السيدةُ زينب :عليها السلام: الوجهُ الآخر
للإمام الحُسَين :عليه السلام: بعد شهادته
==========================
: الخطاب الرسالي النهضوي وإمتداداته القيَميَّة:
: القسم الثالث :
==================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
لمّا جيء بالسبايا من آل محمد
والرؤوس الشريفة إلى يزيد في الشام
وجعل هذا اللعين ينكت: يضرب:
ثنايا الإمام الحسين
:عليه السلام:
:أي الأسنان الأربعة في مقدّم فيه الشريف :
بقضيب الخيزران وهو يتمثل بأبيات ابن الزبعرى وزاد عليها قائلا:
ليت أشياخي ببدر شهدوا ....... جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا واستهلوا فرحا ..... ثم قالوا يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم:السيدُ المُعَظّمَ: من ساداتهم ..... وعدلناه ببدر فاعتدل
فقامتْ السيدة زينب بنت علي :عليهما السلام:
وقالت :
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله
وآله أجمعين صدق الله كذلك
يقول :
{ثُمَّ كَانَ
عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا
بِهَا يَسْتَهْزِئُون }الروم10
أظننتَ يا يزيد حيث اخذتَ علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نُساق كما تُساق ا لأُسراء أنّ بنا على الله هوانا وبكَ على الله كرامة
فشمختَ بأنفك ونظرتَ إلى عطفك حين رأيتَ الدنيا مُستوثقة
و حين صفا لك ملكنا وسلطاننا
فمهلا مهلا أنسيتَ:
قوله تعالى :
{وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا
نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً
وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ }آل عمران178
ثم تقول غير متأثم :
فأهلوا واستهلوا فرحا ....ثم قالوا يا يزيد لا تشل
مُنحنياً على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب
أهل الجنة
تنكتها بمخصرتك:السوط أو العصا:
وكيف لا تقول ذلك
وقد نكأتَ القرحة
: وهذه مفردة تُقال للعدو في
إرتكابه القتل أو الجرح:
ونكأ :أي قشّرَ الجرح قبل أن يبرأ
واستأصلتَ الشأفة
: وهذه مفردة تُقال لمن حسم الأمر من
أصله:
وإستأصلتَ :أي أزلتَ : والشأفة: هي قرحة تخرج في
القدم:
بإراقتك دماء الذرية الطاهرة
وتهتف بأشياخك
( لتَرِدَنّ موردهم)
وهذه قولة كبيرة المعنى والقيمة
أنزلتها السيدة زينب
:عليها السلام:
صاعقةً على رأس الطاغية يزيد
حيثُ أكّدتْ له بأنّ مصيره النار كمصير
أشياخه من أبي سفيان ومعاوية وهلّم جرا.
والقرآن الكريم أكّدَ أيضا أنّ مصير
الطغاة النار لا مناص من ذلك:
قال تعالى:
((يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ))هود:98.
وقالتْ :عليها السلام :
أللّهُمّ خُذ بحقنا وانتقم لنا من ظالمنا
فما فرَيتَ إلاّ جلدك :أي:
قطّعتَ جلدكَ بنفسك حيثُ سيُدخِلكَ
الله النار
ولا حززتَ : أي ولا قطّعتَ: إلا لحمك بئس للظالمين بدلا
وما ربك بظلام للعبيد
فإلى الله المشتكى وعليه المُتكل
فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تُميتَ وحينا
والحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة ولآخرنا
بالشهادة ويحسن علينا الخلافة انه رحيم ودود
فقال يزيد
يا صيحة تحمد من صوائح ... ما أهون الموت على النوائح
: مُثير الأحزان: ابن نما الحلي:ص81.
وينبغي الوقوف عند القول الذي قالتْه السيدة زينب
:عليها السلام:
لطاغية بني أمية يزيد اللعين:
: فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تُميتَ وحينا
والحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة ولآخرنا
بالشهادة ويحسن علينا الخلافة انه رحيم ودود :
إذ كان منهج محو ذكر أهل البيت المعصومين:عليهم السلام:
وإماتة وحي نبينا محمد:صلى الله عليه وآله وسلم:
من أبرز
مقاصد الطاغية يزيد ونظامه
لذا سعى
لعنه الله تعالى إلى التخلص من
الإمام الحسين:ع:بأبشع الصور
توهماً منه بمحيّ ذكر أهل البيت المعصومين وإنهاء أثر الوحي والنبوة بمجرد قتل الإمام
الحسين:ع:
وهذا ماصرّح به يزيد علنا حينما قال مُترنما:
لَعِبَتْ هاشمُ بالمُلك ... فلا خبرٌ جاءَ
ولا وحيٌ نزل
لستُ من خندفٍ إن لم أنتقم ... من بني أحمد
ما كان فعل
البداية والنهاية: ابن كثير:ج 8 :ص:192 :
ومن هنا أكّدت السيدة زينب :ع:
على إستحالة مَحي ذكر أهل البيت
المعصومين
وإماتة الوحي سيَّما
وأنها أقسمتْ بالله تعالى وهو قسمٌ عظيم.
ونحن اليوم وبعد أكثر من ثلاثة عشر قرنا نعيش
ذكر آل محمد المعصومين وننهل من علومهم ومعرفتهم ومنهاجهم .
فإذاً الخلود والبقاء لذكر أهل البيت هو أمرٌ رباني
لن
تتمكن يد أي طاغية من إزالته أبدا.
وهذه سنّة إلهية جرتْ وتجري ولن تجد
لها تحويلا أو تبديلا.
فأل محمد :عليهم السلام:
قد مضوا بين مقتول ومسموم فنالوا بذلك
السعادة الحقيقية والشهادة في سبيل الله تعالى.
وهذا المعنى هو ما ختمتْ به السيدة
زينب كلامها في هذه الرواية :
: والحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة
ولآخرنا بالشهادة ويحسن علينا الخلافة انه رحيم ودود :
وفي رواية أخرى:قالتْ:عليها السلام:
مُخاطبةً الطاغيّة اللعين يزيد
: أمنَ العدلِ يا ابن الطلقاء:أبو سفيان ومعاوية:
: والطلقاء :هم
الذين خَلَّى عنهم الرسول الأكرم محمد:ص: يوم فتح مكة وأَطْلَقَهم فلم
يَسْتَرِقَّهم
واحدهم طَلِيق وهو الأَسِير إِذا أُطْلِق سبيله:
تخديرك حرائرك: نسائك: وإمائك:جواريك:
والخدر :هو الستر: بمعنى أنّكَ تجعل لنسائك سترا
في مجلسك لكي لايراهنّ أحد:
وسوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن
وأبديت وجوههن
تحدو بهن الأعداء
أي: يزجرها ويسوقها الأعداء من خلفها:
من بلد إلى بلد
ويستشرفهنّ:أي يتعرَّض لهنّ بالنظر:
أهل المناهل:أي الذين يسكنون قرب الماء:
والمناقل :وهم المتحولون في سكناهم دائما :أي: البدو:
ويتصفح وجوههن القريب والبعيد ، والدني والشريف
ليس معهن من رجالهن ولي ، ولا من حماتهن
حمي ؟
وكيف يُرتجى مُراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء
: إشارة منها:عليها السلام:
إلى جدة يزيد هند زوجة أبي سفيان والتي لاكتْ
كبد الحمزة بن عبد المطلب عم النبي محمد:ص:
يوم شهادته في غزوة أحد سنة 3:للهجرة:
: الإصابةفي تمييز الصحابة:ابن حجر
العسقلاني:ج8:ص68.
ونبتَ لحمه بدماء الشهداء ؟
وكيف يُستبطئ في بغضنا أهل البيت
من نَظرَ إلينا بالشنف : الضغن الشديد:
والشنآن :الكراهية المُستمِرة:
والإحن:الأحقاد في الصدور:
والأضغان:الأحقاد العدائية: ؟
ثم تقول غير مُتأثم ولا مُستعظم :
وأهلوا واستهلوا فرحا .. ثم قالوا يا يزيد لا تشل
مُنحنيا على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب
أهل الجنة ، تنكتها بمخصرتك
وكيف لا تقول ذلك ؟
وقد نكأت القرحة واستأصلت الشأفة ، بإراقتك
دماء ذرية محمد صلى الله عليه وآله ونجوم الأرض من آل عبد المطلب
وتهتف بأشياخك زعمتَ أنّكٍَ تناديهم فلتردن وشيكا
موردهم ، ولتودّنّ أنّك شُللِتَ وبُكِمتَ
، ولم يكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت
اللهم خذ
بحقنا ، وانتقم من ظالمنا ، وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا
فوالله ما فريت إلا جلدك ، ولا جززت إلا لحمك ، ولتردن
على رسول الله بما تحملت من سفك دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته
، حيث يجمع الله شملهم
ويلم شعثهم ، ويأخذ بحقهم ،
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا
بل أحياء عند ربهم يرزقون
حسبك بالله حاكما ، وبمحمد خصيما وبجبرئيل ظهيرا
، وسيعلم من سوّى لكَ ومكّنك من رقاب المسلمين
، بئس للظالمين بدلا ،
وأيكم شر مكانا وأضعف جندا
ولئن جَرّتْ علي الدواهي مخاطبتك إني لاستصغر قدرك
بمعنى:
ولئن إضطرتني المصائب العظام والتي
أصابتني في قتل الحسين:ع: إلى مخاطبتك
فإني أجلُ وأرفع من أن أُخاطبك ومثلي لايُخاطب
مثلك ولكنها النائبة هي من ألجأتني الى ذلك
ومع هذا فأنا لا أقيمُ لكَ وزنا ولا قدرا
بل على العكس أنا أستصغر شأنك.
:وهذا عين القدرة والإقتدار من السيدة
زينب
وأمام أشدّ طاغية في وقته.
:وأستعظمُ تقريعك:
أي:
وأنا أيضا أستعظم تأنيبك ولومك وتعنيفك
وأراه شيئا عظيما
وهنا عرّضَتْ السيدة زينب :عليها السلام:
بزيد اللعين وجعلته شخصا مَهينا بمعنى أنه حتى
لا يستحق أن يُلام .
: وأستكبرُ توبيخك :
أي:
وأجعلُ
تهديدكَ ولومكَ شيئا كبيرا.
: لكن العيون عَبرى :
:أي:
ساخنة بالحزن دون أن تُنزل الدمع:
: والصدور حرى :
أي:ساخنة بالحرقة والمشقة.
ألا فالعجب
كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء ،
فهذه الأيدي تنطف:تلطخت: من دمائنا
والأفواه تتحلب من لحومنا ،
وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل
:الذئاب الكاسرة:
وتعفوها أمهات الفراعل:الضباع:
: ولئن اتخذتنا مَغنما:
أي:
جعلتنا غنيمة وكأننا أُسارى حرب
: لتجدنا وشيكا مغرما :
أي:
سوف تُحاسب قريبا ونسترد منك ديننا
وحقنا الذي أهدرته بفعلك هذا معنا.
وفعلا لم يمضِ وقتٌ طويل على يزيد بعد
إرتكابه جريمة
قتل الإمام الحسين:ع: وأخوته وأصحابه
حتى هلك مجهولا مُحتقرا
: وكان موت يزيد بن معاوية في شهر ربيع
الأول يوم الخميس لأربع عشرة خلتْ منه وذلك في سنة أربع وستين للهجرة
فكان بين قتل الحسين بن علي بن أبي طالب :ع:
وموت يزيد ثلاث سنين وشهران وأربعة أيام:
: تاريخ مدينة دمشق: ابن عساكر:ج38:ص458.
حين لا تجد إلاَّ ما قدّمتْ وما ربُّكَ بظلام للعبيد
فإلى الله
المشتكى ، وعليه المعول
فكد كيدك
واسع سعيك ، وناصب جهدك
فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا
، ولا تدرك أمدنا
ولا ترحض عنك عارها ،
وهل رأيك إلا فند ، وأيامك إلا عدد ، وجمعك إلا بدد
يوم يناد المناد ألا لعنة الله على الظالمين
فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة ولآخرنا
بالشهادة والرحمة
ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد
ويحسن علينا الخلافة ، إنه رحيم ودود ، وحسبنا الله ونعم الوكيل
:بحار الأنوار: المجلسي:ج45:ص135.
فسلامٌ على السيدة زينب في العالمين
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي:النجف الأشرف:
0 التعليقات:
إرسال تعليق