
في إيمانه وصبره
مرتضى علي
الحلي
مؤسسة
أحباب الصدّيقة الطاهرة(ع)
النجف
الأشرف
ولِدَ سيدنا العباس×
سنة ست وعشرين من الهجرة, وأمه فاطمة بنت حزام الكلابية، عاش× مع أبيه× أربع عشرة
سنة، وحضر بعض الحروب منها الجمل وصفين والنهروان، فلم يأذن له أبوه بالنزال، ومع
أخيه الحسن، عاش إلى أربع وعشرين سنة، ومع أخيه الحسين× عاش إلى أن بلغ أربعا
وثلاثين سنة.([1])
كان× يُكنى بأبي الفضل،
وكان يُلقّب بالسقّاء،([2])
وتسميته بالسقاء منحه إياها أبوه الإمام علي بن أبي طالب×، في قصة
معروفة وشهيرة في التاريخ؛ هي أنّ أمير المؤمنين علي× كان جالسا في المسجد وحوله
الحسن والحسين والعباس^، إذ عطش الحسين×، فقام العباس× وهو صبي صغير وجاء إلى أمه
أم البنين، فقال أماه إنّ أخي الحسين× عطشان؛ فقامت فاطمة أم البنين1 وملأت الركوة،([3])
ووضعتها على رأس العباس×، فجاء بها إلى المسجد والماء يتصبب على كتفيه، حتى جاء
بها إلى الحسين×، فلما رآه أمير المؤمنين علي×، صاح ولدي عباس، أنت ساقي عطاشى
كربلاء؛ فسُمّي عند ذلك بالسقّاء، وكان لواء([4])
الحسين× معه يوم قُتل.([5])
تزوج سيدنا العباس× من لبابة بنت عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب، فولدت له عبيد
الله والفضل، وكانت امرأة مؤمنة وعاقلة.([6])
وتذكر كتب التأريخ أيضا، أن للعباس× خمسة أولاد وبنت واحدة، هم الفضل، وعبيد الله،
والحسن، والقاسم، ومحمد، وقد انحصر عقب العباس× في ولده عبيد الله، وانحصر عقب
عبيد الله في ولده الحسن.
إنّ الحديث عن العباس×،
يعني الحديث عن شخص عظيم النفس وكبير العقل، وصلب الإيمان وابن معصوم (أي ابن
الإمام علي×)، وأخ لمعصومين هما الحسن والحسين‘، وابن امرأة هي من أشرف نساء العرب
وأعقلهنّ وأكملِهن، اختارها الإمام علي× بدقة وحكمة. ولا بأس بذكر قصة اختيار أم
العباس×؛ لما في ذلك من أثر بليغ تركه ذلك الإختيار، واقعا في كيان العباس× شخصا
وموقفا شريفا مع الإمام الحسين×، خلّده التأريخ في مدونته وأرشيفه. فعن كتاب عمدة
الطالب، أنّ أمير المؤمنين علي× قال لأخيه عقيل، وكان نسّابة عالما بأخبار العرب
وأنسابهم، إبغني([7])
امرأةً قد ولدَتها الفَحولة من العرب؛ لأتزوجها فتلد لي غلاما فارسا، فقال له عقيل
أين أنتَ عن فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية! فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها
ولا أفرس.([8])
فتزوجها أمير المؤمنين×، فولدت له، وأول من ولدت له العباسَ×، وبعده عبد الله
وجعفر وعثمان.([9])
فمن هنا، لا بد لنا من
الولوج إلى كيانية العباس× بواسطة معرفة المعصوم× به، وهي معرفة واقعية وشهادة
فعلية وتقديرية جديرة بالتأسيس عليها؛ لأنّ المعرفة التأريخية لا تنفع صاحبَها، ما
لم تتحول إلى قيمة معاصرة تأخذ بحركتها وسلوكها الإنسانَ المؤمن إلى الصراط الحق.([10])
ففي تعريف وجيز ومهم جداً، أفصح عنه الإمام المعصوم علي بن الحسين×، يتضح لك قداسة
كيانيةِ العباس× وعظمته. فقال×: >رحم الله العباس؛ فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه
بنفسه<. وكانت له× صفات عالية وأفعال جليلة امتاز بها، وكان العباس× هو آخر من
قتل من أخوة الحسين×.([11])
وقال الإمام جعفر الصادق× في حق العباس ×: >كان عمنا العباس بن علي× نافذ
البصيرة صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله× وأبلى بلاءً حسنا ومضى شهيدا<.([12])
وهذان الوصفان الفعليان
اللذان اتصف بهما سيدنا العباس×، وهما نافذية البصيرة وصلابة الإيمان، لهما بحق ما
يُمثّل عماد الشخصية الموقنة في أمر ربها، وهما روحا الإستقامة والتقوى واليقين في
ذاته×، فلو لم يكن العباس × بهذه الدرجة من الرفعة التقوائية قلباً وعقلا وفكرا
وسلوكا، لما استحق وصفَ المعصوم الإمام الصادق× له بذلك.
والعباس× بسلوكه
وتعاطيه مع الإمام الحسين× وأخته زينب÷ في يوم عاشوراء، قدّم شاهداً تاريخياً صعبا
في رآئعة التآخي الدموي والإيماني بين بني الإنسان خاصة وعامة. إنّ العباس× على وفق
معطيات النصوص الشريفة وشهادات المعصومين^، كان بحق إنسانا بلغ من الكمال درجةً
تُصنّف بقيمتها بعد المعصوم×.
ثم قال الإمام جعفر
الصادق×: >رحم الله العباس؛ فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قُطعت يداه،
فأبدله الله عز وجل بهما جناحين يطير بهما في الجنة، كما جعل لجعفر ابن أبي طالب×،
وإنّ للعباس× عند الله تبارك وتعالى منزلةً عظيمة يغبطه بها جميع الشهداء يوم
القيامة<.([13])
فهذه المنزلة للعباس×، التي بحيث يغبطه بها جميع الشهداء (أي يتمنونها لهم مع
تمنيهم ببقائها له×)، هي الأخرى تكشف عظمة العباس× وقداسته عند الله تعالى. وليس هذا
ضرباً من الباطنية أو الغلو،([14])
بل هو شهادة معصوم× ومنصوب من قبل الله تعالى، كإمامٍ حجة على البشر بقوله وفعله،
أعني الإمام جعفر الصادق×، والذي يعترف به المؤالف والمخالف، فهذا الذي تقدّم هو
شهادة حقة من ألسنة المعصومين^.
سيدنا
العباس× في يوم عاشوراء رامز الوفاء والفداء
كثيرٌ هو العطاء من لدن
أبي الفضل العباس× في نصرة الدين وإمامه الحسين×، ففي يوم عاشوراء قال العباس×
لأخوته من أمه، عبد الله وجعفر وعثمان: يا بني أمي، تقدموا حتى أُرزأ بكم (لأحتسبكم)
فإنه لا ولد لكم، فقُتلوا دون الحسين× فداءً للدين وحقانيته.([15])
وفي موقف آخر، يسجل
العباس× رائعة أخرى وبخاصة في وغى الحرب وساعة المحنة العصيبة، وإليك الموقف، فقد روى
أبو مخنف، أنه لما كاتب عمرُ بن سعد عبيدَ الله بن زياد في أمر الحسين×، وكتب إليه
على يدي شمر بن ذي الجوشن بمنازلة الحسين×، ونزوله أو بعزله وتولية شمراً العمل. قام
عبد الله بن أبي المحل بن حزام بن خالد بن ربيعة بن عامر الوحيد، وكانت عمته أم
البنين، فطلب من عبيد الله بن زياد كتابا بأمان العباس وأخوته، وقام معه شمر في
ذلك، فكتب أمانا وأعطاه لعبد الله بن أبي المحل، فبعثه إلى العباس× وأخوته مع مولى
له، يقال له: كزمان، فأتى به إليهم (أي للعباس وأخوته)، فلما قرأوه: قالوا له،
أبلغ خالنا السلام، وقل له أن لا حاجة لنا في الأمان، أمان الله خيرٌ من أمان ابن مرجانة،
فرجع، قال، ووقف شمر في اليوم العاشر ناحية، فنادى: أين بنو أختنا؟ أين العباس وأخوته؟
فلم يجبه أحد، فقال لهم الحسين×: أجيبوه ولو كان فاسقا، فقام إليه العباس× فقال:
ما تريد؟ قال شمر: أنتم آمنون يا بني أختنا، فقال له العباس×: >لعنك الله ولعن
أمانك، لئن كنت خالَنا أتؤمنا وابن رسول الله لا أمان له، وتكلّم إخوته بنحو كلامه
ورجعوا<.([16])
وروى أبو مخنف أيضا
وغيره، أنّ عمر بن سعد نادى في اليوم التاسع: يا خيل الله اركبي، وأبشري بالجنة،
