: السيدةُ زينب :عليها السلام: الوجهُ الآخر للإمام الحُسَين :عليه السلام: بعد شهادته :



 : السيدةُ زينب  :عليها السلام:  الوجهُ الآخر
 للإمام الحُسَين :عليه السلام: بعد شهادته :
==========================
 : الخطاب الرسالي النهضوي وإمتداداته القيمية :
: القسم الأول :
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين

إنّ دراسة  موقف السيدة زينب :ع:  بعد شهادة
 الإمام الحسين:ع:  يتطلّب الفحص والقراءة الدقيقة

 لكل سلوك مارسته   مع ما تبقى لها من أهل بيتها
وخصوصا ابن أخيها الإمام علي بن الحسين:ع:
 وعائلة الحسين :ع:

وفي كل محل مرّتْ به   في كربلاء أو الكوفة أو الشام.

فالسيدة زينب :ع: بدأ  دورها الريادي والرئيسي فعلاً
  بعد إنتهاء أحداث عاشوراء بلحظات عندما خمدتْ
 نيران مخيم الحسين:ع: وأصحابه.

والملحوظ في سلوكها الخاص والعام أنها   أبدت موازنة قيمية رائعة بين عاطفتها ومصيبتها بأخوتها الحسين والعباس  وغيرهم من أهل بيتها

وبين شجاعتها في إدارة ملف النهضة الحسينية الشريفة وأعني التصدي للخطاب الرسالي الواعي والحكيم في كل موقف مرّت به جغرافياً.

و يتضح موقف السيدة زينب:ع:  جليا  خاصة  عندما تم تسييرهم سبايا من كربلاء الى الكوفة ومنها الى الشام

فأول ما فعل الأعداء المجرمون هو حمل النساء على أقتاب الجمال بغير غطاء
بخلاف ما إعتادت عليه النساء آنذاك في التغطية عند حملهن على الجمال.

ومرّوا بهنّ على جسد الحسين:ع: وأخوته وأصحابه
وهم صرعى.

وهنا تضعُ السيدة زينب:ع بصماتها العاطفية الواعية والإعلاميّة .

فعندما رأتْ  المنظر الفجيع للحسين:ع:
 صاحت:


: يا محمداه صلى عليك مليك السماء هذا حسينٌ مُرملُ بالدماء مقطع الأعضاء
 وبناتك سبايا إلى الله المشتكى والى علي المرتضى والى فاطمة الزهراء والى حمزة سيد الشهداء
هذا حسين بالعراء تسفي عليه الصبا
: أي تمر عليه الريح دون وقاء:
 قتيل أولاد الأدعياء
 وا حزناه وا كرباه
اليوم مات جدي رسول الله يا أصحاب محمداه هذا ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا فأذابت القلوب القاسية والجبال الراسية:
:مُثير الأحزان: ابن نما الحلي : ص59.


إنّ هذا السلوك الصادر من السيدة زينب :ع:
 هو عزاء في صورة خطاب واعي توفر على حقانيتها في ندب الإمام الحسين:ع: والشهداء من أخوته .

وتوفر أيضا على الموازنة القيمية في التعبير عن التفجع على الحسين:ع:
 وفضح الأعداء علنا ووجهً لوجه

إذ أنّ السيدة زينب :ع: بقولها:

: هذا حسين بالعراء تسفي عليه الصبا
  قتيل أولاد الأدعياء
 وا حزناه وا كرباه
اليوم مات جدي رسول الله يا أصحاب محمداه هذا ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا:

أرادت تنبيه الغافلين من معسكر عمر بن سعد والمُغرر بهم في حربهم ضد الإمام الحسين :ع:

فلخصتْ   كلامها بأنّ من قتل الحسين:ع:
 هم أولاد الزنا  في إشارة الى المتواجدين من العسكر وقادتهم
وهذا هو معنى قولها:

: قتيل أولاد الأدعياء:
والعرب توصف المُتَّهم في نسبه بالدعي.

وأكّدتْ على أنّ المُستَهدف حقيقة
هو الرسول الأكرم :ص: وماتبقى له من ذرية طيبة

فجناية الأعداء على الحسين:ع:
 هي جناية على شخص ودين نبينا محمد:ص:

وهذا هو معنى قولها :
: اليوم مات جدي رسول الله يا أصحاب محمداه
 هذه ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا:

والموقف الآخر الذي نقرأ فيه شجاعة وفطنة وقوة
السيدة زينب :ع: ورساليتها القيمية في خطاباتها أينما حلّت.
وأمام أشرس الظالمين.

وهو عندما أدخلوا السبايا والرؤوس الى الكوفة وخرج أهلها للنظر

 عندئذ خطبت السيدة زينب  بنت علي :ع:
 تلك الخطبة البليغة فأعجبتهم ببلاغتها وحيّرتهم بفصاحة منطقها حتى ذكرتهم بأيام أبيها  سيد البلغاء .


: حتى قال بشير بن خزيم الأسدي :

نظرتُ الى السيدة زينب ابنة علي يومئذ
 ولم أرَ خفرة : أي إمرأة جليلة عظيمة الحياء:

والله أنطق منها كأنما تنطق وتفرغ عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب:ع:

 و قال :
 وقد أومأتْ إلى الناس أن اسكتوا ، فإرتدت الأنفاس وسكتت الأصوات

 فقالتْ  :
الحمد لله والصلاة على أبي رسول الله

 أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والخذل

فلا رقأت العبرة :الدمعة:  ولا هدأت الرنة
 أي:فلا رقأت : لاجفت الدمعة .
 ولاهدأت :لا سكنت .
  الرنة :وهي الصوت مع بكاء:

   فما مثلكم إلاّ  كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم


 وهذا إقتباس من قوله تعالى:
 {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }النحل92
أي:
ولا ترجعوا في عهودكم, فيكون مَثَلكم مثل امرأة غزلت غَزْلا وأحكمته, ثم نقضته
  تجعلون أيمانكم التي حلفتموها عند التعاهد خديعة لمن عاهدتموه
 وتنقضون عهدكم إذا وجدتم جماعة أكثر مالاً ومنفعة من الذين عاهدتموهم

 إنما يختبركم الله بما أمركم به من الوفاء بالعهود وما نهاكم عنه مِن نقضها
 وليبيِّن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون في الدنيا من الإيمان بالله ونبوة محمد صلى الله عليه وأله وسلم::.



   ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف ، والصدر الشنف   ؟
:أي:
الصلَف بفتح اللام مصدر بمعنى التملق
 وبكسرها : الذي يكثر مدح نفسه ولا خير عنده .
 والنطف بفتح الطاء : التلطخ بالريب والعار ،
 وبكسرها بمعنى النجس .
 والشنف بفتح المعجمة : العداوة والبغض ، وبكسرها المُبغض :

خوارون   في اللقاء
 :أي: جُبناء عند لقاء الرجال: وخوارون جمع خوار:أي جبان:


، عاجزون عن الأعداء ،
 ناكثون للبيعة ، مضيعون للذمة ،
 فبئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم ، وفي العذاب أنتم خالدون .

 أتبكون ؟ !
إي والله فابكوا كثيرا ، واضحكوا قليلا

فلقد فزتم بعارها وشنارها ، ولن تغسلوا دنسها عنكم أبدا .

وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم الرسالة ،
 وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ خيرتكم ، ومفزع نازلتكم ، وأمارة محجتكم ، ومدرجة حجتكم
  خذلتم ، وله فتلتم   ؟ !

 ألا ساء ما تزرون ، فتعسا ونكسا ، فلقد خاب السعي ، وتربت الأيدي  
 ، وخسرت الصفقة ، وبُؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة .

 ويلكم أتدرون أي كبد لمحمد فريتم
أي: أي كبدٍ لمحمد:ص: فتتتم بالغم والأذى

، وأي دم له سفكتم ، وأي كريمة له أصبتم   ؟

  : أي جارحة للحسين:ع: تجاوزتم عليها بضربها بالسيف  أو النبل أو بالسحق على جسده الشريف بحوافر الخيل ظلما وعدوانا:

 لقد جئتم شيئا إدا ، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا  

: وهذا القول إقتباسٌ من قوله تعالى:
في سورة مريم:
((لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً{89}
 تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً))90 .

