التأنث
والتذكّر
في
زمن
الإنتظار
الظواهر
والعلاج
في
قراءةٍ فقهيةٍ وأخلاقية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرتضى
علي الحلي
مؤسسة
أحباب الصدّيقة الطاهرة(ع)
النجف
الأشرف
بسم
الله الرحمن الرحيم
والصلاة
والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
1- ظاهرة التأنّث
والتذكّر
إستناداً إلى قوله
تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا
بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا
لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: 11]. وانطلاقا من ضرورة الإصلاح الفردي
والمجتمعي والتمهيد لهما، وضرورة التنمية البشرية الصالحة التي تصبّ في نتيجتها
الحتمية في صلاحنا وصالحنا، وفي تعجيل فرج إمامنا المهدي× الذي سينشر الإصلاح القيَمي
عالميا وبصورة مطلقة. وهو× قد تفضّل بالدعاء للشباب والنساء خاصة في زمن الغيبة، فقال×:
>اللهم ارزقنا توفيقَ
الطاعة، وبُعد المعصية، وصدق النية، وعرفان الحرمة، وأكرمنا بالهدى والإستقامة، وسدّد
ألسنتنا بالصواب والحكمة، واملأ قلوبنا بالعلم والمعرفة، وطهّر بطوننا من الحرام والشبهة،
واكفف أيدينا عن الظلم والسرقة،
واغضض أبصارنا عن الفجور والخيانة، واسدد أسماعنا عن اللغو والغيبة، وتفضّل على علمائنا
بالزهد والنصيحة، وعلى المتعلّمين بالجُهد والرغبة، وعلى المستمعين بالإتّباع والموعظة،
وعلى مرضى المسلمين بالشفاء والراحة، وعلى موتاهم بالرأفة والرحمة، وعلى مشائخنا بالوقار
والسكينة، وعلى الشباب بالإنابة والتوبة، وعلى النساء بالحياء والعفة<.([1])
ومن هنا سنبحث في ظاهرة
شاذّة في واقعها وأثرها على الفرد والمجتمع المسلم، بل حتى غيرِ المسلم، تتعلق
بتشبّه الذكور بالإناث وتشبه الإناث بالذكور! في زمننا هذا زمن الغيبة الكبرى، فمن
المفروض على الشاب أو الشابة أن يلتفت كل منهما إلى وظيفته ودورِه الحيوي([2])
دينيا واجتماعيا وعلميا وفكريا بدلا من أن يستهلك طاقاتِه ويُبددَها في التشبث
بظواهر وسلوكيات منحرفة أخلاقيا؛ والتي ستضرّ به في عواقبها السيئة يقيناً.
فنقول، منذُ أن خلق
الله تعالى البشر صنّفهم إلى صنفين: ذكرٍ وأنثى، إلاّ ما شذّ عن الطبيعة الخَلقية
كالمُخَنّث ([3])
ولادياً -وهذا خارج عن البحث- فقال تعالى حكايةً عن انحفاظ هوية كل صنف من البشر
تكوينيا ووجوديا {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ
وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، {وَلَيْسَ
الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36].
وعلى الأصل الطبيعي
للخلقة البشرية بصنفيها الذكري والأنثوي، سارت الحركة البشرية حياتيا في تلبية
حاجاتها الوجودية عامة وخاصة. ولكن حينما يتخذ هذا الأصل الطبيعي منحى آخر باتجاه مقاربة
الهوية الأخرى وسِماتها؛ فمن حقنا أن نتساءل! لماذا يحصل هذا الميل إلى الصنف
الآخر؟ ولماذا يُحاول أحد الصنفين التخلي عن الهوية الطبيعية الأصلية له بشريا؟.
للعلم أنّ ظاهرة
التأنّث والتذكّر هي ظاهرة تأريخية ضاربة في أعماق الماضي السحيق، إلاّ أنها بقيت
تلوح في الأفق في زمننا هذا زمنِ الغيبة الكبرى سلوكاً ومنهجاً، وشُرعت تُستغل حتى
طبيّا([4])
بحجة الرغبة الواقعية المُؤكّدة عند الأفراد في التحول إلى الصنف الذي يرغبون به
وجوديا. ولكن هذا لن يحصل من دون أن يترك آثاره الخطيرة على المجتمع البشري دينياً
وأخلاقيا؛ ولذا فقد تصدّى المُشرّع الإسلامي لهذه الظاهرة منذ الصدر الأول للإسلام،
حيثُ تم رصد الظاهرة وتحديد العلاج لها بعد بيان الحكم الشرعي لموضوعها.
