عليه السلام ، قال له :كلُّ شيءٍ منك حسن جميل
ما خلا شيئاً واحدا - قلتُ لأيّ شيء ؟ قال :إكراؤك جِمالك مِن هذا الرجل - يعنى هارون
)
: وسائل الشيعة ، الحرّ العاملي ، ج 16 ، ص 256.
واختيار الزمان
والمكان المُناسبَين للنقد ، ومِن الضروري أن نتعلّم أخلاقيّات النقد والنصيحة من
الأئمة المعصومين ، عليه السلام ، وأن نتجنّب الأسلوبَ الجارحَ والمُخالف للرفق
واللين – وفي حادثة تعليم الإمامين الحَسن والحُسيَن ، عليهما السلام ، الشهيرة
للشيخ الكبير في كيفيّة تصحيح وضوئه أسوةً حسنةً لنا في الطريقة والأداء القيّم
والمُثمِر.
____________________________________________
:: أهمُّ مَا جَاءَ
في خِطَابِ المَرجَعيَّةِ الدِّينيّةِ العُليَا الشَريفَةِ, اليَوم, الجُمْعَة ، التاسع
من جمادى الآخرة1440هجري ، الخامس عشر من شباط
، 2019م ، وعَلَى لِسَانِ وَكيلِهَا الشَرعي، سماحة الشيخ عبد المَهدي الكربلائي ،
دامَ عِزّه ، خَطيب وإمَام الجُمعَةِ فِي الحَرَمِ الحُسَيني المُقَدّسِ ::
___________________________________________
تدوين – مُرْتَضَى
عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشْرَفُ .
:كَتَبْنَا بقَصدِ
القُربَةِ للهِ تبارك وتعالى , رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَّ, ونسألَكُم الدُعَاءَ.
___________________________________________
0 التعليقات:
إرسال تعليق