أي:لقد جئتم شيئا إدّا: مُنكرا: عظيما بقتلكم الإمام الحسين:ع:

بحيث تكاد السموات يتشقَّقْنَ مِن فظاعة ذلكم الفعل الشنيع وهو قتل الحسين:ع:
 وتتصدع الأرض, وتسقط الجبال سقوطًا شديدًا غضبًا لله :

 ولقد أتيتم بها  خرقاء شوهاء طلاع الأرض والسماء  
 أفعجبتم أن قطرت السماء دما ؟
:أي:
والضمير في قولها :عليها السلام :
  ( أتيتم بها  )
 راجع إلى الفعلة القبيحة ، والقضية الشنيعة التي أتوا بها  
وهي قتل الحسين  وأخوته وأصحابه وسبي النساء الشريفات.
والخرقاء :أي: الحمقاء ، أو من الخرق ضد الرفق . والشوهاء :أي: القبيحة .
 وطلاع الأرض بالكسر : ملؤها  

ولعذاب الآخرة أخزى
فلا يستخفنكم المهل
: بمعنى لا تستخفوا ببطء نزول العذاب عليكم من الله تعالى:

  فإنه لا يحفزه البدار  
:أي:لايستعجل في فعله فالله يمهل ولا يهمل:

 ولا يخاف عليه فوت الثار
كلا إنّ ربك لبالمرصاد .
 قال الرواي : ثم سكتتْ :عليها السلام:    
 : الأمالي: المفيد : ص323.


وهذا النص الشريف من لدن السيدة زينب:ع:
 يضع القارىء له على ضفاف الحقيقة التأريخية التي حدثت آنذاك

حيثُ كشفت السيدة زينب:ع:
عن مساؤى وسلبيات المجتمع آنذاك وما وصل إليه الحال في خذلانه لإمام وقته الحسين :ع:
والتخلف الفعلي عن نصرته ضد الطاغية يزيد اللعين

فلا الندم ينفع ولا البكاء الأجوف الذي شابه بوجه ما دموع التماسيح .

فخذلان الإمام المعصوم وهو الحسين:ع:
 يمثلُ عملاً جباناً لاينبغي صدوره من مسلم أو مؤمن على أي حال كان؟

 هذا ما بينته السيدة زينب:عليها السلام:
 حيثُ إشتدّت في توبيخها لما يُسمى بالرجال آنذاك ووصفتهم:

ب( خوارون   في اللقاء)

 :أي: جُبناء عند لقاء الرجال:
 وخوارون جمع خوار
:أي رجل جبان:

وهذا النص واقعاً يضعنا في يومنا هذا في مركز الوعي العمودي والأفقي مع الله تعالى والمجتمع.

فالتعاطف الوجداني لاخير فيه ما لم يُسجّل صاحبه معه موقفا خارجا وعلى الأرض مع إمام وقته آنذاك الحسين:ع:
 وفي يومنا هذا
مع إمامنا المهدي :عجّلَ اللهُ تعالى فرجه الشريف :


بإعتبار أنّ السيدة زينب :ع:
 كانت تؤسس في خطاباتها للحق والعدل والإصلاح
 وما تبنته نهضة الإمام الحسين :ع: قيميّا .

إذ السيدة زينب:ع: عملتْ على إكمال ما بدأ به
الإمام الحسين:ع:
في نهضته الشريفة نهضة إسترجاع الدين الحق والمنهج القويم

 وهي كانتْ تُخطط في ذهنها الشريف لإبقاء إمتداد نهضة الحسين:ع:
 ولوبالحد الممكن عرفا آنذاك
 هذا ما تجلى في إصرارها الخطابي الرسالي وببياناتها القوية بلاغيا وقيميا

حيثُ أنها ما تركتْ فرصة إلاّ وبيّنتْ فيها ظلم الظالمين وعدوانهم على آل محمد :عليهم السلام:

فكانت :عليها السلام:
 بحق مصداقاً لقول جدها رسول  الله :ص:

: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر:
: مسند أحمد بن حنبل:ج4: ص315.



فسلامٌ على الإمام الحسين و السيدة زينب في العالمين

والسلام عليكم ورحمة  الله  وبركاته

مرتضى علي الحلي  : النجف الأشرف :


شاركه على جوجل بلس

عن مرتضى علي الحلي

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات: