{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56
============================== =
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
قال تعالى
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56
إنَّ العبادة تعني بمفهومها الصحيح هي إنقياد العبد لربه خالقه وموجده إنقيادا ذهنيا وعمليا
ويُترجم ذلك الإنقياد بسلوكيات ترضي ربه تعالى
كإمتثاله لإوامره سبحانه وإنتهائه عن نواهيه عز وجل
والعبادة مفهوم اشمل وأعم من الطاعة لله تعالى في أوامره والإنتهاء عن نواهيه
فهي تعني الخضوع الجانحي (العقلي والقلبي)
والخضوع الجارحي (السلوكي الخارجي)
والعبادة لايستحقها إلاّ الله تعالى فهو المستحق الحقيقي للتقديس والتعبد له سبحانه
أما غيره فيستحق منا الطاعة لا العبادة
كطاعة النبي محمد :ص:
وطاعة الأئمة المعصومين :ع:
وطاعة الوالدين في رضا الله تعالى.
فلذا ركز القرآن الكريم على ضرورة حصر العباده به سبحانه لاغير
ومن هنا نحن نعترف بهذا يوميا في صلواتنا الخمسة بقولنا في سورة الحمد
((إيّاكَ نعبدُ وإيّاكَ نستعين))
لاحظوا كيف أنّ العبادة تنحصر بالمنعم الحقيقي والخالق الكريم الله تعالى لاغير
وكذا يتبع عبادته تعالى الإستعانة به بمعنى التوكل عليه في إنجاز امورنا الوجودية في الحياة الدنيا
وهنا أيضا نُسجّل نقطة وعي في مفهوم العبادة وكونها حقاً لله تعالى مُلزمون بها نحن البشر كافة
وهي أنْ لا نخضع لغير الله تعالى في صورة التعاطي في هذه الحياة مع أي كائن كان بشرا أو غيره
وخاصة في الصورة التي لاتُرضيه سبحانه من الظلم وقبائح الأمور
وهذا هو معنى التوحيد لله تعالى والإخلاص له
إذ أنّكَ بعبادتك وإنقيادك نفسيا
وسلوكياً لربك فحسب لاغير تكون قد وحدته وأخلصتَ له العبادة سبحانه
وللعلم إنَّ كلَّ حقٍ لله تعالى ينبثق عن حق عبادته تعالى على البشر
فحق الطاعة مثلا هو حق متفرع عن أصل عبادته تعالى
فالعبد مالم يعتقد بوجود الله تعالى وفضله في خلقه وإنعامه عليه لايطيعه يقينا
لذا نلحظ القرآن الكريم قد طالب الإنسان المسلم أولاً بالتوحيد لله تعالى ثم طاعته وهذا امر معلوم للجميع
ذلك أنَّ الدين الإسلامي هو منظومة عَقديَّة وتشريعية تُطالب الإنسان المسلم بأن يتيقن بوجود الله ويوحده أولاً.
ويعترف بنبوة الأنبياء وأفضلهم نبينا محمد:ص:
والأئمة المعصومين الأثني عشر:عليهم السلام:
ويذعن بعدل الله وجزاءه من الثواب والعقاب بعد المعاد وقيام الناس لرب العالمين.
فالعبادة تدخل في منظومة العقديات الحقة(اصول الدين الإسلامي الخمسة)
واما الطاعة فتدخل في منظومة التشريعات الإلهية من عبادات ومعاملات :
وطاعة الله تعالى هو حق مُؤسَّس له قرآنيا وعقلانيا
والقرآن الكريم أرشد إلى ضرورة طاعة الله تعالى وطاعة أوليائه المتفرعة عن طاعته سبحانه
فقال تعالى:
{قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }آل عمران32
وقال تعالى أيضا:
{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }النور54
فالأية الأولى خاطبت عموم البشر في إطلاقها النصي ووصمت من يعرض عن هذا الحق بالكافر والمبغوض عند الله تعالى
وأما الأية الثانية فهي أيضا عامة وشاملة لكل جيل بشري
وفي أي زمان ومكان
لأنّ خطابات القرآن الكريم وخاصة النصوص العقدية هي خطابات وجودية حقيقية وليست خارجية تحيثت بحيثية الزمان والمكان تأريخيا
مثلما يُريدُ أعداء الإسلام أن يُصوروا ذلك
فالله هو الله سرمدي وأزلي ومنعم حقيقي فله حقوقه وعلينا إدراكها وتقدسيها وعدم إنتهاكها عمليا
ومن حق الطاعة لله تعالى وبمقتضى أدب العبودية معه سبحانه وبمقتضى حق
إحترام المولى الحقيقي الله تعالى يلزم على العبد المسلم شكره سبحانه شكرا لفظيا وقلبيا
إذ أنه تعالى منعم جواد وهب الإنسان وجودا لم يكن متلبس به فأخرجه سبحانه من العدم إلى الوجود
فقال تعالى مذكرا البشر بتلك النعمة
{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً }الإنسان1
وهذه (هل )تُفيد معنى التحقيق أي بمثابة:: قد أتى على الإنسان حين من الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً
فإذن الشكرهو حق لله تعالى علينا يجب إداركه وتطبيقه مصداقيا في حياتنا
ومعنى الشكر لله تعالى هو عُرفان نعمة المنعم وهو الله تعالى وشكره عليها
ولانعمة أفضل من نعمة إيجاده تعالى لنا بعد ما كنا نسيا منسيا
والشكر هو ايضا امروجودي يدركه العقل ويحث عليه الشرع ويحسه الضمير والوجدان الأخلاقي البشري تجاه من أحسن إلينا بتفضله وتكرمه علينا
والقرآن الكريم ايضا أسس لهذا الحق الإلهي نصيا
فقال تعالى:
{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }الضحى11
وهذه الآية صريحة بلزوم شكر المنعم الحقيقي وهو الله تعالى وترجمان شكر نعمه عمليا على الذات والمجتمع عامة
وقد سُئِلَ الإمام جعفر الصادق:ع: عن معنى هذه الآية الشريفة
فقال:ع:
((الذي انعم عليك بما فضلك وأعطاك واحنَّ إليك
ثم قال:ع: فحدّث ببذله وما اعطى الله وما انعم به عليك))
: الكافي:الكليني:ج2:ص94.
والشكر فيه لزوم الزيادة والمردود الإيجابي على الشاكر من لدن المشكور وهو الله تعالى في المقام
فقد قال تعالى:
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }إبراهيم7
وتأذَّنَ ربكم :بمعنى حكم وأخبر بإذنه في زيادة العبد إذا شكره وتعذيبه إذا كفر أي أنكر نعم الله عليه .
وبعد هذه الوقفة الوجيزة جدا يتبين أنّ العبد المسلم إذا أذعن لربه وعبده وأطاعه وشكره فيبقى عليه التوكل وجوديا على الله تعالى في كل أموره
والتوكل على الله هو حقُ محفوظ له تعالى ولاينبغي للإنسان الغفلة عنه
فكثيرا ما لانتوكل عليه واقعا فلا تٌقضى حوائجنا لأنّا تو كلنا على من لاحول ولا قوة له من البشر
وسبحانه يقول مؤكّداً هذه الحقيقة:
{ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً }الطلاق3
بمعنى كافيه ومنجز مايطلبه من ربه .
والتوكل حقيقة هو المائز الصفتي للمؤمنين من غيرهم
فيقول الله تعالى:
((وعلى الله فليتوكل المؤمنون)): آل عمران:16.
فلنعتمد على الله تعالى في كل الأمور
حتى يكون تعالى حسبنا فهو نعم المولى ونعم النصير
وفي هذا المجال يقول الإمام علي:ع: في وصيته إلى ولده الإمام الحسن:ع:
((وألجىءنفسك في الأمور كلها إلى إلهك فإنّكَ تُلجئها إلى كهفٍ حريز ومانع عزيز))
: الوافي في شرح الكافي :المازندراني: ج3:ص56.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي: النجف الأشرف
عن مرتضى علي الحلي
0 التعليقات:
إرسال تعليق