وقبل أن نبيّن حكم الشارع
الإسلامي لهذا الظاهرة سنوضّح صورة التأنّث والتذكّر بشريا، بحسب ما جاء في متون
الروايات في هذا الباب، والتي هي موجودة فعليا في وقتنا هذا وقتِ الغيبة الكبرى،
وقد تكون هي من علامات آخر الزمان، وهي على النحو الآتي: فإن هذه الظاهرة - ظاهرة
تأنّث الذكَر- تارة تتحقق في الإعتناء بوجهه ليشبه ملامح المرأة، وتليين سلوكه وترقيقِ
كلامه برقّة صوت المرأة، وتكسّر أعضائه (يديه وحتى رجليه) أي تحريكها بمثل ما تقوم
به المرأة بحكم طبيعتها الأنثوية، أو بتضخيم الصدر (Breast Augmentation) بفعل التزريق([5])
الصناعي المعروف طبيا، أو بلبس ما تلبسه المرأة، وهذا خاضع للظرف والوقت الذي تحصل
فيه الظاهرة بحكم العرف العقلائي والمجتمعي في تحديده للباس الرجل أو المرأة.
ويتحقق التأنّث أيضا
بصبغ الشعر بمثل ما تفعله النساء -لا بما يفعله الرجل من صبغ رأسه بالحنّاء أو
الصبغ الرقيق إخفاءً للشيب- أو بوضع المكياج (مساحيق التجميل) على الوجه بتحمير
الخد والشفتين، وتزجيج الحاجبين (أي تدقيقهما بحذف زوائد الشعر) كل ذلك بصورة ما
تفعله النساء وطرقهن، فصور التأنّث كثيرة ولكن هذه هي المشهورة.
أما ظاهرة تذكّر الأنثى
-أي تشبهها بالذكر- فقد تبدو واضحة في صورة لبسها لباسَ الرجل عرفا، أو قد تتجلى
ظاهرة التذكّر للأنثى في سلوكها الرجولي الخشن من حيث الأفعال، والميل النفسي
والوجداني الى الإسترجال في هويتها الأنثوية. وللسيد الخوئي(قده) رأيه في طبيعة هذه
الظاهرة، وهو قوله: >ويكون المراد من تشبه كل منهما بالآخر -أي الذكر والأنثى- هو
تأنّث الرجل باللواط وتذكّر المرأة بالسحق، وهو الظاهر من لفظ التشبه<.([6])
ورأي السيد الخوئي(قده) هذا إنما هو في باب (الحرمة التكليفية)،([7])
وباعتبار أنّ هذه الصورة الشاذة هي أبشع صور التشبه وأفظعها أخلاقيا وفطريا، أما
باقي صور التشبه عنده فتدخل تحت عنوان (الكراهة الشديدة) شرعيا.
وبعد بيان حقيقة
الموضوع، نبيّن الآن حكم هذه الظاهرة البشرية الشاذة، فنقول: إنّ المتسالم
والمتّفق عليه هو حرمة تشبّه الرجل بالمرأة، وحرمة تشبه المرأة بالرجل، سواء على
مستوى الحرمة الإلزامية أو الحرمة الكراهتية. وللتشديد على هذه الحرمة ورد اللعن
لمن يتلبّس بذلك فعلا، ففي كتاب علل الشرائع: >أنّ عليّا× رأى رجلاً به تأنيث
في مسجد رسول الله’؛ فقال×: لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من
النساء بالرجال<،([8])
وهذا الحديث فيه تشخيص لظاهرة التأنّث من الرجال على مستوى السلوك والفعل
الظاهري بصورة تقليد ما تفعله النساء بطبيعتها البشرية في أصل الخلقة.
وفي مجمع البيان عن أبي
اُمامة، عن النبي محمد’ أنه قال: >أربع لعنهم الله من فوق عرشه وأمّنت([9])
عليه الملائكة... الرجل يتشبه بالنساء وقد خلقه الله ذكراً، والمرأة تتشبه بالرجال
وقد خلقها الله أنثى<.([10])
و هنا لا أريدُ أن أُحشّد الفتاوى الفقهية بخصوص المنع من التشبه وحرمته شرعاً،
بقدر ما أُريد رصدَ الظاهرة اليوم في مجتمعنا المسلم، وبيان أسبابها وتفاصيلها
فقهياً ومحاولة معالجتها أخلاقيا، فالمعروف اجتماعيا وحتى نفسياً أنّ لكل ظاهرة
سبب وعلاج، وإن كان آخرُ العلاج الكي. ومن أهم أسباب هذه الظاهرة الشاذة ما يأتي:
1- غياب الوعي الديني أو
ضعفه لدى الأفراد الذين يشذّون في سلوكهم هذا، وابتعادهم عن منهج الحق والأخلاق
المتمثل بالمعصومين^ ومنهم الإمام المهدي× الذي هو إمام الوقت والإنسان. ففي حال
حصول فراغ روحي ومعنوي عند الشباب والشابات، وعدم توجّههم لتكليفهم العقدي والشرعي
وبخاصة الإعتقاد بعقيدة الإمام المهدي× في زمننا هذا، وضرورة انتظاره الواعي
والعمل على الإلتزام الأخلاقي والعبادي في هذه الحياة، لا أقل من وظيفة نقدر عليها
بحسب الإمكان العملي،([11])
سيحصل انشقاق وتمرد على القيم الدينية والأخلاقية، ومن ثم ينحرف الشباب ذكورا
وإناثا، ونخسر قوة كبيرة قد تكون من القوى المُمهِدة للإمام المهدي× فيما لو
تربَّت على القيم والأخلاق والدين والحياء والعفة.
