""
المَرجَعيّةُ الدّينيّةُ العُليَا الشريفةُ " رايةٌ هُدَىٍ حتى ظُهورِ القائم
المَهدي، أرواحُنا فِدَاه ، وعَجّل اللهٌ فرجَه الشريفَ مِن قريب "
"" هي "" تَدْعُو إِلَى الْهُدَى والمَدْعُو – سياسيَّاً أكان أو
اقتصاديّاً أو اجتماعيّاً - لا يَسمَع
" استكباراً وإعراضاً عن الحقّ ولضعفٍ في نفسه .
" وهناك مِحنةٌ
، وهي أنَّ العالِمَ يتكلّمُ ولا أحدَ يسمعه "
:1:- قد تكون الدعوة إلى الهُدى بضرورة تجنّب السرقة
والقتل وخيانة الأمانة ،
ولكن لا أحدَ يسمع ، وخاصةً فيما تقوم به بعض
العشائر مِن قتل غير مُبررٍ وبدوافعَ جاهليّةٍ للثأر والانتقام وقد نُهُوا عن ذلك
شرعاً وهدايةً .
:2:- بعض
المَدعوين يرى نفسه أكبرَ من الواقع وأنّ الكلام في الدعوة إلى الهُدى لا يعنيه ،
فلا يسمع ولا يبصر ، بل تأخذه العزّةُ بالإثم ، ولا يعترف بأخطائه ، ولا يتنازل
للحقّ والهدى.
:3:- المُشكلةُ
الكبيرة تكمنُ في الجهل المُطبقِ ، فبعض الناس لا يُريد أن يسمعَ ولا أن يبصر ،
فالمطلوب هو البصيرةُ في القلب والمَوقف ومعرفة الحقائق وعدم الغض عنها .
::: نصُّ مَا جَاءَ
في خِطَابِ المَرجَعيَّةِ الدِّينيّةِ العُليَا الشَريفَةِ, اليَوم, الجُمْعَة ،
الثالث عشر من جمادى
الآخرة ,1439هجري - وعَلَى لِسَانِ وَكيلِهَا الشَرعي ,
السيّد أحمد
الصافي , خَطيب وإمَام الجُمعَةِ فِي الحَرَمِ الحُسَيني المُقَدّسِ :::
::: نعرضُ عليكم الآية الكريمة من سورة الأعراف
، قال اللهُ تبارك وتعالى:
((وَإِنْ تَدْعُوهُمْ
إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ
))(198)الأعراف.
إنَّ هذه الآية
الشريفة وقعتْ ضمن آياتٍ تتحدّث عن تيه الإنسان في مُعتقداته , فهو قد يتجنّب
شيئاً أساسيّاً في حياته ، وهو لا أصل له أصلاً ، بل هو لا شيء.
ولكن كما قلنا ،
نحن نتكلّم مع الآية عن بعض الحالات
بمقدار سعة هذا المدلول الظاهري للآية الشريفة ، وحتى لا ندخل في قضية التفسير .
وهذا المقطع من
الآية الشريفة فيه شقان :
الشق الأوّل:-
وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا :
الشق الثاني:- وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ
لَا يُبْصِرُونَ :
والشق الأوّل :- يتحدّث
عن الهدى ومقامه والدعوة إليه ، والهدى هو مطلق الخير ، وله مَن يدعو له ، سواء
أكان من الأنبياء أو الأئمة أو عالماً أو مصلحاً أو متعلّماً على سبيل نجاة ، كُلّهم
يدعون إلى الهُدى .
وفي الشق الثاني –
الجهة الأخرى ، وهي المَدعوّة إلى الهُدى ، لأنَّ عملية الهدى تتكون من داعٍ ومَدعو
ودعوة – فهذه الجهة المَدعوّة لا تسمع ولا تبصر.
وإذا نقلنا
الكلام للأصنام فهي لا بشك ليس لها قابليّة أن تسمع كونها حجراً ، بل هذا الكلام
هو من باب الإلزام ، بمعنى أن عليك أن
تتأمّل وتسمع وتبصر .
وتارةً نَنقلُ
الكلامَ للذين عندهم أدوات السمع ولكنهم يُعرضون عن ذلك ,
وفي واقعة الطف
قد تكلّم الإمامُ الحُسين ، عليه السلام ، مع مثل هذا الصنف من الناس ، وفي مقابل
ذلك كان ردّهم الجاهل ( لقد أبرمتنا بكثرة كلامك ), وهكذا الحال مع قضية النبي نوح
، عليه السلام ، حيث قال تعالى فيهم:
((وَإِنِّي كُلَّمَا
دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا
ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7))) , نوح.
::: وهناك محنةٌ ،
وهي أنَّ العالِمَ يتكلّمُ ولا أحد يسمعه , وكذلك وردَ في الأخبار المأثورة ، أنّه
مِن ضِمن مَن يشكون إلى الله تعالى : القرآن المَهجور ، وعليه الغبار : والمَسجد ،
والعَالِم الذي ضاعَ بين جُهّال :
والمشكلة أنّهم
لا يسمعون كلامَ العَالِم ، وهذه محنة وجهل مُطبق .
وكلامنا عام ،
حيث يقول الله تعالى:
((وَإِنْ تَدْعُوهُمْ
إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ
))
:: لاحظوا
النكتةَ المهمة في هذا المقطع ، ونحن نتكلّم خارج إطار التفسير لمعنى الأصنام ،
ونتكلم بما نفهمه من الظاهر في الآية الشريفة ، وهي أنَّ الذي عنده آلة للنظر
وينظر إليك يصفه القرآن بأنّه لا يبصر واقعاً ، لِما عليه من الغشاوة ، التي وضعها
أمام عينيه ونفسه ليكون أشبه بالحجر ، بل حجرا.
وهنا نعطي نماذجَ
عرفية ، وهذه مسألة نبتلي بها يوميّاً في حياتنا العامة ، ومن جملة الهُدى هو أن
لا تسرق ، لأنَّ السرقة عبارة عن شيءٍ قبيحٍ – لا تسرق جهدَ الآخرين – فالذي يسرق
هو لا يسمع ولا يبصر بعد أن تدعوه للهدى.
وكذلك الحال مع مَن
يقتل بعد أن تقولَ له لا تقتل ، ولكنه يقتل ولا يهتدي بهدى الدعوة إلى عدم القتل
المُحرّم شرعاً ، .
ونقفُ بصراحة – عندنا في مجتمعنا مشاكل تحدث بين عشيرتين أو
أكثر , ونعم إنَّ العشائر لها أصولها وضوابطها وتركيبتها المهمة في المجتمع ,
وأنَّ الناس تتأدّب في مجالسها ،
لأنّها تتوفر على معاني الوفاء والكرم والسخاء
ولها مواقف تُذكَر,.
وإنّما نتحدّث عن
جانب فيه نوع من الظلم ، وعدم ارتباطه بكينونة هذه العشائر الأصيلة والتقاليد
النبيلة ، ولكن عندما تتحوّل بعض الأشياء إلى حالة من الرعب والخوف والانتقام بلا
ضابط ، فهذه دماءٌ ولا يُجامل فيها.
وعندما ترشدُ
وتقول: لا تقتل – لا تثأر بطريقة جاهليّة – لا تقتل غير القاتل ، وتدعو إلى الهُدى
، ولكن لا أحد يسمع – فهو لا يسمع للحق ولا يهتدي.
:: وعندما نعمل
ضوابط وكثيرٌ من أهل الحكمة والمعروف يمضون هذه القائمة من الضوابط الجيدة فلا
بُدّ من تطبيقها ، وتجنّب الظلمَ.
:: وعندما تقول:(
لا تخن الأمانة )- هذا من الهدى ، وهناك
أمانة عندك ، سواء كنتَ سياسيّاً أو اقتصادياً أو اجتماعيّاً – فأنتَ أمين على
أمانتك التي عندك فلا تخنها.
وإنَّ ردّ
الأمانة وحفظها هي من الأمور التي يقبلها العلماءُ والعقلاءُ وعمومُ المُجتمع ,
فلماذا لا تسمع
وتبصر؟
هذه تطبيقات
للهدى من الآية الشريفة ((وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى)) ،والذي لا يسمع
ولا يبصر فهو مُكابر ، وهو يعرف ذلك مِن نفسه
،ولكن يتكبّر وتأخذه العزّة بالإثم ،
وهذا دليل على
ضعف في نفسه .
وأمّا الذي يخضع
للهدى والحق ويعترف بالخطأ فهو قوي في نفسه ، بخلاف مَن يغلب عليه هواه ولا يتنازل
للحق ، فهذه مشكلة لأنّ الإنسان يرى نفسه أكبر مما يتصوّر ،
ولا يقبل إرشاد
الآخرين له على عيوبه ، بل يرى نفسه في المرآة أكبر من الواقع ،
ولا يخضع للحق
بسهولة ، ويتوقع أنَّ الخطاب لا يعنيه فلا يصغي ولا يسمع ولا يبصر ، وتأخذه حميّة
الجاهليّة .
:: ونرجو مِمّن
تكون فيه هذه الخصلة أن يتجنّبها ، ألم تعلم مَن هو أفصح على الإطلاق ، وهو النبي
الأكرم ، وقد تكلّم وبشتى الوسائل من خلقه وآدابه وقاتل من لا يسمع ودافع عن
رسالته ضدّ أناس يفهمون لغته ولكنهم لا يبصرون ، بل أخذتهم حميّة الجاهلية ،
والناس أعداء ما جهلوا.
وقد تكلّمنا عن
البصيرة ، ونعني بها الفَهم والدقة وهي تحصل واقعا بالتعقّل وفي بصيرة القلب ،
وأما العين فهي وسيلة إلى القلب ، وللأسف بعض الناس ترى حقائقَ ، ولكن تغض عنها.
نسأل اللهَ تبارك
وتعالى أن لا يجعلنا من الذين لا يسمعون ولا يبصرون ، بل نسأله أن يجعلنا من الذي
يسمعون ويبصرون فيهتدون.
_________________________________________________
الجُمْعَة- الثالث عشر من جمادى الآخرة ,1439 هِجرِي- الثاني من آذار 2018م.
تدوين – مُرْتَضَى
عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشْرَفُ –
- كَتَبْنَا بقَصدِ
القُربَةِ للهِ تعالى , رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ, ونسألَكم الدُعاءَ -
_________________________________________________
0 التعليقات:
إرسال تعليق