" مِن الحَرَمِ الحُسَيني المُقَدَّسِ – لا زلنا مع أميرِ المُؤمنين
عليٍّ ، عليه السلام ، في تحذيراتِه القيّمَةِ مِن رذائل السلُوكِ وقبائح الأخلاقِ
- " مُجَالَسَةُ أَهْلِ الْهَوَى "
–
و " مُجانبَةُ الْكَذِبِ "– نَمُوذَجَا "
:1:- إنَّ أميرَ
المؤمنين ، عليه السلام ، قد حذّرُ من خطرِ الرذائل العظيمة والقبيحة ، و بيّنَ
أضرارها وآثارها الدنيويّة و الأُخرويّة – حيث قال : (واعْلَمُوا أَنَّ يَسِيرَ الرِّيَاءِ
شِرْكٌ - ومُجَالَسَةَ أَهْلِ الْهَوَى مَنْسَاةٌ لِلإِيمَانِ ومَحْضَرَةٌ لِلشَّيْطَانِ
- جَانِبُوا الْكَذِبَ فَإِنَّه مُجَانِبٌ لِلإِيمَانِ - الصَّادِقُ عَلَى شَفَا مَنْجَاةٍ
وكَرَامَةٍ - والْكَاذِبُ عَلَى شَرَفِ مَهْوَاةٍ ومَهَانَةٍ )
: نهجُ البلاغةِ ، ت ، د ، صبحي الصالح ، ص 117. :
:2:- لاحظوا دقةَ التعبير بالتحذير مِن مجالسة أهل الهوى
ومُخالطتهم ، ويعني بهم:- الذين يتبعون أهوائهم وشهواتهم ورغباتهم الشيطانيّة
بالفسق والفجور ، والتحذير منهم هنا لسبَبيَن :
: الأوّل:- إنَّ مجالسة أهل الهوى والفسق والعصيان تُنسي
الإيمانَ وتُميثَه( تُذيبه) . (واعْلَمُوا أَنَّ يَسِيرَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ - ومُجَالَسَةَ
أَهْلِ الْهَوَى مَنْسَاةٌ لِلإِيمَانِ ومَحْضَرَةٌ لِلشَّيْطَانِ). - : الثاني:-
إنَّ مجالسة أهل الهوى والفسق والعصيان في مكان ما تستدعي حضور الشيطان فيه – (ومَحْضَرَةٌ
لِلشَّيْطَانِ).
وقد حَذّرت الأحاديث الشريفة من ذلك ، لِما لمخالطة أهل
الهوى والفاسقين والعاصين من تأثير مباشر وغير مباشر على صاحبه أخلاقاً وسلوكاً.
:3:- إنَّ أهل الهوى يخوضون في الباطل ويلعبون ويلهون
ويغفلون عن طاعة اللهِ تعالى وعباداته والأعمال الصالحات .
:4:- وهنا نٌلفتُ نظرَكم إلى وجود نوعِ من هذا التحذير
من مخالطة أهل الهوى ، يخصُّ ما يُسمّى بالكّروبات في مواقع التواصل الاجتماعي على
الأنترنت – حيث تجدُ مجموعةً ما تنشرُ
الأكاذيبَ والأباطيل وتضيّعُ وقتها بالأخذ والرد بغير ما هو نافع ومُفيد ولائق ،
وتَشغلُ الشبابَ والشاباتِ فيها دون جدوى إلاَّ للتسليّة والخوض في المُنافيات
الشرعيّة ، وربما تٌؤّثر على اختيار الصديق ومقارنته في دينه وعقيدته وسلوكه
وأفكاره.
:5:- وقد نبّهت الرواياتُ المُعتبَرةُ على ضرورة اختيار
الصديق المؤمن و الصالح والصادق ، : روي ( عن أبي عبد الله ، الإمام الصادق ، عليه السلام ، أنه قال
:
لا تصحبوا أهلَ البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحدٍ
منهم ، قال رسولُ الله ، صلى الله عليه وآله ، : المرءُ على دينِ خليله وقرينه )
: الكافي ، الكليني ، ج2 ، ص275 :
:6:- ثمّ قالَ
أميرُ المؤمنين ، عليه السلام ،: (جَانِبُوا الْكَذِبَ فَإِنَّه مُجَانِبٌ لِلإِيمَانِ - الصَّادِقُ عَلَى شَفَا
مَنْجَاةٍ وكَرَامَةٍ - والْكَاذِبُ عَلَى شَرَفِ مَهْوَاةٍ ومَهَانَةٍ ).
وهنا ينبغي بالإنسان أن يتجنّبَ الكذبَ لقباحته وشدّة
حرمته ولآثاره الخطيرة على الفرد نفسه ومجتمعه ، - والكذبُ :- هو الإخبار بما
يُخالفُ الواقعَ والحقيقةَ _ وهو من أعظم الذنوب وشرّ منها – والمقصود بالمجانبة
للكذب :- أي تركه لأنه يُنافي الإيمانَ وصِدقَه – ولا يُناسب المؤمن أن يكذبَ كما
في الرواية الشريفة:
(عن مُعمّر بن خلاد ، عن أبي الحَسن الرضا ، عليه السلام
،قال : سُئِل رسول الله صلى الله عليه وآله ، يكون المُؤمن جباناً ؟ - قال : نعم ،
قيل : ويكون بخيلاً ؟ قال : نعم ، قيل : ويكون كذاباً ؟ - قال : لا - وفي رواية الأصبغ
بن نباتة قال : قال علي عليه السلام : لا يجدُ عبدٌ حقيقةَ الإيمان حتى يدعَ الكذبَ
جِدّه وهَزلَه )
: المَحاسنُ ، البرقي ، ج1 ، ص 118: - و (عن أبي جعفر ،
الإمام الباقر، عليه السلام ، قال : إنَّ اللهَ عز وجل جعلَ للشرِّ أقفالاً وجعلَ مفاتيحَ
تلك الأقفال الشرابَ ، والكذبُ شرُّ مِن الشراب ) ،والكذب يهدي إلى الفجور والنار.
: الكافي ، الكليني ، ج2 ، ص339 :
:7:- ينبغي
معرفة دواعي الكذب للتخلّص منه ، وهي كثيرةٌ ومنها: تأثير البيئة والمحيط والأسرة –
ومعاشرة الأشخاص الكذّابين – وعدم مراقبة اللسان – فالمؤمن الصادق الحقيقي يراقبُ
نفسه وألفاظه – بخلاف المنافق الذي يهذرُ بكلامه دون التدبر بعواقبه – وكذلك الحسد
والحقد يدفعان للكذب – من باب سدّ النقص الحاصل بالشعور بأفضليّة المؤمن الصادق
والتقي في المجتمع.
:8:- إنَّ الكذبَ لا ينحصر باللسان ، بل يكون بالكتابة أيضا ، وهذا
ما نحذّر منه في المحادثات الرقمية وفي مواقع التواصل الاجتماعي ، والتي يقرأها
المئاتُ من الناس ، وربما ينشرونها فتنتشر أكثر فأكثر وتؤثّر سلباً على المجتمع
وأفراده.
:9:- إنَّ للكذب آثاراً وخيمةً على صاحبه ، منها: سلبُ
التوفيق منه ، وحدوث العداوات والنزاعات ودخول النار واستحقاق العذاب الأليم ،
بخلاف الصادق فإنّه ينجو :(الصَّادِقُ عَلَى شَفَا مَنْجَاةٍ وكَرَامَةٍ - والْكَاذِبُ
عَلَى شَرَفِ مَهْوَاةٍ ومَهَانَةٍ ).
_____________________________________________
أهمّ مَضامين خطبةِ الجُمعَةِ الأولى والتي ألقاهَا سَماحةُ الشيخ عبد المهدي الكربلائي ، دام عِزّه, الوكيل
الشرعي للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ العُليا الشَريفةِ في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس ,اليوم –
السادس والعشرين مِن ذي الحجّة الحرام ,1439 هجري ، السابع من أيلول ,2018م.
______________________________________________
تدوين – مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشْرَفُ –
- كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ تبارك وتعالى , رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ,
ونسألَكم الدُعاءَ -
______________________________________________
0 التعليقات:
إرسال تعليق