2- الشعور بالنقص النفسي
والقيمي في الهوية الشخصية للفرد، لا سيما مع التأثر بالحملات الإعلامية الغربية
المتواصلة التي تدعو إلى المساواة الكاملة بين الجنسين، والتي تصطدم بالشرع
الإسلامي المُطّهر ثم بالواقع؛ مما يدعو بعض الفتية والفتيات الذين خُدِعوا
بشعارات المساواة المزعومة إلى التشبّه بالآخر لسد هذا النقص بزعمهم.([12])
3- إنّ بعض السلوكيات غير
الصحيحة عند بعض المسلمين، من المبالغة في تفضيل الذكر على الأنثى تفضيلاً مجرداً،
قد يوجِد هذا النقص لدى بعض الإناث فيلجئن إلى التشبّه بالذكور. أو بالعكس أي في
حال تفضيل الأنثى على الذكر قد ينخلق الميل الوجداني والنفسي وحتى السلوكي لدى
الذكور فيلجئوا أيضا إلى التشبه بالإناث.
4- التنشئة البيتية الخاطئة تربويا،
فبعض الناس قد يُرزق بعدد كبير من الأبناء الذكور وبنت واحدة، فتنشأ هذه البنت مع
إخوتها الذكور، وتشاركهم في لعبهم وحديثهم وسائر شؤونهم سنوات عدة، فيؤثر ذلك في
شخصيتها، ويجعلها تميل إلى بعض الصفات الذكورية، وهذا يحدث أيضاً للذكر مع الإناث بحكم
قانون التأثير والتأثر العام.
5- التقليد الأعمى واتباع
الثقافة الأخرى والحداثة دونما أن يكون هنالك وعي ونقد للذي يُريدون اتباعه، فبعض
الفتيات تقلّد غيرها بلا تفكير، فإذا رأت غيرها من الفتيات يفعلنَ شيئاً طبّقت ذلك
ولو كان هذا الفعل خاطئاً، وهذا ناتج عن ضعف الشخصية. وكذلك حال الشباب أيضا.
إذن، فظاهرة التنصّل
السلوكي والنفسي من واقع الهوية البشرية بصنفيها الذكري والأنثوي، إنما تتأتى بفعل
عوامل ذاتية تكمن في شخصية الفرد، وعوامل خارجية تضغط هي الأخرى باتجاه صيرورة
الذكر أنثى والأنثى ذكرا، على نحو ما هو واضح في ما تقوم به المؤسسات الإعلامية
الهابطة أخلاقيا وسلوكيا في الترويج لهذه الظاهرة السيئة والهابطة قيميا، وهذا هو
ما موجود حاليا في بلاد الغرب حتى راحوا يُقنّنون([13])
في حرياتهم المزعومة حريةَ التجنس بشريا، فضلا عن إقرارهم الزواج المِثلي([14])
الذي يخرج عن حد الفطرة البشرية في وضعه الرذيل.
ومن الممكن بيان نقاط
مهمة موجزة لمعالجة هذه الظاهرة الشاذة، هي:
أولاً: أن يفهم كل
شاب أو شابة أنَّ خلق الزوجين الذكر والأنثى هو أمر تكويني طبيعي من الله تعالى لا
بد منه، ولا تستقيم الحياة من دونه. وأن لكل واحد من الجنسين وظيفته البشرية التي
لا يمكن لآخر أن يقوم بها. كما عبّر القرآن الكريم عن ذلك بقوله تعالى {وَلَيْسَ
الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36].
ثانياً: أن تدرك كل
الفتيات المسلمات أنّ الله عز وجل قد أكرمهن بالإسلام، وحفظ لهُنَّ كرامتهن
وحقوقهن سواء كُنَّ بنتاً، أو أختاً، أو أماً، أو زوجةً أكثر من أي نظامٍ آخر
ودين آخر، فلا يوجد جزاء قانوني عادل بمثل ما أوجده الإسلام العزيز في إقامة الحد
ومعاقبة الجاني المعتدي جنسيا على الجنس الآخر، ووضع عقابا صارما كالقتل في حال
اللواط([15])
-والعياذ بالله- أو الرجم بالحجارة حتى الموت وأمام الناس في حال ممارسة الزنا
بالنسبة للمتزوج. أو الجلد بالنسبة لغير المتزوج.
ثالثاً: ليعلم الجميع أنّ الله
تعالى وإن حفظ حق القوامة للرجال على النساء، إلاّ أنَّ بعض أفراد النساء قد
يَكُنّ أفضل من بعض أفراد الرجال ولذا جاء التعبير القرآني بقوله تعالى {الرِّجَالُ
قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ
وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ
لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34] أي: الرجال قوَّامون([16])
على توجيه النساء ورعايتهن, بما خصهم الله به من خصائص الرعاية والتفضيل والقدرة
البدنية، وبما أعطوهن من المهور والنفقات.
فالصالحات المستقيمات على
شرع الله منهن, مطيعات لله تعالى ولأزواجهن, حافظات لكل ما غاب عن علم أزواجهن بما
اؤتمنَّ عليه بحفظ الله وتوفيقه, وهنا يأتي المعيار القرآني في التفاضل وفق وقيمة
العمل الصالح والتقوى وملاكهما لا وفق خصائص الجنس والصنف البشري؛ ولذا لم يقل
الله تعالى هنا في هذا النص نصِ التفضيل: (بما فضّل الله الرجال على النساء)، بل
الأصل هو: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ
اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
رابعاً: يجب أن يكون
للفتاة المسلمة شخصيتها المعنوية والأنثوية والأخلاقية المتميزة، فيجب عليها أن لا
ترضى بالتقليد الباطل للظواهر السلبية مجتمعيا ودينيا، بل عليها أن تسعى للسير على
الصراط المستقيم صراطِ الخير والصلاح؛ لتنال الأجر العظيم من الله سبحانه، وكذلك
الشاب المسلم هو الآخر مُطالبٌ بتربية نفسه معنويا وأخلاقيا ودينيا.
خامساً: يجب على الوالدين
والأسرة أن يتنبّهوا على تربية أولادهم، وأن يراعوا الفوارق الجنسية بينهم، فلكل
جنس منهم (ذكر أو أنثى) تربيته اللائقة به. وقد أكّدَ القرآن الكريم هذه المَهمة
الصعبة مهمة تربية النفس والأهلين، حيث قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ
وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، أي: يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله
وعملوا بشرعه, احفظوا أنفسكم بفعل ما أمركم الله به وتركِ ما نهاكم عنه, واحفظوا أهليكم
بما تحفظون به أنفسكم من نار وقودها الناس والحجارة, يقوم على تعذيب أهلِها ملائكة
أقوياء قساة في معاملاتهم لا يخالفون الله في أمره وينفّذون ما يؤمرون به.
سادساً: الإقتداء بهدي أحاديث
النبي الأكرم’ والأئمة المعصومين^ في التربية والتعليم، منها:
1- قال النبي’: >أحبّوا
الصبيان وارحموهم<.([17])
2- قال النبي’: >حق
الولدِ على والده إذا كان ذكراً... يستحسن اسمه، ويعلّمه كتاب الله، ويطهّره،
ويعلمه السباحة. وإذا كانت أنثى... يستحسن اسمها، ويعلمها سورةَ النور، ولا يعلمها
سورة يوسف... ويعجّل سراحها إلى بيت زوجها<.([18])
3- قال الإمام علي: >عَلِّمُوا
صِبْيَانَكم من عِلْمِنَا ما يَنفَعُهم الله بِه لا تغلبُ عَلَيهم المرجِئة برأيها<.([19])
4- قال الإمام أبو عبد
الله×: >إن خير ما ورّث الآباء لأبنائهم الأدبَ لا المال، فإن المال يذهب
والأدب يبقى<. والأدب العلم.([20])
سابعاً: العمل على تحقيق
العدالة بين الأولاد ذكوراً وإناثاً؛ فيجب المساواة بينهم في المعاملة والعاطفة على
ما جاء في الحديث : >إتقوا الله واعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يبروكم<.([21])
والقرآن الكريم أيضا قد
تصدى لهذه الظاهرة الشاذة منذُ ظهورها الأول، كما في حال قوم النبي لوط× في صورة
التشبّه، فقال الله تعالى {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ
النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [الأعراف: 81]، أي: إنكم لتأتون الذكور
في أدبارهم شهوةً منكم لذلك, غيرَ مبالين بقبح هذا السلوك الشاذ تاركين الذي أحلَّه
الله لكم من نسائكم، بل أنتم قوم (مسرفون) متجاوزون لحدود الله في الإسراف. إنّ إتيان
الذكور دون الإناث من الفواحش التي ابتدعها قوم النبي لوط×, ولم يسبقهم بها أحد من
الخلق.
فالحل والعلاج لهذه
الظاهرة هو الرجوع إلى الأصل الطبيعي في الخلقة، والإحتفاظ بالهوية الصنفية، وفي
حال تحقق ظهور الحاجة إلى الآخر فقد خلق الله تعالى ما يسد هذه الحاجة طبيعيا
وهنَّ النساء للرجال والعكس أيضاً وبصورة شرعية، وفي ديننا الإسلامي العزيز قد تم
إعطاء الرجل حق التزويج بأربع من النساء مع حفظ شرط العدالة بينهن.
فالآية هذه قد بيّنت
سبب هذه الظاهرة الشاذة في أبشع صورها، وهو اتباع الشهوات النفسية والجسمية دونما
أن يكون لها تهذيب أخلاقي وفطري سليم، فإن الإسراف في إشباع هذه الشهوات البشرية
قد لا ينتهي إلى حد معين لو اُطلِقَ لها العنان.
وأيضا إنّ هذا النص
الشريف يحمل في متنه دعوة إلى تهذيب الشهوات وعقلنتها، لا أن تُترك الناس في إشباع
حاجاتها كالبهائم التي لا تتقيّد بقانون الحلال والحرام والأخلاق، وضرورة الركون
إلى الوضع الطبيعي لإشباع الحاجة الجنسية فلا إفراط ولا تفريط.
وفي آية أخرى قال تعالى
رصدا وتبيانا لهذه الظاهرة الشاذة {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً
مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [النمل: 55]، أي: أإنّكم
لتأتون الرجال في أدبارهم للشهوة عوضًا عن النساء؟! بل أنتم قوم تجهلون حقَّ الله عليكم,
فخالفتم بذلك أمره وعَصَيْتُم رسوله بفعلتكم القبيحة التي لم يسبقكم بها أحد من العالمين.
وهنا يتبينّ جليا أنّ عامل الجهل البسيط (أي الذي من الممكن أن يرتفع بتنبيه صاحبه
عليه)، والجهل المركّب (أي الذي يجهل صاحبه أنه هو جاهل فيما يقوم به) هما السبب
الرئيس في تكوّن الذكر أنثى والأنثى ذكرا وصيرورتهما إلى ذلك، فضلاً عن الذي تقدم
في بيان الآية السابقة آنفاً.
وهنا يمكن معالجة هذه
الظاهرة الشاذة من خلال بث التوعية والعلم والأخلاق، أو بتقنين عقوبات جزائية
للمتشبّهين من الصنفين ردعا لهم وتأديبا.([22])
ومن الممكن أيضا القضاء
على هذه الظاهرة بتخفيف متطلبات الزواج من عند الصنف الأخر، فكلما كان الزواج
بصورته الطبيعية والشرعية سهلا مرنا خفّ وقلّ خطرُ هذه الظاهرة؛ لأنّ الفرد
الإنساني منذ أن خلقه الله تعالى والى يوم القيامة هو يعيش ثنائية الجدل والصراع
بين العقل والشهوة، ففي حال تعسّر قضاء حاجته بالصورة الطبيعية والشرعية، تنخلق في
نفسه عوامل البحث عن سبل غير طبيعية وغير شرعية لإشباع حاجته الجنسية.([23])
ويتحقق هذا في حال أن
كان هو شخصاً غير مُهذّبٍ لنفسه ومتنصل عن الدين والأخلاق.
لذا كانت الدعوة إلى
الزواج بالصورة الطبيعية والشرعية (أي زواج الذكر من الأنثى وزواج الأنثى من
الذكر)، وترك الشذوذ حلاّ دعا إليه القرآن الكريم منذ أكثر من ألف عام؛ فقال تعالى
في وضع رصد هذه الظاهرة نفسها وطرح السبل لحلّها {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ
إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ
هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي
ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود: 78]، أي وجاء قومُ النبي لوط× يسرعون
المشي إليه لطلب الفاحشة من الملائكة الذين هم على صورة الرجال (أي ممارسة اللواط
من قبل الذكور)، وكانوا مِن قبل مجيئهم يأتون الرجال شهوة دون النساء، فقال النبي لوط×
لقومه: هؤلاء بناتي (أي بنات القوم لا بناته الصُلبيّات) تَزَوَّجوهن فهنَّ أطهر([24])
لكم مما تريدون وسمّاهنّ بناته; لأن نبي الأمة آنذاك هو بمنزلة الأب لهم، فاخشوا الله
واحذروا عقابه, ولا تفضحوني بالاعتداء على ضيفي (الملائكة)، أليس منكم رجل ذو رشد،
ينهى من أراد ركوب الفاحشة, فيحول بينهم وبين ذلك! فههنا طرحت الآية الشريفة
الزواج والتشجيع عليه بصورة مرنة وسهلة بعيدة عن التكلّف؛ تنجيزا وإشباعا للحاجة
البشرية للذكر والأنثى، للقضاء على هذه الظاهرة الشاذة سلوكيا ونفسيا.
وآخر ما يطرحه القرآن
الكريم حلاً، هو العقاب والوعيد للشُذّاذ من الناس ردعاً لهم وإنهاءً لظاهرتهم
المنحرفة بشريا؛ فيقول الله تعالى {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ
يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ
مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ
مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: 81]، أي قالت الملائكة:
يا لوط، إنَّا رُسلُ ربّك أَرْسَلَنا لإهلاك قومك, وإنهم لن يصلوا إليك, فاخرج من هذه
القرية أنت وأهلُك ببقية من الليل ولا يلتفت منكم أحد وراءه; لئلا يرى العذاب فيصيبه,
لكنَّ امرأتك التي خانتك بالكفر والنفاق سيصيبها ما أصاب قومك من الهلاك, إن موعد هلاكهم
الصبح وهو موعد قريب الحلول.
2- ظاهرة الشباب الإيمو
بداية لا بد من التحديد
المفهومي لظاهرة أو مصطلح (الإيمو) (EMO)([25]) الذي كثر الحديث عنه
في أيامنا هذه، فالمقصود بالإيمو في أول نشأتها المجتمعية هو نمط معين يعيشه الشاب
أو الشابة في التعاطي مع الموسيقى (الروك الأمريكي) أو اللباس أو السلوك المصاحب
لها.
وأنّ أول موطن ظهرت فيه
هذه الظاهرة هي العاصمة واشنطن قبل قرابة نصف قرن تقريبا، ومن أبرز مقاصد الإيمو
وأهدافها هو تجميع الشباب المهتم بالمظهر الخارجي والموضات، والعمل على التعبير عن
حريتهم الشخصية في الحياة دونما قيد أو حرج. نعم،
يُقال عنهم إنّهم يهتمون بالعاطفة والحساسية المفرطة أو ارتداء ملابس معينة قد
تحمل صوراً غريبة، منها رموز وصور للجماجم البشرية وغيرها. وعلى كل حال لا بد من
دراسة هذه الظاهرة وتقييمها نفسيا وسلوكيا ودينيا، ثم تقويمها بوضع حلول حكيمة لها؛
سعيّا للتقليل من خطرها إن لم نتمكن من القضاء عليها.
فالمعلوم وفق مبادئ علم
النفس أنّ كل فعل وسلوك بشري له إراداته التي ينتج عنها واقعاً، فهذه الإرادات
تارة تكون حكيمة وصالحة في تحققها الفعلي في الخارج كسلوك الشباب المستقيم نفسيا
وذهنيا، مما يقبله العرف العقلائي ويقرّه الدين السماوي،
وتكيّفه القوانين الوضعية الصحيحة والعقلانية رسمياً، وتارة أخرى تكون هذه
الإرادات غير واعية وهادفة لما تُريد صنعه، فحينما تصرُّ على تطبيق سلوكها وإنجاز
فعلها في الخارج تواجه إشكالية الذم العرفي العقلائي والشرعي والأخلاقي، كما هو
حال ظاهرة الإيمو المرفوضة عقلائيا وشرعيا في مجتمعنا المسلم.([26])
ومن هنا لا شك في أنَّ
هذه الظاهرة هي نتيجة مُؤكَّدة لما يعيشه الشباب من حرمان معرفي وعلمي وديني واقتصادي
ورياضي، بل وحتى حرمان حياتيّ، بمعنى أنّ الشاب يحتاج
إلى أن يعيش الحياة ولكنه محروم من القدرة على العيش السليم فيها، فضلا عن
الإفتقار إلى البعد المعنوي في شخصياتهم البشرية، وإعراضهم عن منهج الله تعالى في
الأرض المتمثل بالإرتباط به سبحانه ودينه القويم الإسلامِ الأصيل؛ لذا قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا
وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى
وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا
وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 124- 126]، بمعنى إِنَّ لَهُ
مَعِيشَةً مضطربة في الدنيا فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيّق حَرج؛
لضلاله، وإن تنعّمَ ظاهرُه ولبِس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وشك، فما
يزال في حيرة يتردد، وهذا من ضنك المعيشة.
فإن كان الشباب يُعانون من
الهم النفسي والإجتماعي، ويعيشون حالة اليأس والإحباط في هذه الحياة والشعور
بعدم القدرة على تحقيق طموحاتهم الشخصية، فهذا لا يعني أنّ الحل في الإستسلام إلى ارتكاب
الخطأ والإنحراف عن الحق، ومن الممكن لهم أن
يصبروا على المعاناة إن كانوا فعلا يُعانون من أزمة نفسية أو ذهنية، ويلجأوا إلى
الله تعالى؛ فبه سبحانه تنفرج الهموم وترتفع المحن،([27])
قال الله تعالى {الَّذِينَ
آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ
تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
ويُذكر أيضا أنّ المنتمي إلى
مجموعة الإيمو (هذا وفق ما موجود في مجتمعات الغرب وأمريكا) يلجأ في نهاية أمره
إلى الإنتحار وقتل نفسه خياراً أخيراً للخلاص مما هو فيه، ولا شك في أن الله تعالى
حرَّم إيذاء النفس، وحرَّم الانتحار وجعله من كبائر الذنوب, ووعد فاعلَه بالعذاب
الشديد، قال تعالى {وَلا تَقْتُلُوا
أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ
عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء: 29- 30].
إننا يجب أن نهتم
بترشيد الطاقات الشبابية وتوعيتها أخلاقيا وسلوكيا ونفسيا بقدر ما نهتم بأمور أخرى
قد تكون ليست مؤثرة في توجيههم؛ ذلك أنّ الشباب طاقة فعّالة لا بد من توظيفها في
المجال الحق والصالح والمُثمر لشخصياتهم والمجتمع، فالشباب لهم حاجات مُلحّة
وجوديا في هذه الحياة، منها حق العيش الكريم، والحصول على العمل المناسب، والزواج،
والإستقرار الإقتصادي، فضلا عن حق التعليم وغيرها.
وهذه الحاجات([28])
لا بد من سدّها في التطبيق الفعلي، وإلاّ ستبقى تلحّ نفسيا وسلوكيا على صاحبها في
سبيل تحقيق الإشباع لها ولو بالطرق غير المشروعة وحتى غير المعهودة. وما هذا الزيغ والنكوص القيمي الذي يظهر عند بعض الشباب المسلم خاصة وغيره عامة إلاّ نتيجة متوقعة وطبيعية تنبثق من الحرمان والعوز في تلبية الحاجة. هذا على مستوى البعد النفسي لظاهرة
الإيمو، أو حتى ما يُماثلها من ظاهرة التأنّث والتذكر عند الصنفين الذكر والإنثى.
وأما على مستوى البعد
الفكري والآيديولوجي لظاهرة الإيمو، فهذه
الظاهرة مُؤسَّس لها من عند دول كبرى تعمل وفق نظام الحداثة والعولمة ورقمنة
الإنسان علمياً وعمليا بحكم شبكة النت أو الفيس بوك أو وسائل الإتصال الأخرى. فقد شاع في وقتنا هذا مسايرة مشروع العولمة
وصناعة الإنسان الرقمي الذي يعتمد في
حياته المادية على الحاضر العلمي ويعيش حال الفصل القيمي عن ماضيه ديناً أو عرفا. ومن
هنا يبدو أنّ هذه الظاهرة هي عملية اختطاف الشباب
من واقعهم واستغلال عوامل معينة عندهم، تدفعهم إلى التعاطي مع
هذه الظاهرة والتأثر بها فكريا وسلوكيا وإن لم يدركوا أخطارها ابتداءً.
وأما على المستوى
الحقوقي للظاهرة، فمن الممكن إقناع الشباب بضرورة الإيمان بحق الإهتمام بالمظهر
الخارجي، والحرية الشخصية، وحق التعبير
عن نشاطه العلمي أو المجتمعي، ولكن بصورة مقبولة عند الدين والعقلاء، لا بما
يُريده المنحرفون من محاولاتهم لإظهار الشباب بصورة غير معهودة في مجتمعنا المسلم وجعلهم
يتمردون على الواقع وقيم المجتمع.
فالذين يتأثرون بهذه
الظاهرة من الشباب هم أناسٌ بأمسّ الحاجة إلى التعاطي معهم وفق منهجية الحكمة
والموعظة الحسنة، إلاّ ما شذَّ منهم فالتعامل معه يجب أن يكون وفق الدين والقانون
السليم. فالدولة والمؤسسة الدينية
كلاهما معنيان بالتدخل السريع لمعالجة هذه الظاهرة، التي قد تغلغلت حتى في المدارس
الثانوية، مثلما عملا على إخراج الإحتلال عسكريا وسياسياً من بلدنا وإن بقيت آثاره
السلبية تُخيّم على الآفاق اقتصاديا وفكريا وسياسيا وأخلاقيا.
فإذا سرقَ منّا الغزو
العسكري ثرواتِنا الوطنية وقتَلَ الأبرياء بفعله وبفعل أذنابه من الإرهابيين، فلا
ينبغي لنا أن نسمح له بسرقة شبابنا وتحطيمهم نفسيا وسلوكيا بغزوه الثقافي والفكري.
وفي الختام لا بدّ من
إقامة معاهد حكومية وغير حكومية تهتم بتربية الشباب وإعدادهم نفسيا وترشيدهم
سلوكيا ومجتمعيا، وبث الثقة في شخصياتهم والعمل على تحقيق طموحاتهم فعليا، فضلا عن
إعداد مراكز تأهيل وإصلاح نفسية وسلوكية تحتضن الشاذين منهم؛ محاولةً لاحتوائهم
وإصلاحهم بقدر المستطاع، بدلا من تركهم لأيدي خفية تتلاعب في عقولهم وتؤثّر في
سلوكهم وتضلّهم ضلالاً مبينا.
وفي الختام لا يسعنا
إلاّ الدعاء بمثل ما دعا به الإمام المهدي×: >أللهمّ وتفضّل على الشباب بالتوبة
والإنابة، وعلى النساء بالعفة والحياء<.
([2]) الوعي الصحيح
باختلاف الخصائص البايولوجية بين الذكر والأنثى، وما يترتب على ذلك من أثر في
اتجاه التفكير والسلوك الأخلاقي. قال أمير المؤمنين×: >خيارُ خصال النساء شرارُ
خصال الرجال: الزهو، والجبن، والبخل. فإذا كانت المرأة مزهوّة لم تمكّن من نفسها، وإذا↔ كانت بخيلةً حفظت
مالها ومال بعلها، وإذا كانت جبانة فرقت (خافت وهربت) من كل شيء يعرض لها<. نهج
البلاغة، 4: 52.
([3]) >الذي له
ما للرجال والنساء جميعاً<، >وانخنث: تثنّى وتكسّر<، لسان العرب: مادة:
(خنث). فالمُخنّث مَن جاء في أصل خلقته مشتركاً بين صورة الرجل والمرأة فهو الجنس
الثالث، وكذا مَن كان صفتُه الأميل إلى الضعف والإنكسار وهي من صفات النساء عامةً،
ولكن التعبير بـ (الخنثى) خاص أصلاً بالهيئة الجسمية، فلا ترادف مع (التأنّث).
([12]) يوجد تعارض في
مواطن كثيرة بين أحكام الشرع الإسلامي وبين الدعاوى غير الإسلامية فيما يخص واقع
المرأة والدعوة إلى مساواتها بالرجل، ويرد ذلك في: الحجاب، والإرث، والسفر،
والزواج، والطلاق، والعمل، والقيمومة... إلخ. فيصبح الصراع بين الرجل والمرأة على
كل ما كان يُعد خاصاً بأحدهما، فتنشأ المنافسة حتى في الملبس والسلوك.
([22]) مَن يظن أن
المجتمع الغربي على علمٍ وبصيرة عندما أحلّ لأفراده الزواج المثلي والعلاقات بين
الجنس الواحد فهو واهم، إنما هم يجهلون عواقب الأمر بإسرافهم. وجاء التعبير بالجهل
في ذيل الآية مناسباً لسياق السؤال الإنكاري، فهم لا يعلمون خطورة الموضوع ونتائجه
المتمثّلة في انتشار الأمراض المستعصية، وتفكك الأسرة، وانحلال روابط المجتمع،
وانهيار الدولة، وفي الآخرة عقاب أليم.
([26]) مرّت على
المجتمع الإسلامي كثير من الظواهر السلوكية وقد أخذت مأخذها، منها: السلوك
الشيوعي، والوجودية، وتناول المخدرات والخمور، وسواها. ولكنها بمرور الزمن وتغيّر
المؤثّرات والضغط الإجتماعي- الديني المستمر زالت. ويظهر أنه لا يمكن تماماً منع
التأثر بهذه الظواهر وانعكاساتها على المجتمع، ولكن يجب العمل الدؤوب على تحصين
الشباب ووقايتهم دائماً.
([28]) إن نظرية
العالِم النفسي الأمريكي (مازلو) (Abraham Maslow) (ت 1970) تفترض في هرم الحاجات
أن الفرد لو حقق الإشباع في مستوى الحاجات الأولى، وهي الحاجات الأساس منها الأكل
والشرب والتنفس وغيرها، فسينتقل حتماً نحو إشباع حاجات في مستويات أرقى وصولاً إلى
تحقيق الذات بل تجاوزها ونيل الطموح عبر المسالك العقلانية المقبولة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق