" يا زهراءُ "
في كُلّ بسمَلَةٍ تنوحُ الباءُ – فيُردِّدُ القُرآنُ يا زهراءُ
يا كوثراً أبكَيتِ طه والنبأ – ونَعَتْكِ في رحمانه الآلاءُ .
" مولاتُنا الصدِّيقَة فاطمة الزهراء ، عليها السلامُ ، قُدَاسَةُ
النفس والاسم والمَعنى والقيَم والمِنهاج ، ووجوبُ الدّفاع عنها اعتقاداً
وسبيلا "
:: واقعاً نحبُّ أن نكون بخدمتكم بالزهراءِ البتول ، صلوات اللهِ عليها ،
ولعلّ من أهم أسباب ذلك ، هو أنَّ الزهراء في وجودها المُقدّس والمُبارك ، القصير
العمر ، الطويل الأثر ، كانتْ محطّةً للاهتمام بها من قبل أبيها ، صلىّ اللهُ عليه
وآله وسلّم ، وزوجها ، عليه السلام، وبقية الأئمة الأطهار.
:: الزهراء ، عليها السلامُ ، تُمثّلُ في عقديتنا - عقيدة أهل البيت
المعصومين – شيئاً فارداً ومُقدّساً ، بل أنَّ تفسير بعض الآيات القرآنيّة حُمّل
في معناه عليها ، ولعلّ ذلك يظهر في سورة الكوثر ، التي تذكرها مدرسة اهل البيت
بأنّها تتعلّق بالزهراء فاطمة ، عليها السلام.
وفي بعض الحالات يكون للفظ أكثر من معنى ، حينما يُطبّق على أفراده ، فكما
يعني الكوثر نهراً في الجنة ، فكذلك يعني فاطمة ، ومن باب الشيء الباقي والمُستمر
، وخصوصاً إنَّ مناسبة السورة تقتضي ذلك لأنّها جاءتْ ردّاً على مَن اتهمَ النبي
الأكرم بالأبتر ، وأنّه سيموت وتنقطع ذريته ، وعندما يصدح القرآن الكريم بأنَّ
شانئك هو الأبتر ، فهذا يُطابق عمليّا عدم وجود أيّ ذكرٍ أو أثر لمن عيّر الرسول
بذلك ، بل هو الأبتر واقعاً.
والأبتر بخلاف بقاء وجود النبي
الأكرم واستمرار ذكره بوجوداته الكثيرة – وجود الرسالة ، ووجود القرآن ، ووجود
الذرية المباركة للمعصومين ، عليهم السلام ،.
:: إنَّ الوجود المُبارك للقيم التي نادتْ بها السيّدة الزهراء ، يكون
الحديث فيه طويل الذيل وواسعاً ، وفي كلّ فقرة من حياتها الشريفة نحتاج إلى وقفة
وتأمّلٍ .
وما تسبيح الزهراء إلاَّ ويدّلُّ على عمق توحيدها لله تعالى , والذي علّمه
إيّاها النبي ،
بل أهداه إليها .
ولنتأمّل في هل أنَّ الاسم يدلُّ على المعنى أو لا ؟
:: إنَّ الأسماءَ الشخصيّة في وضعها الأوّلي لا تقتضي المناسبة بين الاسم
والمُسمّى ،
بل غالباً ما تكون ارتجالية دون لحاظ حال مُسماها ، فعندما نُسَمّي الوليدَ
بجواد فقد يكون بخيلاً أو نُسمه بكمال وهو
مَجمع للنقائص ، .
ولكن نرى الحالَ يختلفُ مع بعض الأسماء في القرآن الكريم ، والتي تحّدثَ
عنها بكونها قد سُميّتْ من قبل الله تعالى ، كما في قضية النبي زكريا ، عليه
السلام ، وابنه النبي يحيى ، عليه السلام ، حيث قال تعالى:
((يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ
لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ))(7)مريم.
فالله تعالى قد جعل البشارة في الغلام النبي يحيى وباسمه الشريف ، وهنا جنبة
عناية واهتمام تحكي عظمة المُسمّى وقيمته ومعناه .
وكذلك الحال مع اسم مولاتنا الزهراء فاطمة ، صلوات الله وسلامه عليها، فهي
كانت من هذا القبيل في تسميّة أسمائها المقدّسة ، وهذه خصوصية طريقة تستدعي التأمل
والالتفات .
وعندما نـتأمّل وندقق سنرى أنَّ هناك مسألة مهمة جداً ينبغي الوقوف عندها ،
ألا وهي أنَّ الزهراء في كلّ أوصافها لم تكن كحال بقية النساء ، في كلّ قيمها
ومعانيها.
فكانتْ لها عنايةً خاصةً من قبل الأئمة الأطهار ، عليهم السلامُ ، وهي طاقة
فكرية هائلة ، خصوصاً في خطبتها الشهير والمُباركة ، وكيف تكلّمتْ عن مراحل تدرج
النبوة والأثر الطيب الذي تعطيه التكاليف الشرعية.
إنَّ الإنسانَ عندما يعتقد فحريٌّ بالآخر أن يحترمَ هذه العقيدة ، ولا بُدّ
من أن ننتصرَ لعقيدتنا عندما تُمسُّ لا قدّرَ الله سبحانه.
ولا يحقُّ لأحدٍ أن يتجاوز على عقائد الأخرين ، ونحن نرى أنَّ الزهراءَ ،
صلوات اللهِ عليها ، جزءاً من عقيدتنا الحقّة ، فلولاها لما كان لأمير المؤمنين من
كفءٍ من النساء ، فأيّ مسٍّ بها مرفوض.
وقد أساء بعض المُستشرقين ,والمدعو ب (ميل در منغم ) في كتابه : حياة محمد
:.
إلى مقام الزهراء ، عليها السلام ، وذكر أكاذيب وخرافات وأباطيل ونسبها إلى
النبي وآل بيته الأطهار دون دليلٍ أو مستند ، وواقعاً هذا ليس بغريب لأنَّ النبي
الأكرم عندما جاء بالنبوة فلم تكن الأرض مفروشة له بالورود ، بل كان له معارضون ،
ومن أقرب الناس إليه ، ألا وهو أبو لهب عمّه ،- تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ
- ،فلا قيمة لحال أبي لهب في كفره وضلالته ، وتهديده ، وأما هذا المستشرق ، والذي
قد يتأثر به بعض الناس فهو يكذب ويُدلّس ونعوذ بالله من كلامه ، حيث قال:
(قال : كانت فاطمة عابسة دون رقية جمالاً ، ودون زينب ذكاءً ، ولم تدار فاطمة
حينما
أخبرها أبوها من وراء الستر أنَّ عليَّ بن أبي طالب ذكر اسمها ، وكانت فاطمة
تعد
عليّاً دميماً محدوداً مع عظيم شجاعته ، وما كان علي أكثر رغبةً فيها من رغبتها
فيه
مع ذلك ) : الغدير ، العلاّمة الأميني ،ج 3 ، ص16.
فهو يدسّ السمّ في التاريخ ويكذب دون أن يعتمد على مصدر واقعي .
والعلامة الأميني ( رحمه الله ) قد ردّ هذا المُستشرق وفنّد مزاعمه
وأباطيله ,.
إنَّ خصوصيات الزهراء ، عليه السلام ، إنّما نأخذها من أهل البيت الطاهرين
،
ومن تاريخنا ،
فعن عائشة أنّها ( قالت ما رأيتُ أحدا أشبه سمتا وهديا ودلا برسول الله صلى الله عليه
وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قالت وكانت
إذا دخلت على النبي ، صلى الله عليه وسلم، قام إليها وقبلها وأجلسها في مجلسه ، وكان
النبي ، صلى الله عليه وسلم ، إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها)
: فضائل الصحابة : النسائي ، ص78.
وفي المأثور أنّها (في أنها تحدّثت في بطن أمها ،) : بحار الأنوار ، المجلسي ، ج109 ،ص 65.
وفي المأثور أيضاً (ما رأيتُ من الناس أحدا أشبه كلاماً وحديثاً برسول الله
،صلى الله عليه وآله ،من فاطمة .: الأمالي ، الطوسي ، ص400.
:: إنَّ في مسألة الاسم المُبارك لمولاتنا الزهراء علاقة وقيمة ترتبطُ
بقدسيّة شخصيتها المعصومة ، وكُلّ اسمٍ يحكي معنى واقعي فيها ، وما ورد عن الإمام
الصادق ، عليه السلامُ ، في بيان أسمائها دليلاً واضحاً على هذا المعنى القيّم.
ومنها: فاطمة –
الصديقة – الزهراء – الراضية – المرضية – البتول – الطاهرة وغيرها.
وقد روي عن النبي
الأكرم أنّه قال في حقّها:
(وأما ابنتي فاطمة
، فإنّها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، وهي بضعة
مني ، وهو نور عيني
، وهي ثمرة فؤادي ، وهي روحي التي بين جنبي ، وهي الحوراء
الإنسية ، متى قامت
في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهرَ نورها
لملائكة
السماء كما يزهرُ
نورُ الكواكب لأهل الأرض ، ويقول اللهُ عز وجل لملائكته :
يا ملائكتي ، انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي ، قائمةً
بين يدي ترتعدُ فرائصها من
خيفتي ، وقد أقبلتْ
بقلبها على عبادتي ، أشهدكم أني قد أمنتُ شيعتها من النار)
: الأمالي ،
الصدوق ، ص176,
(وفي القوي كالصحيح عن السكوني عن أبي عبد الله- الإمام الصادق - عليه السلام
، قال دخلتُ يوماً على أبي عبد الله ، عليه السلام ، وأنا مغموم مكروب فقال لي:
يا سكوني ما غمك ؟ فقلت ولدت لي ابنة
فقال لي يا سكوني ، على الأرض ثقلها ، وعلى الله رزقها ، تعيش في غير أجلك ، وتأكل
من غير رزقك ، قال : فسري والله عني فقال ما سميتها ؟ قلت فاطمة ، قال آهٍ آهٍ ، ثمَّ
وضع يده على جبهته فقال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : حق الولد على
والده إذا كان ذكرا أن يستفره أمه ويستحسن اسمه ، ويعلمه كتاب الله ويطهره ( أي بالختنة
) ويعلمه السباحة ، وإذا كانت أنثى أن يستفره أمها ويستحسن اسمها ويعلمها سورة النور
، ولا يعلمها سورة يوسف ، ولا ينزلها الغرف ، ويعجل سراحها إلى بيت زوجها ، أما إذا
سميتها فاطمة فلا تسبها ولا تلعنها
ولا تضربها )
: روضة المتقين في شرح مَن لا يحضره الفقيه ، محمد تقي المجلسي الأوّل ، ج8
،ص599.
وهنا ينبغي أن نبتعد عن النفس الجاهلي في تعاطينا مع البنت ، ففي كثير من
صور التربية عندها أنّها لا ترتبط بتراث المعصومين ، عليه السلام ، ولا حتى بعقيدتنا
.
والمشكلة أننّا نجهل ذلك ولا نقرأ ، فهذه الدنيا هي دار فتن وبلاء ،وإنَّ
أمر أهل البيت هو واضح وأبين من الشمس ، وفي هذه الفتن يظهر معدن الإنسان ويُمحص ،
فالمهم أن نعرف الحق ونكون معه ،لأنَّ قلّة المعرفة والتدبر والإيمان تجعل
الإنسانَ يتخبّط ويخرجُ من الحقّ إلى الباطل في الشبهات في هذا الزمان.
________________________________________________
مَضمونُ خطبةِ الجُمعَةِ الأولى والتي ألقاهَا سَماحةُ السيّد أحمد الصافي ,دَامَ عِزّه, الوكيل الشرعي
للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ الشَريفةِ في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس ,اليوم ,
الخامس عشر من جمادى الأولى ,1439 هجري-
الثاني من شباط ,2018م.
________________________________________________
: تدوين – مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشْرَفُ –
- كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ تعالى , رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ
, ونسألَكم الدُعاءَ-
_______________________________________________
0 التعليقات:
إرسال تعليق