فركب الناس وزحفوا وذلك بعد صلاة العصر، والحسين× جالس أمام بيته مُحتبيا([17])
بسيفه وقد خفق على ركبتيه، فسمعت زينب÷ الصيحة فدنت منه×، وقالت أما تسمع الأصوات
يا أخي قد اقتربت! فرفع الحسين× رأسه وأخبرها برؤيا رسول الله’، فلطمت زينبها
وجهها، وقالت÷: يا ويلتاه! فقال لها×: ليس الويل لك أخيّة، أسكتي رحمك الرحمن. ثم
قال العباس× له: يا أخي، قد أتاك القوم، فنهض×،
ثم قال الحسين×: يا
عباس أركب، بنفسي أنتَ حتى تلقاهم، فتقول لهم: ما لكم؟ وتسألَهم عما جاء بهم، فأتاهم
العباس× في نحو عشرين فارسا فيهم زهير وحبيب، فقال لهم×: ما لكم وما بدا لكم وما
تريدون؟ فقالوا: جاء أمر عبيد الله أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلَكم،
قال العباس×: فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله الحسين× فأعرض عليه ما ذكرتم،
فوقفوا ثم قالوا: القِه فأعلِمه ذلك، ثم أعلمنا بما يقول، فانصرف العباس يركض فرسه
إلى الحسين× يخبره، ووقف أصحابه يخاطبون القوم، حتى أقبل العباس يركض فرسه فانتهى إليهم،
فقال: يا هؤلاء، إن أبا عبد الله يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية، حتى ينظر في هذا
الأمر، فإن هذا أمر لم يجر بينكم وبينه فيه منطق، فإذا أصبحنا التقينا، فإما
رضيناه فأتينا بالأمر الذي تسألونه وتسومونه، أو كرهنا فرددناه، قال: وإنما أراد
بذلك أن يردهم عن الحسين تلك العشية، حتى يأمر بأمره ويوصي أهله. وقد كان الحسين×،
قال له: يا أخي، إن استطعت أن تؤخّرهم إلى غَدوة، وتدفعهم عنا لعلنا نصلي لربنا
الليلة وندعوه ونستغفره؛ فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة
الدعاء والإستغفار. فقال لهم العباس ما قال، فقال عمر بن سعد: ما ترى يا شمر؟
فقال: ما ترى أنت، أنت الأمير والرأي رأيك، فقال ابن سعد: قد أردت أن لا أكون ذا
رأي. ثم أقبل على الناس، فقال: ماذا ترون؟ فقال عمرو بن الحجاج، سبحان الله! والله
لو كانوا من الديلم([18])
ثم سألوك هذه المنزلة، لكان ينبغي لك أن تجيبهم إليها. وقال قيس بن الأشعث: لا
تجبهم إلى ما سألوك، فلعمري ليصبحنك بالقتال غدوة. فقال ابن سعد: والله لم أعلم أن
يفعلوا ما أخرتهم العشية، ثم أمر رجلا أن يدنوا من الحسين×، بحيث يسمع الصوت،
فينادي: إنا قد أجلناكم إلى غدٍ، فإن استسلمتم سرحنا بكم إلى الأمير، وإن أبيتم
فلسنا تاركيكم.([19])
وهذا النص يكشف عمق
الإعتماد والتعالق الإيماني والأخوي بين الحسين والعباس‘، فالعباس سفير الحسين×
إلى القوم وفارسه المكين،([20])
وهنا نرى ان العباس× إنسان مطيع لإمامه الحسين وهو أخ وفي له بحق. وهذا هو الدرس المُمنهج
من العباس× إذ أنه يتصرف بإمرة الحسين× وينفّذ توجيهاته ويحامي عن شخص المعصوم×
والذي يجب شرعاً الدفاع عنه.
أما موقفه الذاتي× مع
الحسين× ونهضته، فلا يمكن للتاريخ نكرانه، فهو أشهر من نار على علم (جبل). فإن
التاريخ يروي أنّ العباس× لما رأى وحدة أخيه الحسين×، أتى أخاه الحسين×، وقال: يا
أخي هل من رخصة؟ فبكى الحسين× بكاءً شديدا، ثم قال: يا أخي أنت صاحب لوائي وإذا
مضيت تفرّق عسكري، فقال العباس×: لقد ضاق صدري وسئمت من الحياة، وأريدُ أن أطلب
بثأري من هؤلاء المنافقين، فقال الحسين ×: إذاً فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من
الماء، فذهب العباس× ووعظهم وحذرهم، فلم ينفعهم فرجع إلى أخيه فأخبره، فسمع
الأطفال ينادون: العطش العطش، فركب× فرسه وأخذ رمحه والقربة وقصد نحو الفرات، فأحاط
به أربعة آلاف ممن كانوا موكّلين بالفرات، ورمَوه بالنبال فكشفهم عنه، وقتل منهم
على ما روي ثمانين رجلا حتى دخل الماء، فلما أراد أن يشرب غُرفة من الماء، ذكر عطش
الحسين× وأهل بيته، فرمى الماء، وأنشد:
يا نفسُ من بعد
الحسين هوني
|
وبعده لا
كنـــــــــــــــت أن تكوني
|
هذا الحسين واردَ
المنــــــــــــــــونِ
|
وتشربين باردَ
المعيـــــــــــــــــــــــــــنِ
|
فهذا سلوك ينمّ عن
الإيثار والتضحية والصبر والمواساة لأخيه الحسين× وأهل بيته في عطشهم، فملأ القربة
وحملها على كتفه الأيمن، وتوجه نحو الخيمة، فقطعوا عليه الطريق وأحاطوا به من كل
جانب، فحاربهم وأنشد:
لا أرهب الموت إذا الموت زقا([21])
|
حتى أوارى في
المصاليـــت لقا([22])
|
إني أنا العــباس
أغدو بالسقــــــــــــــــــا
|
ولا أهـــــــــاب
الموت يوم الملتقى
|
حتى ضربه نوفل الأزرق
على يده اليمنى فقطعها، فحمل القربة على كتفه الأيسر، فضربه نوفل فقطع يده اليسرى
من الزند، فحمل القربة بأسنانه، فجاءه سهم فأصاب القربة وأريق ماؤها، ثم جاءه سهم
آخر فأصاب صدره، فانقلب عن فرسه وصاح إلى أخيه الحسين، أدركني، فانقض عليه أبو عبد
الله كالصقر، فرآه مقطوع اليمين واليسار مرضوخ([23])
الجبين، مشكوك العين بسهم، مرتثا([24])
بالجراحة، فوقف عليه منحنيا، وجلس عند رأسه يبكي حتى فاضت نفسه، فقال الحسين×: الآن
انكسر ظهري وقلّت حيلتي،([25])
ثم حمل على القوم، فجعل يضرب فيهم يميناً وشمالا، فيفرون من بين يديه كما تفر
المعزى إذا شد فيها الذئب، وهو يقول: أين تفرون وقد قتلتم أخي! أين تفرون وقد فتتم
عضدي! ثم عاد إلى موقفه منفرداً. وكان العباس× آخر من قتل من المحاربين لأعداء
الحسين×. ولم يُقتل بعده إلا الغلمان الصغار، من آل أبي طالب، الذين لم يحملوا
السلاح.([26])
وهذا الموقف العملاق
بهدفيته، الذي أركزه العباس× في أرض كربلاء، لا يمكن المرور عليه جزافا، دونما أن نسجل
وعيا جديدا به،([27])
وقد اختزله العباس× في كربلاء وحفظه التاريخ لنا، منجزا قيميا ساريا بمفرداته في
مناحي الحياة.
وأخيراً ختم العباس×
حياته بالشهادة في سبيل الله تعالى؛ دفاعا عن الإمام الحسين وعياله. فسلام على
العباس يوم ولد ويوم قضى شهيدا ويوم يبعث حيا.
([4]) واللواء هو العلم
الأكبر، وهو ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه، قال له لواء لأنه يُلوى لكبره فلا
ينشر إلا عند الحاجة، وهو عَلَمٌ ضخمٌ وعلامة لمحل أمير الجيش، يدور معه حيث دار.(
أما الراية فهي عَلَمٌ، يعطى للجيش يعقد في الرمح، أو السارية ويترك حتى تصفقه
الرياح. ومن أجل أهميته؛ قال الحسين× للعباس×: >يا أخي أنت صاحب لوائي؛ وإذا
مضيت تفرّق عسكري<.
([8]) أي أكثر فروسيةً، أو فِراسةً وهي
الحالة العقلية والروحية للإنسان المؤمن، يعرف بها الآخرين وحقيقة التعامل معهم. والفِراسة نور يقذفه
الله في
قلب عبده
المؤمن الملتزم سنة نبيه’، يكشف له بعض ما خفي على غيره، مستدلاً عليه بظاهر الأمر
فيُسدد في
رأيه،
يفرق بهذه↔ الفراسة بين الحق
والباطل والصادق والكاذب، من دون أن يستغني بذلك عن الشرع. وإذا ما اجتمع بالمرء الأمران
الفِراسة والفَراسة فهذا نور على نور، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، بصيرة في القلب، وقوة في
البدن
لمنازلة
أعداء الله في الجهاد. وقد يكون مصداقها وصف الإمام
الصادق×، العباسَ×، بأنه >نافذ البصيرة<.
([14]) الباطنية مصطلح عام -نسبة إلى الباطن المقابل للظاهر- يطلق
على الكثير من الفرق الإسلامية وغير الإسلامية، التي لم تقف في قضية (التأويل)
عند حدود
الاعتدال، وإنما ذهبت فيها مذاهب الغلو والإعمام والإطلاق، لكن الباطنية قد
تميزوا عن الفرق المعتدلة في الموقف من التأويل، عندما لم يجعلوه ضرورةً واستثناء،
وإنما جعلوه القاعدة الأصل ذات العموم والإطلاق. فلقد رأوا أن لكل ظاهر باطناً، ولكل تنزيل
تأويلاً، ومن ثم فإنهم لا يقفون عند الظاهر -أي
ظاهر- إلا ليتجاوزوه إلى الباطن، ولا يقفون عند التنزيل -كل التنزيل- إلا
ليتجاوزوه إلى التأويل! وهم يعممون ذلك في العقائد والعبادات والمعاملات، وفي
الثوابت والمتغيرات... في أخبار عالم الغيب وعالم الشهادة، فضلاً عن الإغراق
والمغالاة فيما أدّعوه أسراراً
ورموزاً
للحروف والأعداد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق