: آية المودة وقلب الحُكم :



: آية المودة وقلب الحُكم :
===============
بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين

قال اللهُ تعالى
 { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }الشورى23

لم يكن القرآن الكريم مُعجزةً لفظية فحسب
بل كان ومازال وسيبقى كذلك يُمثّل إعجازاً إطلاقياً
في المعنى والقيمة والحكمة والوجود.

ولو لاحظنا هذه الآية الشريفة الخاصة بنبينا محمد
:صلى اللهُ عليه وآله وسلّم :
وبأهل بيته المعصومين :عليهم السلام:
لوجدنا المُعجز القيَمي والمعنوي بل وحتى التكويني والتشريعي  في هذه الآية الشريفة

ينزاح بقوة الترشح الدلالي والظهوري من ذات النص القرآني إلى الواقع .
مُتَمثِّلاً بالقصر الحقيقي للسؤال  على المودة في القربى .
مع إنتفاء طلب الأجر .

ذلك كون القصر الحقيقي يعني في علم البيان عربياً
هو تخصيص شيء بشيء حصراً.

ومن ألطف ما أُستُعمِلَ هنا من أدوات القصر بيانيا
هي صياغة الجمع بين النفي والإستثناء في تركيبة هذه الآية الشريفة .
والتي تُفيد القصر الحقيقي وفي أعلى وأشد مراتبه البيانية

وقد تجلى النفي بأداة :لا :
 لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً
 وهي أقوى أدوات النفي في العربية

وكذا تجلى الإستثناء بأقوى أدواته وهي : إلاّ :
إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى

والذي يُثير الإنتباه هنا
 هو أنَّ الإستثناء  جاء بصيغة المُنقطع عما قبله
مفهوما ودلالة وحكما وأثرا .

 بمعنى أنَّ : إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى :

هو إستثناء منقطع ليس من جنس المُستثنى منه
وهو(الأجر )

وهذا الإستثناء المنقطع جاء ليُسجّل رائعة بيانية قرآنية التأصيل والتأسيس إطلاقية الغرض والحكمة .
تجلّتْ في القدرة على  قلب إعتقاد المُتلقين والمُخاطبين
 منذ وقت النزول وإلى يوم الدين .

وفعلاً إقتدرتْ هذه الآية الشريفة إقتداراً بيانياً جديراً
على ردِّ كل مَن يتصوَّر أنَّ فرض المودة في القربى
 جاء من النبي :ص:
بدافع النسب والحسب كما توهمه الكفار والمشركون في حينها .

لا بل إقتدرتْ على صياغة ما هو أكبر من ذلك
وهو أنَّ مودة القربى وهم أهل البيت المعصومين
 :عليهم السلام:
قد بلغتْ من المرتبة القيميَّة عند الله تعالى
ما لايمكن جعله أجراً على تبيلغ النبي محمد:ص:
 الرسالة الإسلامية .

فالمودة في القربى هي أعلى وأرفع منزلة من أن تكون عوضاً أو أجراً في قبالة تبيلغ الرسالة .

هذا ما أفاده الإستثناء المنقطع  والقصر الحقيقي بصيغة النفي والإستثناء جمعاً .

والشاهد القرآني الرائع الذي يُعزز هذا الظهور البياني هو
قوله تعالى
  {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }سبأ47

بمعنى :
قل -أيها الرسول :ص: للناس أجمعين  ما سألتكم على الخير :الإسلام:  الذي جئتكم به من أجر فهو لكم
 ما أجري الذي أنتظره إلاَّ على الله المُطَّلِع على أعمالي وأعمالكم, لا يخفى عليه شيء فهو يجازي الجميع, كلٌّ بما يستحقه .

إنَّ الذي نُريدُ أن نخلص إليه بيانياً في هذه الآية الشريفة
هو :

:1:
إنَّ المودة في القربى مُنحصرةٌ حقيقيةً ووجوداً
بأهل البيت المعصومين :عليهم السلام:
  تجليِّاً بالإمام علي والصديقة الزهراء والحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذريته :عليهم السلام أجمعين :

:2:
إنَّ فرض المودة في القربى هو فرضٌ إلهي وليس نبوياً
بدليل صياغة الآية بقُل
فالنبي :ص: طبّقَ وبلّغ ما قاله اللهُ تعالى له وحيا .

:3:
الصياغة البيانية البليغة للآية جائت هي الأخرى
لتقلب الحكم والإعتقاد المُحتمَل بإتهام النبي :ص:
من قبل أي متلقي للنص أو سامع له
بأنَّ ذلك من عنديّات النبي :ص: وحاشاه عن ذلك
كون المطلوب مودتهم هم قربى النبي نسبا وحسبا .

:4:
إنَّ ذاتية وموضوعية الآية تكشف عن ضرورة الإلتزام بالمودة في القربى بقاءاً وإستمرارا
وهذا يعني أنَّ مصطلح (القربى )
هو مصطلح وصفي عنواني مُشيرٌ إلى ذوات معصومة بالجعل الإلهي الحق .
وهم قطعاً أئمة أهل البيت المعصومين :عليهم السلام:

بدليل أنَّ النفي قد دخل على صيغة الفعل المضارع
 : لا أسألكم :
وهو فعل متجدد الحدوث ومُستمر في مفاده وحكمه وأثره .
ويعطي معنى التكرارية بالمرات .

:5:
إنَّ نفس المودة وهي مفردةٌ عميقة المعنى  
 تعني المُشاكلة مع المودود مفهوماً ومصداقا
و بعبارة أوضح أنَّ مَن إفترض اللهُ تعالى علينا طاعتهم ومودتهم هم يقيناً معصومون
وهذا يقتضي المحبة لهم والعمل بما يأمرون
والإنهتاء عما ينهون .



والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :
شاركه على جوجل بلس

عن مرتضى علي الحلي

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات: