" مُقوّماتُ المُؤمنِ الحقيقي الصادق ، والذي يتعامل بواقعيَّة وجِدِّيَّة مع مُتطلّباتِ الإيمان " " التوكّلُ الواعي على الله سبحانه – وتجنّب اتّخاذِ الدِّين لَعِبَا – وعدم الطعن في المُؤمنين "


" مُقوّماتُ المُؤمنِ الحقيقي الصادق ، والذي يتعامل بواقعيَّة وجِدِّيَّة مع مُتطلّباتِ الإيمان "
" التوكّلُ الواعي على الله سبحانه – وتجنّب اتّخاذِ الدِّين لَعِبَا – وعدم الطعن في المُؤمنين "
ما زلنا في وصيّة الإمام جعفر الصادق ، عليه السلام ، لأحد أصحابه ، حيث قال:
( يا ابن جندب إنّما المؤمنون الذين يخافون الل
هَ ، ويشفقون أن يُسلبوا ما أُعطُوا مِن الهُدى ، فإذا ذكروا اللهَ ونعماءَه وَجَلوا وأشفقوا ، وإذا تُليَت عليهم آياتُه زادتهم إيماناً ، مما أظهره مِن نفاذ قدرته ، وعلى ربّهم يتوكلون .
يا ابن جندب قديماً عَمرَ الجهلُ وقَويَ أساسُه ، وذلك لاتخاذهم دينَ الله لَعِبَا ، حتى لقد كان المُتقرّبُ منهم إلى الله بعمله ، يُريد سواه أولئك هم الظالمون .
يا ابن جندب لا تقل في المُذنبين مِن أهل دعوتِكم إلّا خيرا ، واستكينوا إلى الله في توفيقهم ، وسلوا التوبةَ لهم )
: بحار الأنوار ، المجلسي ، ج 75 ، ص 280 .
:1:- في هذا المقطع القيّم يُقدّمُ الإمامُ جعفر الصادق ، عليه السلام ، لنا مقوّماتٍ سديدةً وأساسيّة في بناء شخصيّة المؤمن الحقيقيّة الصادقة ، ومنها : المقوّم الأوّل: – التوكّل على الله سبحانه، : والتوكّلُ :- هو الاعتماد على الله تعالى والاتّكال عليه في جلب الأسباب الطبيعيّة الموصلة لتحقيق المنافع والمصالح ودفع المفاسد والمَضار .
:2:-  إنَّ التوكّل على الله هو حاجة ضروريّة يحتاجها الفردُ والمُجتمعُ معاً في تحقيق آماله وأهدافه ومصالحه ولأجل مواجهة البلاء والمشاكل والأعداء والفتن ودفعها – لأنَّ الإنسانَ في واقعه هو ضعيف ، لا يقوى على تحقيق ما يرجوه لوحده أو دفع ما يخشاه من مضار ومفاسد بنفسه دون التوكّل على ربّه مُسَبِّب الأسباب ومالك الأمور ومُجريها .
:3:- إنَّ التوكّل على الله تعالى يعني الأخذ بأسباب القوة المطلقة الحقيقية في الوجود والمؤثرة فِعلاً في تحقيق الآمال والأهداف والمصالح ودفع الشرور والمفاسد والمضار ، ومواجهة المصائب والبلاء – وهذا ما يحتاج إلى تعزيز الثقة وحسن الظنّ بالله سبحانه – وفي بعض الحالات الإنسان لوحده لا يهتدي إلى الطريق في تحقيق ما يصبو إليه لجهله وعجزه ، لولا التوكّل على ربّه والذي هو حسبه وكافيه.
:4:- التوكّل الفعلي إنّما يتأتّى من الاعتقاد الراسخ والقوي بأنَّ اللهَ تعالى بيده كلَّ شيءٍ سبباً وتأثيرا – وهو القادر على دفع الضرر عنّا ، وذلك لعلمه بالمصالح والمفاسد ، فينبغي أن نحسن الظّن به صدقاً وسلوكا – وهو لطيف رحيم بنا – يُحبّ لنا الخيرَ – ولكن حكمته اقتضت اختبارنا في هذه الحياة .
:5:-  : وفي الرواية عن الإمام الرضا ، عليه السلام : (مَن أراد أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله ، وسُئِل عن حدّ التوكل ما هو ؟ قال : لا تخاف سواه )
: بحار الأنوار ، المجلسي ، 68 ، ص 143.
:6:- التوكّل على الله يُعطي الإنسانَ المؤمنَ الثقَةَ والأمل والقوّة والقدرةَ على تحقيق آماله وتطلّعاته ودفع المفاسد – فضلاً عن حفظِ كرامته وعزّته .
:7:- المقوّم الثاني :- يا ابن جندب قديماً عَمرَ الجهلُ وقَويَ أساسُه ، وذلك لاتخاذهم دينَ الله لَعِبَا ، حتى لقد كان المُتقرّبُ منهم إلى الله بعمله ، يُريد سواه أولئك هم الظالمون .:
إنَّ هذا المقوّم الثاني هو قانون يُذكَرُ لكلّ الأزمنة ، والجهل على نوعين – جهل علمي تخصصّي في العلوم الطبيعيّة الأكاديميّة – وجهل في علوم الدّين أصولاً وفروعاً ومنهجاَ وأخلاقاً ومعاملاتٍ وعبادات .
والمقصود في هذا المقوّم الثاني هو الجهل في العلوم الدّينيَّة ، أو توظيفها في تحقيق المآرب النفسيّة والجاه والمقام والارتزاق بها عند بعض مُدّعيها ، ممّن
لا يخلصون فيها أو لا يحسنون استعمالها ظاهراً – بحيث يكون الدّين لديهم وسيلةً للمعيشة والتجارة والتقرّب من السلاطين – لا يتعاملون معه بجدّية أو صدق وواقعيّة- وكما  عن الإمام الحُسيَن ، عليه السلام ، ( الناس عبيد الدنيا والدِّين لعقٌ على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم ، فإذا مُحصوا بالبلاء قلّ الدّيانون )
: بحار الأنوار ، المجلسي ، 44 ، ص383.
:8:- وفي الحقيقة أنَّ مَن يوظّف العلوم الدّينيّة وحتى الطبيعيّة الأكاديميّة لمآربه وأغراضه فسيُفتضح بعد أن يضلّ أناساً كثيرا ، ويُسلبُ توفيقه .
:9:- المقوّم الثالث : يا ابن جندب لا تقل في المُذنبين مِن أهل دعوتِكم إلّا خيرا ، واستكينوا إلى الله في توفيقهم ، وسلوا التوبةَ لهم ) :- وهذا مبدأ أخلاقي في كيفيّة التعامل مع زلل وأخطاء الآخرين من المؤمنين ، وهنا يرشدنا الإمام المعصوم إلى ضرورة سترهم وقول الخير فيهم والدعوة لهم بالتوبة النصوحة.
_____________________________________________
أهمّ مَضامين خطبةِ الجُمعَةِ الأولى ،والتي ألقاهَا سَماحةُ الشيخ عبد المَهدي الكربلائي ، دام عِزّه, الوكيل الشرعي للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ العُليا الشَريفةِ في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس  ,اليوم ، التاسع من جمادى الآخرة 1440 هجري ، الخامس عشر من شباط 2019م . ______________________________________________
تدوين - مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي - النَجَفُ الأشْرَفُ .
:كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ تبارك وتعالى، رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ, ونسألَكم الدُعاءَ .
______________________________________________


شاركه على جوجل بلس

عن مرتضى علي الحلي

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات: