" كونوا
مع أميرِ المُؤمنين الإمام علي بن أبي طالب , عليه السلام , في مواعظهِ البليغةِ "
"مع" ثقافةُ النهي ( لا تَكُن مِمّن ) وضرورةُ التخلي عن الصفاتِ القبيحةِ والأخلاقِ
الرذيلةِ "
:... ما زلنا في
تلك المواعظ البليغة لسيّد البلغاء والفُصحاء، أميرِ المُؤمنين الإمام علي بن أبي طالب , عليه السلام ،
والتي قَالَ عنها السَيّدُ الشَريفُ الرَضي - جَامعُ النَهجِ المُبارَكِ :
( ولو لم يكن في هذا الكتابِ إلاّ هذا الكلامُ لكَفَى
بهِ مَوعِظَةً نَاجِعَةً وحِكمَةً بَالِغَةً وبَصيرةً لمُبصِرٍ وعِبرَةً لنَاظِرٍ مُفَكّرٍ
) .
وقد تعرّضنا إلى
بعضٍ من تلك المواعظ العظيمة ، والتي بيّن فيها بعض الصفات السلبيّة القلبيّة
والسُلوكيّة ، التي يُمرّ بها الإنسانُ ،وتسببُ له المشاكل .
ومن جملة ما قال : عليه السلام : ( لِرَجُلٍ سَأَلَه
أَنْ يَعِظَه - لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الآخِرَةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ -...........
يَصِفُ
الْعِبْرَةَ ولَا يَعْتَبِرُ - ويُبَالِغُ فِي الْمَوْعِظَةِ ولَا يَتَّعِظُ - فَهُوَ
بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ ومِنَ الْعَمَلِ مُقِلٌّ - يُنَافِسُ فِيمَا يَفْنَى ويُسَامِحُ
فِيمَا يَبْقَى – يَرَى الْغُنْمَ مَغْرَماً والْغُرْمَ مَغْنَماً - يَخْشَى الْمَوْتَ
ولَا يُبَادِرُ الْفَوْتَ - يَسْتَعْظِمُ مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْرِه مَا يَسْتَقِلُّ
أَكْثَرَ مِنْه مِنْ نَفْسِه - ويَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِه مَا يَحْقِرُه مِنْ طَاعَةِ
غَيْرِه - فَهُوَ عَلَى النَّاسِ طَاعِنٌ ولِنَفْسِه مُدَاهِنٌ - اللَّهْوُ مَعَ الأَغْنِيَاءِ
أَحَبُّ إِلَيْه مِنَ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ - يَحْكُمُ عَلَى غَيْرِه لِنَفْسِه
ولَا يَحْكُمُ عَلَيْهَا لِغَيْرِه - يُرْشِدُ غَيْرَه ويُغْوِي نَفْسَه - فَهُوَ يُطَاعُ
ويَعْصِي ويَسْتَوْفِي ولَا يُوفِي -)
: نهجُ البلاغةِ
، ت ، د ، صبحي الصالح ، ص 499.
قال: عليه
السلام: ( لا تَكُن مِمّن
) يَصِفُ الْعِبْرَةَ ولَا يَعْتَبِرُ - ويُبَالِغُ فِي الْمَوْعِظَةِ
ولَا يَتَّعِظُ -
فَهُوَ بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ ومِنَ الْعَمَلِ مُقِلٌّ -::-
:. نرى بعضَ
الناسِ يلقي الدروسَ والمواعظَ والنصائح للآخرين ، ويُشهِّرُ بفلانٍ وفلان
أنّه قد أخطأ ، وصدرَت منه الزّلاتُ والعثراتُ
الكذائيّة ، وأحياناً يُبالغُ بما يمرّ به الآخرون
في التوصيف
والتحليل والسرد ، ويتعالى على الآخرين ببلاغته وكلامه ومقالاته ،
ولكن هو نفسه لا يتّعظ ولا يعتبر بهذه المواعظ
والدروس ، مثله كمثل الذي عنده مال كثير يوزّعه على الناس لينتفعوا به ، وهو بحاجة
إليه أكثر منهم ، أو كالفلاّح الذي ينتج ثماراً نافعة وكثيرة ويوزعها على الناس
ولا ينتفع منها لنفسه ،وكذا الحال في العلم يبذله لغيره
ولا ينتفع به ، وهذه هي الخسارة الكبيرة واقعاً
، لعدم الاعتبار بما عنده ،
وهكذا الذين
يكتبون في مقالاتهم البليغة أخطاء غيرهم وينصحوهم ولا يعتبرون
بما يصفون.
فهذا الشخص هُوَ بِالْقَوْلِ
مُدِلٌّ ومِنَ الْعَمَلِ مُقِلٌّ -:- بمعنى هو يستعلي على الآخرين بعلمه وقابلياته
على الكتابة ولباقته ، وهو فرحٌ بهذه القدرات والقابليات ، ولكنه لا يعمل ما يقول
أو ما يكتب أو ما
ينصح به غيره (مُقِلٌّ).
فكلامه كثير
وعمله قليل ، والحال أنَّه علينا إذا ألقينا المواعظَ على الناس فلنرى أنفسنا
هل نُطبّق ما
نقوله ونعمل به ، وعلينا الانتباه لذلك ، فلا بُدّ من إيجاد التوازن بين القول والعمل
لفظاً وتطبيقا ، وإلاَّ فسيكون هناك تناقض بين مقدار ما نقول وما نفعل.
ثُمَّ يقولُ :
عليه السلامُ: يُنَافِسُ فِيمَا يَفْنَى ويُسَامِحُ فِيمَا يَبْقَى – :-
ومعنى ما يفنى هو
أمور الدنيا ، وما يبقى هي أمور الآخرة ، ..
إنَّ التنافس مع
الآخرين هو شيء جيد ومطلوب ، وخاصة إذا ما اقترن بهمة عالية وطاقة ووقت ، ولكن لا
ينبغي أن يكون ذلك في السعي لنيل حظوظ الدنيا الفانية ،
بل ينبغي توظيفه
في كسب الآخرة ، لا أن ننشط في مظان الدينا ونكسل في مرام الآخرة.
والمفروض أن
نأخذَ من هذه الدنيا بمقدار الضرورة والحاجة ، ولا نهمل أمور آخرتنا.
وقال: عليه
السلام: يَرَى الْغُنْمَ مَغْرَماً والْغُرْمَ مَغْنَماً -::-
الغُنم هو
الغنيمة ، والغُرم هو الخسارة والضرر ، وهنا فرق بين المفاهيم والمعايير هذه ،
فيختلفُ مفهوم الغنيمة أو الغرامة عند الإنسان المؤمن ، وكذلك يختلفُ أيضاً عند
الإنسان الدنيوي .
فبعض الناس يرى
أنَّ صرفَ الحقوق المالية للآخرين نقصاً وضرراً بحاله ، وما يصرفه في موارد اللهو
واللعب والشهوات المُحرّمة ، وما يكسبه في المعاملات المحرّمة والشبهات يرى ذلك
كلّه مغنماً وغنيمةً.
بينما الغنيمة
الحقيقية أن تصرف الحقوق لأهلها ، وأن تعمل لما سيبقى كما صنع الرسول الأكرم ,
وأهل بيته الأطهار .
وقد وردَ الذم والتوبيخ لبعض الأعراب ممن يتصفون بهذه الصفات السلبية قال تعالى: ((وَمِنَ
الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ
عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ))(98) التوبة.
وأما المؤمنُ
فيكون مصداقاً لقوله تعالى: ((وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ
وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي
رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) (99)التوبة.
وقال ، عليه
السلامُ : - يَخْشَى الْمَوْتَ ولَا يُبَادِرُ الْفَوْتَ –:-
إنَّ الكثيرَ
منّا يخاف من الموت لأنّه سيفوّت عليه أمور الدنيا وأمواله ، وبعضٌ آخر يخشى
الموتَ لأنّه قد قصّرَ في عمره السابق ، ولم يبذله في تحصيل الطاعات والقُربات لله
تعالى.
والشعور بالخوف
من الموت هو أمر جيد عند الإنسان ، ولكن المشكلة في عدم المبادرة والمسارعة لتدارك
ما فاته ، من تحصيل المزيد من الأعمال الصالحة والحسنات.
وكلنا مقصرون في
ذلك ، وعلينا أن نبادرَ ونسارع للطاعات والخيرات ، لأنّنا لا نعلم ما بقي لنا من عمر .
قال - ::يَسْتَعْظِمُ
مِنْ مَعْصِيَةِ غَيْرِه مَا يَسْتَقِلُّ أَكْثَرَ مِنْه مِنْ نَفْسِه - ويَسْتَكْثِرُ
مِنْ طَاعَتِه مَا يَحْقِرُه مِنْ طَاعَةِ غَيْرِه - فَهُوَ عَلَى النَّاسِ طَاعِنٌ
ولِنَفْسِه مُدَاهِنٌ –::
هذه الحالة هي
موجودة عند الكثير , وفيها يرى العملَ الواحد بوجهين ،
ففي جانب معاصي
الآخرين يستعظمها ويراها كبيرة ، ولا يرى لنفسه من ذلك شيئاً ،
بل يستصغر معاصي نفسه ,وفي جانب الطاعات يُعظّم
طاعات نفسه ويُقلل من طاعات الآخرين وقيمتها ، وهذا يظهرُ كثيرا ما مثلاً في تأليف
كتاب فيأخذه العُجبُ فيما كتب ويُصيبه الغرور , ويعتدُ بنفسه ,ولا يتواضع للآخرين
.
بل كلّ همّه
الطعن بغيره ولو لخطأ بسيط ، وينتقص من مشاريع الآخرين ، وينتقدهم ، متناسياً عيوب
نفسه وأخطائه.
وقال :عليه
السلام - :: اللَّهْوُ مَعَ الأَغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْه مِنَ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ
- يَحْكُمُ عَلَى غَيْرِه لِنَفْسِه ولَا يَحْكُمُ
عَلَيْهَا لِغَيْرِه - يُرْشِدُ غَيْرَه ويُغْوِي نَفْسَه - فَهُوَ يُطَاعُ ويَعْصِي
ويَسْتَوْفِي
ولَا يُوفِي -::-
بعض الناس هذا هو
حاله كما وصف أمير المؤمنين ، عليه السلام ، يُقدّمُ اللهو واللعب مع الأغنياء
المترفين وغير الملتزمين لا الأغنياء الصالحين ،على مساعدة الفقراء ، لأنَّ مصلحته
تكون مع المترفين ،.
ثم يقول: عليه
السلامُ ،: ويَسْتَوْفِي ولَا يُوفِي -::- بمعنى أنّه يطالب بحقه من
الآخرين مادياً ومعنوياً ، ولكنه لا يفي بحقوقهم ، .
_______________________________________________
مَضمونُ خطبةِ الجُمعَةِ
الأولى والتي ألقاهَا سَماحةُ الشيخ عبد المهدي الكربلائي ,دَامَ عِزّه, الوكيل الشرعي
للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ العُليا الشَريفةِ في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس
,اليوم – السادس من
جمادى الآخرة ,1439 هجري- الثالث والعشرون من
شباط ,2018م. _______________________________________________
: تدوين وتقرير –
مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشْرَفُ –
- كَتَبْنَا بقَصدِ
القُربَةِ للهِ تعالى , رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ , ونسألَكم الدُعاءَ-
_______________________________________________
0 التعليقات:
إرسال تعليق