" ضرورةُ التكافل الاجتماعي ودورُ المَيسورين
في ذلك ، ووجهُ تخصيصِ اللهِ لهم بالنِعَم في نظَرِ أمير المؤمنين ، صلواتُ اللهِ
وسلامُه عليه "
قالَ أميرُ المؤمنين ،عليه السلام :( إنَّ للهِ تعالى
عباد
اً يخصّهم بالنِعَم لمنافع العباد ، فيقرّها في أيديهم ، ما بذلوها ، فإذا منعوها
نزعَها منهم ، ثم حوّلها إلى غيرهم )
: بحار الأنوار ، المجلسي ، ج 69 ، ص28 :
:1:- لا يخفى على أحدٍ أنَّ اللهَ تبارك
وتعالى قد كلّفَ بتكاليف منوّعَةٍ ، بعضها تكليف بدني محض كالصلاة والصوم ، وبعضٌ
تكليف بدني ومعه تكليف مالي كالحج ، وهكذا حتى في موارد إذا أذنبَ الإنسانُ تكون
عليه كفّارة ماليّة أو ماديّة كذبح شاةٍ مثلاً ، أو إطعام طعام مسكين أو فقير –
والغرض من ذلك هو تحقيق التكافل الاجتماعي بحكم ضرورة الاجتماع المدني والإنساني
وفق نظام الحاجة لبعضنا إلى البعض الآخر ، وضرورة معرفة أحواله إذا أعوّزّ ماليّا
في الضرورات المَعاشيّة .
:2:- إنَّ الأموال التي بأيدي الميسورين
هي نعمة من اللهِ تعالى قد خصّهم بها لغرض نفع العبادِ بها ولاختبارهم فيها – فإن بذلوها
في سبيله ولمستحقيها أبقاها في أيديهم ، وإن منعوها نزعها منهم وحوّلها إلى غيرهم –
فحريّ بهم أن يقضوا بها حوائج الناس ، وهذه أفضل القربات عند الله سبحانه .
:3:- إنَّ وجه تخصيص الله تعالى لبعض
العباد بهذه النعم – ومنها نعمة المال والجاه وغير ذلك ، ليكونوا واسطةً للرزق
وقضاء الحوائج بالإنفاق والبذل ، وفي ذلك يُربّينا ويمتحننا اللهُ سبحانه – واللهُ
قد يُربّينا بطرق متنوعة بابتلائنا بالفقر أو بالصحة أو بالغنى .
:4:- وفي هذا الكلام القيّم لأمير
المؤمنين ، عليه السلام ، يُقدّم لنا نموذجاً في أنَّ المال هو نعمة ومحل ابتلاء
واختبار ، فلا نمنعه عن مستحقيه ، ولا ننساق إلى وساوس الشيطان بجمعه ومنعه بحجّة
زياداته وبقائه ، ومعلوم أنَّ الشيطان إنّما يُزيّن ذلك ، والحال أنَّ المال لا
يبقى لأنّه أشبه بالعارية التي يمكن نزعها متى ما يشاء صاحبها إن لم نحفظها توظيفاً
وأداءً وإنفاقاً وبذلا.
:5:- على الإنسان المؤمن أن يصبرَ في حال
الابتلاء ، ولا يعترض على حُكم اللهِ ، وأن يقرأ الابتلاءَ قراءةً جيدةً وينتفع
منها ،وهذا الأمر يحتاج إلى استعداد نفسي كبير ، بحيث لا يُخرجه ذلك عن دينه .
:6:- وبحمد الله يوجد من الميسورين مَن
أنفقَ مالَه في مَصالح العباد والبلاد ومُقدّساته ، وشراء السلاح وتجهيز الغازين ،
والحفاظ على عوائل الشهداء والجرحى ، وهؤلاءِ لهم البشرى عند اللهِ سبحانه ،
لأنّهم أقرضوا اللهَ قرضاً حسنا ،
((إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا
يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17))) التغابن .
:7:- إنَّ هذه المقولة القيّمة على وجازة
كلماتها ، ولكنّها دقيقةٌ جدّاً ، وهي تؤسّس لمعرفة كيفيّة التعايش ، وكيفيّة
مساعدة الآخرين ، والتعاون معهم بالروح الجماعيّة لتخفف عن الفقراء فقرهم وبؤسهم .
:8:- لا يمكن لنا أن نعتمدَ على أنفسنا
وبمعزل عن الاعتماد على الله تعالى ومعيّته معنا ، والشعور بالعبوديّة له –
عبوديّة في التكوين والحقيقة والعبادة والتواضع له سبحانه ،وهو سيّدنا الحقيقي ((قَالَ
إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30))) مريم ،
فنحتاج إلى أن نعيش ذلك في لحظاتنا وساعاتنا وحياتنا ، وخاصةً ونحن مُقبلون على
شهر رجب الأصبّ ، والذي يصبُّ اللهُ فيه الخيرَ الكثيرَ وكذلك شهري شعبان وشهر
رمضان المُعظّم .
_____________________________________________
أهمّ مَضامين خطبةِ الجُمعَةِ الأولى ،والتي
ألقاهَا سَماحةُ ،السيّد أحمد الصافي ، دام
عِزّه, الوكيل الشرعي للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ العُليا الشَريفةِ في الحَرَمِ الحُسَيني
المُقدّس ,اليوم الثلاثين من جمادى الآخرة 1440 هجري ، الثامن من
آذار 2019م . ______________________________________________
تدوين - مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي - النَجَفُ
الأشْرَفُ .
:كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ تبارك وتعالى،
رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ, ونسألَكم الدُعاءَ .
______________________________________________
0 التعليقات:
إرسال تعليق