:: مع الأسف نحن ألآن نعيشُ مرحلةَ آثارِ أعمالِنا التي خالفنا
اللهَ تبارك وتعالى فيها – وإنَّ كثيراً مِن مشاكلنا الاجتماعيّة والسياسيّة
والاقتصاديّة لها ارتباط بأعمال العباد- (( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ
بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ
يَرْجِعُونَ (41))) ، الروم.
وكلّما كثُرَت الفحشاءُ كلّما كثُرَت البلايا والرزايا –
وكلّما ابتعدَ الناسُ عنها كلّما قَرُبَ منهم الفرج :
قَالَ أميرُ
المؤمنين ( صلوات الله وسلامه عليه) :- ( الْفَقِيه كُلُّ الْفَقِيه مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ
النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّه - ولَمْ يُؤْيِسْهُمْ مِنْ رَوْحِ اللَّه ولَمْ يُؤْمِنْهُمْ
مِنْ مَكْرِ اللَّه)
: نهج البلاغة ، ت ،د، صبحي الصالح ، ص 484.
:1:- لقد اعتمدَ أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيان
مقولته القيميّة هذه على أسلوب اللغة العربية البليغة ، والتي هي قادرة على
التعبير عن مقاصد النفس بشكل غريب ولذيذ – وممّا يؤسف له أنّنا قد ابتعدنا عن
لغتنا العربية الفصحى ، ولولا القرآن الكريم لكنّا نتحدّث بغير لغة – وقد اكتسحت
اللغة العاميّة الساحة بشكل كبير.
:2:- من الضروري مُراعاة استعمال اللغة العربية لأنّها
تمثّل جزءاً مهمّاً من ثقافتنا وفيها أساليب بلاغيّة تمكّننا من معرفة كلام الله
تعالى والمعصومين ، عليهم السلام، كأساليب الجناس والطباق والمقابلة في هذا النص
القويم لأمير المؤمنين.
:3:- لقد قدّم أمير المؤمنين ( عليه السلام) ثلاثة
مصطلحات في مقولته هذه ، ولكلّ منها دلالته وأغراضه – وهي – رحمة الله – روح الله –
مكر الله – بقصد ضرورة أن يكون المؤمن في توازن بين الخوف والرجاء نفساً ومصيرا.
:4:- قال: (الْفَقِيه كُلُّ الْفَقِيه مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ
النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّه ):- والقنوط – هو حصول حالة من اليأس والإحباط
والشعور بعدم التغيير للحال عندما يرتكب الإنسانُ ذنوباً أو يُطوّق بمشاكلَ يتصوّر
أن لا مَخرج منها ولا فرج – وهذا أمر غير صحيح ،
فالإنسان وإن أذنب فرحمة الله تعالى أوسع من كلّ شيء وستشمله إذا تاب ورجع وصحّح
علاقته بربّه وشعر بالحاجة الحقيقيّة إليه.
:5:- إنَّ الشعور بالشمول برحمة الله تعالى ، والأمل بها
أملٌ ممدوحٌ يعطي للإنسان قوّةً معنويّةً تزيده إصراراً على تجاوز المشكلات وعدم
اليأس – والوقوع في مشكلة معيّنة ليس نهاية الطريق ، بل يمكن تجاوزها والاستفادة
منها في تصحيح المسار.
:6:- في منظومتنا الاعتقاديّة والأخلاقيّة والفكريّة
أنَّ رحمة الله وسعت كلّ شيءٍ ، فلا بُدّ من إبقاء عُرى التوحيد بين الإنسان وبين
ربّه.
:7:- وقال: عليه السلام(ولَمْ يُؤْيِسْهُمْ مِنْ رَوْحِ اللَّه
) :- إنَّ اليأس من روح الله يُعتبَر من الآثام الكبيرة ، لأنَّ اليأس يعني عدم
الشعور بإمكان الشمول برحمة الله ومغفرته وعفوه ، والحال أنَّ رحمته هي أوسع حتى
من الذنوب التي يرتكبها الإنسان.
:8:- ثم قال: (ولَمْ يُؤْمِنْهُمْ مِنْ مَكْرِ اللَّه):-
ومعنى المكر هو محاولة الخداع باستعمال
الحيلة ، كأن يصوّر الإنسان المذنب حليّة الربا لنفسه ، وهو حرام شرعاً ، ويقيسه
على البيع باعتبارهما يُحصّلان الربح والفائدة ، وهو في الحقيقة يخدع نفسَه ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) أي تاركهم
ليوم يلقونه ويحاسبهم حساباً شديداً .
:9:- وفي حال ارتكاب الإنسان للذنوب والمعاصي ، فلا
ينبغي به أن يأمن من مكر الله وعذابه في الدنيا وفي الآخرة ، ولا أن يتّهم الفقيه
الذي يُحرّم الربا مثلاً بأنَّ هذا الأمر قديم ، والحياة قد تغيّرت ويهزأ بالتكليف
الشرعي، وهو في الواقع يأكل مالاً حراماً وناراً وباطلا.
_____________________________________________
أهمُّ مَضَامِين خطبةِ الجُمعَةِ الأولى ،التي ألقاهَا سماحة
السيّد أحمَد الصافي ، دام عِزّه, الوكيل الشرعي للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ العُليا الشَريفةِ
في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس ,اليوم ، الثاني
والعشرين من ذي القعدة الحرام
1440 هجري , السادس
والعشرين من تموز 2019م . ______________________________________________
تدوين – مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشرَفُ .
0 التعليقات:
إرسال تعليق