: مِن التطبيق الشعائري إلى التطبيق الحياتي :
==========================
: الإمام الحُسَين :عليه السلام : منهجٌ وإعتبار :
==========================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
وسلامٌ على الإمام الحُسَين في العالمين
ما مِن شك في أنَّ الإمام الحسين :عليه السلام:
هو أكبر وأعمق مفهوماً وقيمةً ودلالة وهدفا من الشعائر الجزئيّة .
والتي تُمثِّل في تطبيقها تعبيراً مشروعاً عن سمة الولاء والإعتقاد .
في أيامٍ معدودات .
ينفكُّ عنها مَن يُمارسها تطبيقاً بمجرد إنتهاء أمدها الوقتي.
ولكن مَن يدرك مفهوم وقيمة ودلالة الإمام الحسين:عليه السلام:
إعتقاداً ومنهجا وسلوكا .
لاينبغي به أن ينفكَّ عمّا آمن به في حركته الحياتية.
بإعتبار أنَّ الإمام الحسين :عليه السلام:
قد أضاف إلى الحياة عامة إضافات معنوية وقيميَّة وأخلاقيّة وحتى سياسية.
يمكن لكل مَن يقبلها طوعاً أن يتفاعل معها في مُجمل فروضات الحياة المُعاصرة.
وهذا الإمكان إنّما يتأتى من الإستجابة الإرادية
لكل ما نبّه عليه الإمام الحسين :عليه السلام: في وقائع نهضته الشريفة.
كون الإستجابة الإرادية بعد إنتهاء ممارسة الشعائر تُمثِّل إنطلاقة إلى الحياة إصلاحاً وتغييرا.
وهي تلبيّة إيمانية يجب أن تأخذ طريقا سَلكاً إلى آخر الصراط.
والقرآن الكريم قد ندبنا إرشاداً منه إلى قيمة وأثر
الإستجابة الطوعيّة في الواقع .
لدعوة الله تعالى ودعوة المعصوم:نبي كان أو إمام :عليه السلام:
قال تعالى:
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم
لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)) الأنفال24
والحياة هنا أعم مطلقا من كل مانحسه ونعيشه عيانا وذهنا
إذ أنّها تتجلى عند المعصوم:عليه السلام: بصورة قد لا تشبه في ملامحها ما ندركه نحن خاصة.
لذا قال الإمام علي بن أبي طالب :عليه السلام:
في قولته الشهيرة
: الموتُ في حياتكم مقهورين
والحياةُ في موتكم قاهرين :
:نهج البلاغة:صبحي الصالح:خ51:
فالحياة الحقيقيّة التي أرادها اللهُ تعالى لنا والمعصوم:ع:من بعده
هي حياة تقوم على أساس قهر الآخر من النفس الآمّارة بالسوء
إلى العدو
والذي قد يتمثّل اليوم بسلوك أو فكر أو ثقافة أو إنسان منحرف.
وهنا يجب علينا كمؤمنين بالإمام الحسين:عليه السلام:
أن نجد في أنفسنا ومجتمعنا ما نوجده إنفعالاً أو إمتثالا
في الشعائر الحسينية .
من ممارسات كالبكاء مثلاً
حيثُ أنه ممكن أن يكون نقطة إصلاح وعودة إلى الفطرة والأنسنة واللطف .
وتجنباً للقسوة قسوة السلوك والقلب والموقف.
وكذا ممارسة الزيارة والمشي إلى المعصوم :عليه السلام:
فهي الآخرى ممكن أن تجسّد طريقاً في التوبة والرجوع إلى المعصوم إعتقاداً وتأسيّأ.
وكل شعيرة شعيرة يمكن لها أن تنعكس تطبيقا صالحا
إلى واقع ينتظرنا أو ننتظره .
إذ المهم في تعاطينا مع ما نعتقد به من حقّانية وهدفيّة النهضة الحسينية
هو إنتهاج نهج المُعاصرة والتوظيف والإعتبار.
وهذا هو الحل والجواب الذي كان قد إنتظره وينتظره
الإمام الحسين :عليه السلام:
منّا
في وقتٍ قد طرح فيه تنبيهاته و إستفهاماته المفتوحة تقريرا وبيانا.
كقوله :عليه السلام:
: ألا ترون إلى الحق لايُعمل به
وإلى الباطل لايُتناهى عنه :
أو كقوله :عليه السلام:
: إنَّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان
وتركوا طاعة الرحمن
وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفئ
وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله :
:تأريخ الطبري:ج4:ص304:
إنَّ الذي يُريد أن يكون إنساناً حسينياً بمعنى الكلمة ولو بالمقدور
عليه أن يجد حلاّ وجوابا لكل إستفهام أو تنبيه نبّه عليه
الإمام الحسين:ع:
وهذا الحل والجواب ممكن أن يجده الجاد والصادق في العمل بالحق وإجتناب الباطل
وعدم طاعة الشيطان
والإلتزام بطاعة الله تعالى ورسوله :ص: والمعصومين
:عليهم السلام:من بعده
ودفع الفساد عن ذاته ومجتمعه ما أستطاع إلى ذلك سبيلا
والعمل بأحكام شريعة الإسلام .
والتعبُّد بحلال الله وتجنب حرامه .
هذا وأجدّر بنا أن ننتبه إلى عقيدتنا بالإمام المهدي :عليه السلام:
إذ أنها العقيدة المُعاصرة والحقّة
حيث يجب أن ندرك قيمة وحكمة ما نعتقد به إيمانا وإنتظارا.
وهذا الإنتباه الجدير يتلخّص في ضرورة المعرفة والإعداد لكل توقع مُحتمل تحققه .
وأعني إمكان ظهور وقيام الإمام المهدي :عليه السلام:
وبإذن الله تعالى ليبسط العدل والحق والدين والنظام والأمن والصلاح والإصلاح تطبيقا في الأرض مطلقا .
فمن جملة ما يجب أن نستقيه من نهضة الإمام الحسين :ع:
هو تحديد الموقف الناصر و الصالح تجاه إمام الزمان المهدي
:عجّلَ اللهُ تعالى فرجه الشريف:
ذلك كون الخذلان للمعصوم كان السمة البارزة في صلب أحداث النهضة آنذاك .
هذا ما صرّح به الإمام الحسين :عليه السلام:
في قولاته الشريفة.
: إلا إنِّي زاحفٌ بهذه الأسرة مع قلة العدد وكثرة العدو
وخذلة الناصر:
:مثير الأحزان:ابن نما الحلي :ص40:
من هنا يكون الخروج بنتيجة من تطبيق الشعائر الحسينية
إلى التطبيق الحياتي
هدفاً حسينياً يؤسِّس في إمكانه الوقوعي والفعلي
لكل ما يصب في التمهيد والتعجيل لفرج إمامنا المهدي:عليه السلام:
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف
1 التعليقات:
س: كيف يمكن أن نوظِّف الشعيرة الحسينيَّة في خدمة التمهيد للإمام المهدي
:عليه السلام: ومشروعه الحق ؟
:الجواب:
=====
واقعاً أنَّ كل فعل أوأي سلوك عقلائي أو حتى شرعي يتوفَّر في دوافعه على غاية وهدف ونتيجة يُتحَرّك بإتجاهها إراديا وإختياريا
وهذه الغاية أو الهدف لها إرتباط مباشر إما بذات الفاعل والممارس للسلوك
أو لها إرتباط آخر بالمجتمع ومتطلباته البشرية.
بمعنى أنَّ من يُمارس ويُطبِّق الشعيرة الحسينية يجب أن يدرك الدافع والهدف في مجمل نطاق تطبيقه
ولا شك في أنَّ أبرز وأشرف دافع هو إصلاح الذات والمجتمع
بحيث يخرج بمحصلة عمليَّة ذاتية وغيرية يلمسها الجميع وجدانا وعيانا
وإذا توفَّرَ الوعي في حركة المُطبِّق للشعيرة الحسينيّة الهادفة والمُثمرة فما عليه إلاَّ أن يتجه بإتجاه التعاطي المُعاصر مع ذاته ومجتمعه تغييرا وإصلاحا
وهذا هو معنى التوظيف والإعتبار .
ويتجلى التعاطي المُعاصر والتوظيف والإعتبار في صورة إدراك الإنسان المؤمن والمهدوي لكل موقف وحدث مرّتْ به الأمة في تعاطيها
مع إمامها الحسين :عليه السلام: آنذاك:
ويُحاول بل يعمل جاداً على تقويم ما أخفقتْ به الأمة.
من موقف الخذلان والإنهزامية النفسية و التثبّط والتثاقل السلوكي في الكون والإصطفاف العقدي والخارجي مع إمام الزمان آنذاك
وهنا نضع خط وإشارة ومؤشِّر تحت سطر الخذلان و الإنهزاميّة .
ونسعى جاهدين إلى تجاوز هذا النمط من التعاطي مع الإمام المعصوم :عليه السلام:
إلى أن نُحقق في أنفسنا ومجتمعنا ملكة ودافع وقدرة الإنتصار للإمام المهدي:عليه السلام: والكون معه نفسيا وسلوكيا إن أمكن ذلك .
هذا توضيح بصورة عامة
أما بالصورة الخاصة
فمن المعلوم أنَّ أغلب الشعائر الحسنية الحقة والهادفة أسهمتْ في تعزيز وترسيخ الإعتقاد بالإسلام خاصة وبمذهب أهل البيت المعصومين :عليهم السلام:خاصة : وعلى مر التأريخ المنصرم وستبقى هكذا دوماً إن شاء الله تعالى.
حيثُ أنّها إنطلقتْ في تطبيقاتها سلوكا وإعلاما وموقفا وإصلاحا
حتى أنَّ أغلب الثائرين والمصلحين تأريخيا وحديثا قد نهلوا من مبادئ وشعارات الإمام الحسين :ع: ووظفوها في حركاتهم ونجحوا في ذلك
وفيما يخص وقتنا وقت الغيبة الكبرى فيمكن لنا ولكل مؤمن بالإمام المهدي :عليه السلام:
أن يجد في نهضة الإمام الحسين:ع: و الشعائر الشريفة كل ما يضع الأمة والأفراد في طريق الحق والظفر والصلاح والعدل .
مُستثمرا ومُعتبراً بالموقف ونتيجته إيجابيا .
فإذا كانت الأمة قد خذلتْ إمام زمانها آنذاك فعليها أن تؤمن بالإمام المهدي :ع: إمام الزمان وتستعد لنصرته وتأييده فعليّا.
وإذا كانت الأمة قد خنعت وبايعت الظالم والطاغية والفاسد فعليها أن لاتخنع ولا تبُايع الظالمين والمفسدين في وقتنا المعاصر.
وإذا كانت الأمة أو حتى الأفراد آنذاك قد وقفتْ مُتفرجةً على ما حدث مع الإمام الحسين:ع: وما وقع من بعده من سبي لعياله وأهل بيته
ولم تعترض أو تقف بوجه الظالمين فعلى أمتنا المعاصرة أن تحدد خيارها العقدي والشرعي بوجهه الحق وهو الإعتقاد إمامة الإمام المهدي :ع: وكونه الحق
ويجب الإيمان به كونه يُمثل مشترك عقدي بين كافة المسلمين في الأصل
وإلاَّ أي وإن لم تتمكن الأمة أو حتى الأفراد من توظيف ما يؤمنون به من أهداف النهضة وشعائرها الصالحة
في خدمة القضية المهدوية وإنتظار الإمام المهدي :ع:
فعلى الجميع مراجعة أنفسهم و عقولهم وفهمهم ووعيهم بصورة صحيحة وسليمة وهادفة
وإلى ذلك المغزى أشار القرآن الكريم توظيفياً ونتيجاً في التعاطي مع الشعائر عامة
قال تعالى:
{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }الحج32
(( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ{36}
لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ{37} : الحج:
وتعظيم الشعائر هو الأخذ عمليا بثمارها ومحصلاتها المحسوسة ذاتيا ومجتمعيّاً بحيث تكون عنواناً للتقوى مطلقا
هذا ما يُريده اللهُ تعالى منا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إرسال تعليق