الشباب وظاهرة الإيمو بين التقييم والتقويم :: الرصد والحلول ::




الشباب وظاهرة الإيمو
بين التقييم والتقويم


الرصد والحلول



مرتضى علي الحلي







بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمَّد وآله المعصومين

بداية لا بدَّ من التحديد المفهومي لظاهرة أو مصطلح (الإيمو) (EMO) الذي كثر الحديث عنه في أيامنا هذه، فالمقصود بالإيمو في أول نشأتها المجتمعية هو نمط معين يعيشه الشاب أو الشابة في التعاطي مع الموسيقى (الروك الأمريكي) أو اللباس أو السلوك.
وتذكر الموسوعة في الإنترنت أنّ أول موطن ظهرت فيه هذه الظاهرة هي واشنطن قبل قرابة نصف قرن تقريبا، ومن أبرز مقاصد الإيمو وأهدافها هو تجميع الشباب المهتم بالمظهر الخارجي والموضات، والعمل على التعبير عن حريتهم الشخصية في الحياة دونما قيد أو حرج. نعم يُقال عنهم إنّهم يهتمون بالعاطفة أو ارتداء ملابس معينة قد تحمل صوراً غريبة، منها رموز وصور للجماجم البشرية وغيرها، وعلى كل حال لا بدَّ من دراسة وتقييم هذه الظاهرة نفسيا وسلوكيا ودينيا، ثم تقويمها بوضع حلول حكيمة لها؛ سعيّا للتقليل من خطرها إن لم نتمكن من القضاء عليها.
فالمعلوم بحسب مبادئ علم النفس والسايكولوجيا: أنّ كل فعل وسلوك بشري له إراداته التي ينتج عنها واقعاً، فهذه الإرادات تارة تكون حكيمة وصالحة في تحققها الفعلي في الخارج كسلوك الشباب المستقيم نفسيا وذهنيا، مما يقبله العرف العقلائي ويقره الدين السماوي وتكيّفه القوانين الوضعية الصحيحة والعقلانية رسمياً، وتارة أخرى تكون هذه الإرادات غير واعية وهادفة لما تُريد صنعه، فحينما تصرُّ على تطبيق سلوكها وإنجاز فعلها في الخارج تواجه إشكالية الذم العرفي العقلائي والشرعي والأخلاقي، كما هو حال ظاهرة الإيمو المرفوضة عقلائيا وشرعيا في مجتمعنا المسلم.
ومن هنا لا شكَّ في أنَّ هذه الظاهرة هي نتيجة مُؤكَّدة لما يعيشه الشباب
من حرمان معرفي وعلمي وديني واقتصادي، بل وحتى حرمان حياتيّ، بمعنى أنّ الشاب يحتاج إلى أن يعيش الحياة ولكنه محروم من القدرة على العيش السليم فيها، فضلا عن الإفتقار إلى البعد المعنوي في شخصياتهم البشرية، وإعراضهم عن منهج الله تعالى في الأرض المتمثل بالإرتباط به سبحانه ودينه القويم الإسلامِ الأصيل؛ لذا قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (طه: 124- 126)، بمعنى: إِنَّ لَهُ مَعِيشَةً مضطربة في الدنيا، فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حَرج؛ لضلاله، وإن تَنَعَّم ظاهره ولبِس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وشك، فما يزال في حيرة يتردد، وهذا من ضنك المعيشة.
فإذا كان الشباب يُعانون من الهم النفسي والإجتماعي ويعيشون حالة اليأس والإحباط في هذه الحياة وعدم القدرة على تحقيق طموحاتهم الشخصية، فهذا لا يعني أنّ الحل في الإستسلام إلى ارتكاب الخطأ والإنحراف عن الحق، ومن الممكن لهم أن يصبروا على المعاناة إن كانوا فعلا يُعانون من أزمة نفسية أو ذهنية، ويلجأوا إلى الله تعالى؛ فبه سبحانه تنفرج الهموم وترتفع المحن، قال الله تعالى {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28).
 ويُذكر أيضا أنّ المنتمي إلى مجموعة الإيمو (هذا وفق ما موجود في مجتمعات الغرب وأمريكا) يلجأ في نهاية أمره إلى الإنتحار وقتل نفسه خياراً أخيراً للخلاص مما هو فيه، ولا شكَّ في أنَّ الله تعالى حرَّم إيذاء النفس، وحرَّم الانتحار, وجعله من كبائر الذنوب, ووعد فاعلَه بالعذاب الشديد، قال تعالى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} (النساء: 29- 30).
إننا يجب أن نهتم بترشيد الطاقات الشبابية وتوعيتها أخلاقيا وسلوكيا ونفسيا بقدر ما نهتم بأمور أخرى قد تكون ليست مؤثرة في توجيههم؛ ذلك أنّ الشباب طاقة فعّالة لا بد من توظيفها في المجال الحق والصالح والمُثمر لشخصياتهم والمجتمع، فالشباب لهم حاجات مُلحّة وجوديا في هذه الحياة، كحق العيش الكريم والعمل المناسب والزواج والإستقرار الإقتصادي فضلا عن حق التعليم وغيرها.
وهذه الحاجات لا بد من سدّها في التطبيق الفعلي، وإلاّ تبقى تلحّ نفسيا وسلوكيا على صاحبها في سبيل تحقيق الإشباع لها ولو بالطرق غير المشروعة وحتى غير المعهودة. وما هذا الزيغ والنكوص القيمي الذي يظهر عند بعض الشباب المسلم خاصة وغيره عامة إلاّ نتيجة متوقعة وطبيعية تنبثق من الحرمان والعوز في تلبية الحاجة. هذا على مستوى البعد النفسي والسايكولوجي لظاهرة الإيمو، أو حتى ما يُماثلها من ظاهرة التأنّث والتذكر عند الصنفين الذكر والإنثى.
وأما على مستوى البعد الفكري والآيديولوجي لظاهرة الإيمو، فهذه الظاهرة مُؤسَّس لها من عند دول كبرى تعمل وفق نظام الحداثة والعولمة ورقمنة الإنسان علمياً وعمليا بحكم شبكة النت أو الفيس بوك أو وسائل الإتصال الأخرى. فقد شاع في وقتنا هذا مسايرة مشروع العولمة وصناعة الإنسان الرقمي الذي يعتمد في حياته المادية على الحاضر العلمي ويعيش حال الفصل القيمي عن ماضيه ديناً أو عرفا. ومن هنا يبدو أنّ هذه الظاهرة هي عملية اختطاف للشباب من واقعهم واستغلال عوامل معينة عندهم، تدفعهم إلى التعاطي مع هذه الظاهرة والتأثر بها فكريا وسلوكيا وإن لم يدركوا أخطارها ابتداءً.
أما على المستوى الحقوقي للظاهرة، فمن الممكن إقناع الشباب بضرورة الإيمان بحق الإهتمام بالمظهر الخارجي والحرية الشخصية وحق التعبير عن نشاطه العلمي أو المجتمعي، ولكن بصورة مقبولة عند الدين والعقلاء، لا بما يُريده المنحرفون من محاولاتهم لإظهار الشباب بصورة غير معهودة في مجتمعنا المسلم وجعلهم يتمردون على الواقع وقيم المجتمع.
فالذين يتأثرون بهذه الظاهرة من الشباب هم أناسٌ بأمسّ الحاجة إلى التعاطي معهم وفق منهجية الحكمة والموعظة الحسنة، إلاّ ما شذَّ منهم فالتعامل معه يجب أن يكون وفق الدين والقانون السليم. فالدولة والمؤسسة الدينية كلاهما معنيان بالتدخل السريع لمعالجة هذه الظاهرة، التي قد تغلغلت حتى في المدارس الثانوية، مثلما عملا على إخراج الإحتلال عسكريا وسياسياً من بلدنا وإن بقيت آثاره السلبية تُخيم على الآفاق اقتصاديا وفكريا وسياسيا وأخلاقيا.
فإذا سرقَ منّا الغزو العسكري ثرواتِنا الوطنية وقتَلَ الأبرياء بفعله وبفعل أذنابه من الإرهابيين، فلا ينبغي لنا أن نسمح له بسرقة شبابنا وتحطيمهم نفسيا وسلوكيا بغزوه الثقافي والفكري.
وفي الختام لا بدّ من إقامة معاهد حكومية وغير حكومية تهتم بتربية الشباب وإعدادهم نفسيا وترشيدهم سلوكيا ومجتمعيا، وبث الثقة في شخصياتهم والعمل على تحقيق طموحاتهم فعليا، فضلا عن إعداد مراكز تأهيل وإصلاح نفسية وسلوكية
تحتضن الشاذين منهم؛ محاولةً لاحتوائهم وإصلاحهم بقدر المستطاع، بدلا من تركهم لأيدي خفية تتلاعب في عقولهم وتؤثّر في سلوكهم وتضلّهم ضلالاً مبينا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


شاركه على جوجل بلس

عن مرتضى علي الحلي

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات: