" كونوا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، في إصلاحِ النفوسِ وتهذيبِ الأخلاقِ " وذلك بالالتزام بنصائحِه العظيمةِ ومَواعظهِ القيِّمَةِ "


" كونوا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، في إصلاحِ النفوسِ وتهذيبِ الأخلاقِ " وذلك بالالتزام بنصائحِه العظيمةِ ومَواعظهِ القيِّمَةِ "
:1:-
إنَّ الإمام علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، قد وضعَ لنا منهاجاً قيّمَاً في كيفيّة تطهير النفوس من مَذامِ الصفات ورذائل الأخلاق ،وقد حذّرَ منها بقوله :
(ثُمَّ إِيَّاكُمْ وتَهْزِيعَ الأَخْلَاقِ وتَصْرِيفَهَا - واجْعَلُوا اللِّسَانَ وَاحِداً ولْيَخْزُنِ الرَّجُلُ لِسَانَه - فَإِنَّ هَذَا اللِّسَانَ جَمُوحٌ بِصَاحِبِه - واللَّه مَا أَرَى عَبْداً يَتَّقِي تَقْوَى تَنْفَعُه حَتَّى يَخْزُنَ لِسَانَه - وإِنَّ لِسَانَ الْمُؤْمِنِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِه - وإِنَّ قَلْبَ الْمُنَافِقِ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِه - لأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ تَدَبَّرَه فِي نَفْسِه - فَإِنْ كَانَ خَيْراً أَبْدَاه وإِنْ كَانَ شَرّاً وَارَاه - وإِنَّ الْمُنَافِقَ يَتَكَلَّمُ بِمَا أَتَى عَلَى لِسَانِه - لَا يَدْرِي مَا ذَا لَه ومَا ذَا عَلَيْه - ولَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّه ( ص ) - لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُه - ولَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُه حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُه - فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَلْقَى اللَّه تَعَالَى - وهُوَ نَقِيُّ الرَّاحَةِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وأَمْوَالِهِمْ - سَلِيمُ اللِّسَانِ مِنْ أَعْرَاضِهِمْ فَلْيَفْعَلْ )
: نهجُ البلاغةِ ، ت ، د ، صبحي الصالح ،ص 253.:
:2:- في هذا المقطع القيّم يُحذّرُ الإمامُ علي ، عليه السلام ، الإنسانَ من وتَهْزِيع الأَخْلَاقِ وتَصْرِيفِهَا – بمعنى جعلها مُتكسّرَة كتكسِّر الشجر ومُتفرّقة في الأحوال والسلوك والمواقف والأزمان ، تتقلّب كيف ما يشاء صاحبها ووفق مصلحته الشخصيّة -  وتتغيَّر من خُلقٍ إلى خُلق آخر ، ومِن حالٍ إلى حالٍ بما تُشابه النفاق.
:3:- ينبغي بكّل واحدٍ منّا أن يعرضَ نفسه على هذه الصفات والضوابط التي وضعها الإمام علي ، عليه السلام ، وواقعاً لا يخلو الكثيرُ منّا من هذه الصفات ومَذام الأفعال حتى يمكنه التخلّص منها.
:4:- المؤمن الحقيقي هو ثابتٌ على الحقِّ وفي حَراكه الأخلاقي ومستقرٌّ على خُلُقٍ واحدٍ ، وصادقٌ في كلّ الأحوال حتى ولو واجهته المتغيّرات والضغوط –
لا يغدر بالآخرين ولا يكون مع الظالم في ظلمه – بل هو مع العادل في عدله – ولا يتنكّر للمعروف.
:5:- بعض الناس ممن كسّر أخلاقه وهزّعها وغيّرها – تراه تارةً يصدق وأخرى يكذب ، يفي ويغدر أخرى – ووراء هذا التقلّب والتغيّر أسبابٌ منها: -
 مرضٌ في القلب- والمصالح الدنيوية والشخصية – وهذه هي صفات وأحوال المنافق.
:6:- ثُمَّ يقول  الإمام أمير المؤمنين ، عليه السلام،:( واجْعَلُوا اللِّسَانَ وَاحِداً ولْيَخْزُنِ الرَّجُلُ لِسَانَه - فَإِنَّ هَذَا اللِّسَانَ جَمُوحٌ بِصَاحِبِه - واللَّه مَا أَرَى عَبْداً يَتَّقِي تَقْوَى تَنْفَعُه حَتَّى يَخْزُنَ لِسَانَه -):.
وهنا يُركّزُ الإمامُ ، عليه السلامُ ، على مفتاح من المفاتيح المهمّة للتقوى في الدنيا والآخرة ألا وهو اللسان ، والذي ينبغي أن يكون صاحبه واحداً فيما يتكلّم به وينطق ولا يتعدد ويتلوّن بلونين ووجهين ولسانين وموقفين ،- يغتاب ويطعن في أعراض الناسِ – ويتكلّم بشيء أمام مجموعة وبكلام آخر أمام أخرى -.
ولذا حّذرَ الإمام من هذا التقلّب والتعدّد في اللسان – بمعنى أن يمدحك بحضورك ويذمّك بغيابك – وهذه هي من صفات النفاق.
:7:- لا يَتصوّر الواحدُ منّا أنّه سالمٌ من هذه الصفات – ممّا يستدعي ذلك النظر فيما نقول ونكتب وننشر ونتكلّم – وقد وردَ عن الإمام محمّد الباقر، عليه السلام ،:(بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين ، يطري أخاه شاهدا ويأكله غائبا،    إن أعطي حسده وإن ابتلي خذله  )
وفي رواية عن المعصوم ، عليه السلام ، أنّه : (قال الله تبارك وتعالى لعيسى بن مريم ، عليه السلام ، : يا عيسى ليكن لسانك في السرِّ و العلانية لساناً واحداً وكذلك قلبك ، إنّي أحذرك نفسك وكفى بي خبيرا ، لا يصلح لسانان في فم واحدٍ ، ولا سيفان في غمدٍ واحدٍ ، ولا قلبان في صدرٍ واحدٍ ، وكذلك الأذهان .)
 : الكافي ، الكليني ، ج2 ، ص 343,.:
:8:- إنَّ المنافقَ هو من يكون مستعجلاً في كلامه ، حيث يلقيه كيفما يشاء دون تروّي وترّيث ، ولا تأمّل ولا تفكّر – بخلاف المؤمن والذي يتأنّى ويفكّر ويتأمّل ويتدبّر العواقب والآثار ثمّ يتكلّم بلسان واحد في كلّ الأحول.
:9:- ينبغي بالإنسان أن يخزنَ لسانه وأن لا يتركه كالفرس الجموح الذي لا يُسيطر عليه صاحبه ، وقد يؤدي به إلى الهلاك والموت أو يعوّقه إن لم يلجمه.
:10:- إنَّ آفات اللسان هي عظيمة جداً ، ولذا ينبغي تجنبها على مستوى التكلّم أو الكتابة والتي هي وجود ثانٍ للفظِ ، وفيه تكمن مخاطر كبيرة من حيث تضمّنه للطعن أو الغيبة والكذب – مّما يتطلّب ذلك وضعه تحت المراقبة والمتابعة – ومعرفة آفات اللسان و مخاطرها – وتقليل الكلام إلاّ من خير وحقّ –
وتصفيّة الكلام وتنقيته – وعدم التسرّع بإلقائه .
:11:- من صفات المؤمنين التأنّي في إلقاءِ الكلام وعدم الاستعجال والتفكّر
 فيما يقولون والشعور بمسؤوليّة الكلمة وأثارها.
:12:- ثُمَّ يُبيِّنُ الإمامُ ، عليه السلام،: - الوسيلةَ القويمةَ للإنسان المؤمن ليدرّب نفسه عليها ويروّضها (وإِنَّ لِسَانَ الْمُؤْمِنِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِه - وإِنَّ قَلْبَ الْمُنَافِقِ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِه - لأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ تَدَبَّرَه فِي نَفْسِه - فَإِنْ كَانَ خَيْراً أَبْدَاه وإِنْ كَانَ شَرّاً وَارَاه - وإِنَّ الْمُنَافِقَ يَتَكَلَّمُ بِمَا أَتَى عَلَى لِسَانِه - لَا يَدْرِي مَا ذَا لَه ومَا ذَا عَلَيْه)
وهنا ينبغي بالمؤمن أن يجعل كلامه وفق الموازين العقليّة والشرعيّة والأخلاقيّة ، وبما فيه مصلحة وخير ونفع الآخرين .
يدقق وينظر في كلامه- فإن وجده غيبةً لا يتكلّم به – وإن وجده كذباً ينتهي.
وننبّه على أنَّ ما يحصل في وسائل التواصل الاجتماعي من الكتابة والنشر هو أيضاً خاضع لتلك الموازين العقلية والشرعية والأخلاقيّة – لما في ذلك من خطر عظيم على المجتمع والأمم والأفراد – وقد يكون ما يُكتبُ يهدف إلى التفريق وترويج الحرام صوراً أو كلاماً.
___________________________________________
أهمّ مَضامين خطبةِ الجُمعَةِ الأولى والتي ألقاهَا سَماحةُ الشيخ عبد المهدي الكربلائي ، دام عِزّه, الوكيل الشرعي للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ العُليا الشَريفةِ في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس  ,اليوم  - الرابع عشر من  شوّال المُكرّم,1439 هجري –   التاسع والعشرين من حزيران   ,2018م. ______________________________________________
تدوين – مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشْرَفُ –
- كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ  تبارك وتعالى , رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ, ونسألَكم الدُعاءَ -
______________________________________________

شاركه على جوجل بلس

عن مرتضى علي الحلي

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات: