"غيّر نفسكَ
أوّلاً " يتغيّر ما حَولك "
"" المَرجَعيّةِ
الدّينيّةِ العُليَا الشريفةِ "" تواصلُ تقديمَ مشروعها التغييري بعنوان"غيّر نفسكَ
أوّلاً "
في محور العلاقة العبادية مع الله تبارك وتعالى ، وفي محورِ الوظيفة في المُجتمع بمختلف عناوينه الثقافية
والسياسية والمدنية والعلمية والفكرية والعقائدية"
:1:- لا تنتظر من
الآخرين أن يأتي التغييرُ ، بل بادر بنفسك وغيِّر وفق المنهج الصحيح والإرادة
القوية ومتابعة القيادات الصالحة والقادرة على إحداث التغيير ،والتي يجب أن تتوفرَ
فيها المواصفات الشرعية والأخلاقية والسيرة الحسنة ...:
:2:- لا يصح للفرد و المجتمع أنْ يقفا مَكتوفي الأيدي
أمام الحالات التي يمرون بها ، سواء تغيير الحالة من السيء إلى الحسن ، أو مِن الحسن
إلى الأحسن..::
:3:- ينبغي أن
يؤمن الفرد أو المجتمع ويقتنع بأنَّ له أخطاء وعنده فشل ،
وعليه معالجته بأسلوب الحكمة والتدرج والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ..:
::: نصُّ مَا جَاءَ
في خِطَابِ المَرجَعيَّةِ الدِّينيّةِ العُليَا الشَريفَةِ, اليَوم, الجُمْعَة ،
السادس من جمادى الآخرة ,1439هجري - وعَلَى لِسَانِ
وَكيلِهَا الشَرعي ,
الشيخ عبد المهدي الكربلائي خَطيب وإمَام الجُمعَةِ
فِي الحَرَمِ الحُسَيني المُقَدّسِ :::
::: نُكملُ ما
ذكرنا في الخطبة السابقة عن منهج التغيير المجتمعي في الإسلام وسننه ، وسبقَ أنْ
بيّنّا أنَّ الإسلامَ قد حثَّ الإنسانَ ( فرداً ومجتمعاً ) على أن يتحرّك للتغيير
دائماً ، في كلّ سني حياته ، بل في كلّ ايامها وساعاتها.
:: في علاقة
الفرد مع الله تبارك وتعالى .... وفي علاقة الفرد مع مجتمعه ،
أو بما يمر به من ممارسات اجتماعية غير صحيحة من
اعتقادات ،
أو أوضاع سياسية
أو اقتصادية غير مقبولة ، في أي موقع كان.
ولا نقصد بالفرد
هو المواطن العادي ، لا بل نقصد الجميعَ في المجتمع من المعلّم والمدرّس والطبيب
والسياسي والاقتصادي وبقية العناوين.
وأحيانا يمر
المجتمع بحالات من التقصير والفشل والأداء غير المقبول والإخفاقات ، وهذه الأمور
تحتاج إلى التغيير ، والإسلام نبّهنا على ذلك ، ومضمون رسالته: ( أنّه لا يصح للفرد و المجتمع أن يقفا مكتوفي
الأيدي أمام الحالات التي يمرون بها ،
سواء تغيير الحالة من السيء إلى الحسن ، أو من الحسن إلى الأحسن ) .
ولا يصح أن ترى غيرك يتطور ويتقدّم وأنتَ تراوح
مكانك دون تغيير ، .
::.. إنَّ انطلاق
مشروع التغيير يبدأ من النفس أوّلاً ( فرداً أو مجتمعاً) ، وقد ورد
في الحديث الشريف
، والذي يُقدّمُ لنا مبادئ ونظرياتٍ في كيفية التغيير ومناهجه.
عن الإمام جعفر الصادق ، عليه السلام ، روي أنّه
قال: (مَن استوى يوماه فهو مغبون ،- ومَن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط ، - ومَن كان
آخر يوميه شرهما فهو ملعون ،- ومن لم يعرف
الزيادة في نفسه كان إلى النقصان أقرب ،- ومن كان إلى النقصان أقرب فالموت خير له من
الحياة )
: معاني الأخبار ،
الشيخ الثقة الصدوق ، ص 342.
والمقصود باليوم هنا
ليس يوماً مخصوصاً بساعات مُعينة ، بل المقصود هو الظرف الزماني - أسبوع - شهر - سنة : فتارة يكون الأسبوع الماضي
سيء وكذا الشهر أسوء من القادم ، والسنة أيضاً
- فالحال واحد في هذه الأحوال والمقاطع الزمنية
دون تقدّم وتطور وتغيير فإن كان كذلك فهذا هو الغبن – ولم يقف هذا الغبن في التساوي
حالاً ووضعاً في العلاقة على مستوى الفرد ونفسه ، لا بل حتى على مستوى علاقته بالله
تعالى والآخرين- ومؤسسات المجتمع كافة بعناوينها
المختلفة.
ولننظر إلى حالنا
في أنفسنا ومجتمعنا ونلاحظ أنَّ الآخرين يتطورون ويتقدمون ، ونحن في ركود.
وهذا الحديث
الشريف يُعالج الاخفاقات دائماً بضرورة التغيير لها ، وعدم التراجع ، والتقدّم إلى
الحسن والأحسن من الحال الذي نكون فيه.
لأنَّ الله تعالى
يقول : قد أعطيتك عقلاً وامكاناتٍ وقدراتٍ ، وأريدُ منك أن تتطوّرَ وتتقدّم
وتتغيّرَ ، لا أن تبقى تراوح في مكانك ، وتضيّع قدراتك وطاقاتك.
وهنا ووفق هذا
الحديث نكون أمام ثلاث حالات : وهي :-
:1: مغبون -
بمعنى التراجع الكبير.
:2:- ملعون - وهو الذي يكون حاله سيئاً جداً.
:3:- المغبوط – وهو الذي يكون في خير ودائماً يتطور.
:::: هل التغيير
أمرٌ سهل وبسيط أم يحتاج إلى منهج قويم ؟
وواقعاً إن لم يكن لنا منهج واضح وصحيح فلا يمكن
أن نعالج الفشل والفساد
في جميع مجالات المجتمع ، وعلى مستوى العبادات
والممارسات المجتمعية ، .::::
::.. إنَّ
الإسلامَ الحكيم قد وضعَ لنا منهجاً سديداً في عملية التغيير المجتمعي والنفسي ،
وجعل لنا قادة صالحين نقتدي بسيرهم الحسنة ، وأودع فينا فطرةً سليمة ، وهدانا
لسيرة العقلاء ، والذين بمتابعتهم سنصل للتغيير .
وقد علّمنا القرآن الكريم من أين نبدأ بالتغيير
، حيث قال الله تعالى:
((إِنَّ اللَّهَ لَا
يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ
بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ))(11)الرعد.
:.. إنَّ اللهَ تعالى هو أقدرُ على إحداث
التغيير - تغيير أحوالنا - ولكنه كيف
يعطينا الثواب دونما أن نعمل ونغيِّر بأنفسنا ، ونتحرّك ونبادر ، وحين يرانا كذلك
فسوف يُسَهِلُ لنا الوصولَ إلى المُبتغى والمَطلوب
يقيناً.
:.. أنا كإنسانٍ
عليّ أن أبدأ بتغيير نفسي في البيت - في المدرسة - في الدائرة – في العشيرة – في الكيان
السياسي – في المؤسسات العلمية والثقافية ، ثمّ الآخر شيئاً فشيء.
::.. وفي المحور
الثاني نُبينُ ماهي متطلّبات التغيير ومقدماته ؟
التغيير في
العلاقة مع الله تعالى – ومع المجتمع ، ومن أهم هذه المقدّمات هي:-
:1:- ضرورة إيمان
الفرد والمجتمع وقناعتهما بالعثرات والأخطاء ، ولا بُدّ من أن يحصل عندنا قناعة
بالخطأ بعد تشخيصه في الأداء غير المقبول والفساد ,
ولا بُدّ من التسليم والاعتراف بخطأ النفس
والشخص والجهة والكيان السياسي ، وعدم التنكر للفشل ، كما هو حال التوبة ، فالذي
يريد أن يتوب فعليه أن يعترف بمعاصيه وذنوبه وظلمه ويتجاوزها , ويصلح نفسه.
:2:- الإرادة
والعزيمة – كل عملية تغيير على مستوى الإنسان نفسه أو المجتمع تواجه تعقيدات نفسية
أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية ، وقد تواجه بمعارضة قوية من قبل الذين تتصادم
عملية التغيير والإصلاح مع مصالحهم فيعرقلونها بقدراتهم وإمكاناتهم ، وقد تطول
فترة التغيير لزمن طويل من أجل الوصول للهدف ، وهنا تبرز قيمة الإرادة والإصرار
على التغيير مهما يحصل،
بحيث لا يكون اليأسُ سبيلاً لترك التغيير
ومواصلته ولو لآخر العمر.
:3:- لا بُدّ من
توفر القيادات الصالحة والقادرة على إحداث التغيير ،
( وهي بحمد الله
متوفرة) وينبغي أن توجدَ فيها مواصفات حسنة وصفات قويمة حتى يتواصل التغيير ، ومن
يجد في نفسه تلك المواصفات والقدرات فليتصدّى للتغيير.
( ماهي الأدوات
والآليات الصحيحة في إحداث عمليّة التغيير):-
أحيانا تكون
آليات التغيير غير صحيحة وخاطئة فلا نصل للنتيجة المطلوبة ، والإسلام هنا قد وضع
آليات صحيحة ومضبوطة وموصلة للتغير الصالح.
ومنها :
:أوّلاً:- أسلوب
الحكمة والتدرج في التغيير.
:..إنَّ أسلوب
الحدّة والدفعة الواحدة قد لا تنفع في تغيير هذا الشخص أو ذاك الكيان ، فلا بُدّ
من الحكمة والتدرج خطوة ، خطوة ، باعتماد أسلوب التواضع والنصح والإفهام للآخرين
بأخطائهم وفشلهم في أدائهم ، وقد نزل الإسلامُ العزيز بالتدرج شيئاً فشيء.
:ثانياً:- أسلوب
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :.
وهو أسلوب
مُميّزٌ عن بقيّة الأنظمة لما فيه من خصائص قويمة منها:
:1:- تنظيم عملية
التغير للفرد نفسه بنفسه دون الحاجة إلى أنظمة استبدادية.
:2:- إيجاد رقابة
ذاتية تنفع في عملية تغيير النفس والفرد.
:3:- تمكن
المجتمع من مراقبة بعضه بعضا.
:4:- المجتمع هو
من يقوم بتنفيذ إجراءات التغيير والإصلاح.
:5:- وجود النظام
والانضباط في هذا الأسلوب ، والذي يُسهِل عملية التغيير ، بدفع حالات الفوضى
والاضطرابات في المجتمع.
إنَّ أسلوب الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أعظم الواجبات الشرعية والأخلاقية ، وإذا ما
بدأنا به من البيت والسوق والمدرسة وفي كلّ مكان ،
وكلٌّ يتحمّل مسؤوليته فسيحدث التغيير.
( ومن الأمور
المهمة هنا هو أنَّ البعض يلقي بالمسؤولية في التغيير على غيره ،
ولا يقوم بتغيير نفسه ، نعم هناك فشل وأخطأ وبنسب
متفاوتة ، ولكن علينا أن نغيّرَ
ما بأنفسنا ونُساهم
في التغيير ، لا أن نُطالبَ الآخرين بالتغيير ونترك أنفسنا ،
وينبغي بالجميع
أن يتحرّك كلٌ من موقعه ، ثم نتدرج بالمراحل مرحلةً - مرحلة,
فالتسلسل في
التغيير أمر مطلوب ، ومعه سنصلُ للنتائج.
_________________________________________________
الجُمْعَة- السادس من جمادى الآخرة ,1439 هِجرِي- الثالث والعشرون من شباط 2018م.
تدوين – مُرْتَضَى
عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشْرَفُ –
- كَتَبْنَا بقَصدِ
القُربَةِ للهِ تعالى , رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ, ونسألَكم الدُعاءَ -
_________________________________________________
0 التعليقات:
إرسال تعليق