: تَأَلِّمُ وتَأذِّي النبيِّ الأكرَمِ
والأئمةِ الأطهارِ والعُلماءِ الأبرَارِ مِن عدمِ استجابةِ الأُمّةِ للحَقّ ودعوتِهم
للإيمان والهُدَى إشفاقاً عليهم ورحمةً بهم:
قال اللهُ تباركَ وتعالى:
((لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ
(3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ
لَهَا خَاضِعِينَ (4)))
الشعراء.
:1: في هذه الآية الشريفة قد ذكرَ اللهُ سبحانه أعظمَ
الصفاتِ وأبرزَها في شخصِ النبي الأكرم مُحَمّد(صلّى اللهُ عليه وآله وسلّم) ، وهي
رحمته وشفقته وتألّمه وإهلاك نفسه غَمّاً وتحمّل الأذى من أجل هداية النّاس
واستقامتهم على جادة الحقّ إيماناً وسلوكا.
:2: إنَّ وظيفةَ النبيِّ الأعظمِ وجميعِ الأنبياء هو
تبليغُ الرسالة وبيان طريق الحقّ والهُدى إتماماً للحجّة الإلهيّة وإيصالاً
للمطلوب في رحلتنا الأبديّة إلى الدار الآخرة.
:3: تركيز الآية المباركة على بيان هذه الصفة (بَاخِعٌ
نَفْسَكَ) في شخصيّة النبي الأكرم ، وهو عظيمٌ في جميع صفاته الشريفة – إنّما هو
لأهمّيتها ولِما يرتبط بها من فائدة مترتّبة عليها – ومعنى هذه الصفة أنّك قد تهلك
نفسكَ وتقتلها بالاغتمام والتألّم لعدم استجابة القوم لدعوتكَ إيّاهم إلى الإيمان
والهُدى .
:4: ومقتضى الوضع الطبيعي أنَّ النبيّ أدّى ما جاء به
من رسالة تبليغاً ودعوةً ، وله أن يكتفي بذلك ، ولكّنه مع ذلك قد أجهدَ نفسَه
الزكيّةَ من أجل أن يؤمنَ قومُه ويستجيبوا لدعوته – وما هذا إلّا رحمة بهم
وإشفاقاً عليهم ، لأنّه يعلم ما سيحلّ بهم وما سيجري عليهم مُستقبلاُ ومصيرا.
:5: إنَّ تأسّف النبيّ الأكرم على ابتعاد قومه عن
الحقّ وعدم استجابتهم ناشئ من عظيم صفاته الأخلاقيّة والأدبيّة ، وهو قد تحمّل
الأذى الكبير من أجل أن يهتدي النّاس – ولذا ما ذكرته الآية الكريمة هو نوع تسليّة
وإشفاق بالنبي الذي أهلك نفسه وأتعبها من أجلهم.
:6: ومع عدم استجابة القوم لدعوة النبيّ الأكرم
وإعراضهم عنه – فإنَّ اللهَ قادرٌ كما في قوله سبحانه : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ
مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4))) – بحيث
يجعلهم يؤمنون بنزول آيةٍ من السماء لا يقدرون على تكذيبها ويخضعون لها أذلّةً
خاسئين.
:7: إنَّ غلبةَ الهوى والشيطان والمصالح الشخصيّة
وحميّة الجاهليّة هي من تمنع من استجابة القوم للنبيّ والأئمة والعلماء – وهي من
تجعلهم بعيدين عن الحقّ وأهله ، وهم يعرفونه ولكن ينكرونه استكباراً وغرورا .
:8: دعوة الحقّ والإيمان بها تحتاجُ لآذان صاغية وقلوب
واعية حتى يتوفّق الإنسانُ لسماعها والأخذ بها والاهتداء إليها فكراً وطريقا.
:9: من الضروري تربية النفس تربيةً واقعيّةً على قبول
الحقّ والإيمان به والابتعاد عن العصبيّة القوميّة والمناطقيّة وغيرها وعدم
الانسياق وراء الرغبات والمهلكات.
______________________________________________
أهمُّ مَضَامِين خطبةِ الجُمعَةِ الأولى التي ألقاهَا سماحة
السيِّد أحمَد الصافي ، دام عزّه ،الوكيل الشرعي للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ العُليا الشَريفةِ
في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس اليوم, الثاني عشر من جمادى الآخرة 1441 هجري - السابع من شباط 2020م .
______________________________________________
تدوين – مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشرَف .
0 التعليقات:
إرسال تعليق