" إنَّ اتّصافَ المؤمن الحقيقي بالخوف
من اللهِ سبحانه يجب أن يتجذّرَ في قلبِه و يظهَرَ في أفعالِه وسُلوكِه ، بخلاف
مُدّعي الإيمان والخوف السطحي ، والذي لم يتجذّر في قلبه ولم يَظهر في سُلُوكه
"
:1:- في وصيّته لنا جميعاً ، والتي هي وصيّةٌ باقيّةٌ
ما بقيَ الدهرُ والزمان – قال : الإمامُ جعفرُ الصادق ، عليه السلام ، مُوصيَاً
أحد أصحابه : (يا ابن جندب إنّما المؤمنون الذين يَخافون اللهَ ، ويشفقون أن يُسلَبُوا
ما أُعطوا مِن الهُدى ، فإذا ذكروا اللهَ ونعماءه وجلوا وأشفقوا ، وإذا تُليَت عليهم
آياتُه زادتهم إيماناً مما أظهره من نفاذ قدرته ، وعلى ربّهم يتوكلون )
: بحار الأنوار ، المجلسي ، ج 75 ، ص280.
:2:- في هذه الوصيّة القيّمَة والهادفة في بناء شخصيّة
المؤمن الحقيقيّة وفق مواصفات واقعيّة وعمليّة تظهرُ آثارها في السلوك والتصرّفات
بعد أن تتجذّر في القلب والوجدان – يُقدّمُ الإمام الصادق أوصافاً للمؤمنين حقيقةً
، يمكن على ضوئها أن نعرفَ أنفسنا وعلى أي نوع من الخوف هيّ ، ولنراجعها ونرتقي
بها مراتباً وتطبيقا.
:3:- إنَّ
مراتب الخوف من الله سبحانه على أنواع ، وتأتّى من أمور مهمّة جِدّا ، وهي:
: الأمر الأوّل : - إنَّ أساس الخوف من اللهِ سبحانه
يتأتّى من معرفته وإدراكه عقلاً ووجداناً والإيمان به قلباً والتسليم له عملا ،
قال تعالى :(( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ
اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28))) فاطر . – وفي الرواية عن الإمام الصادق ، عليه
السلام ، أنّه قال : ( ومَن كان بالله عارفاً ، كان مِن الله خائفا وإليه راجيا .......)
: بحار الأنوار ، المجلسي ، ج 67 ، ص391.
وعلينا أن نتدبّر في القرآن الكريم والذي بيّنَ قدرةَ
اللهِ وعظيمَ صنعه ، وكذلك في دعاء كُميل (وبقوتك التي قهرت بها كُلَّ شيء وخضع لها
كلُّ شيء، وذلّ لها كلُّ شيء وبجبروتك ،التي غلبت بها كُلَّ شيء، ....) وفي كلّ ذرّة ذرة من الأرض ومن جسمنا
والتي تجلّت فيها عظمة الله سبحانه – علينا التفكّر في عظمة الكون وعوالمه من
الأفلاك والنباتات وغيرها بعين البصيرة والتعقّل – وهذه الأمور توجب المعرفة
الموصلة للخوف منه جلّ وعلا.
: الأمر الثاني :- الشعور بالرقابة الإلهيّة وإدراك
وجوده وإحاطته بنا وبكلّ شيء نفعله قولاً وفِعلاً وكتابةً ، خيراً وشرّا – قال سبحانه
: ((وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ
الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41))) النازعات.
وجعل هذا الشعور سلوكاً وتطبيقا عمليّا بالامتناع عن
القبيح والحرام.
: الأمر الثالث : - إنَّ الاطّلاع على حالات الأنبياء
والأوصياء والأئمة المعصومين عليهم السلام أجمعين وسير العلماء والمراجع والعارفين
طريقٌ موصلٌ للخوفِ من اللهِ سبحانه ، وقد ورد في مقطع قيّم من دعاء السحر لأبي
حمزة الثمالي عن الإمام علي بن الحُسَين ، عليه السلام ، ما يوجبُ تحصيل الخوف
واستشعاره وتطبيق آثاره واقعاً وسلوكا : (وَمالي لا اَبْكي وَلا أَدْري اِلى ما يَكُونُ
مَصيري، وَأرى نَفْسي تُخادِعُني، وأيّامي تُخاتِلُني، وَقَدْ خَفَقَتْ عِنْدَ رَأسي
اَجْنِحَةُ الْمَوْتِ، فَمالي لا أَبْكي أبْكي، لِخُُروجِ نَفْسي، أَبْكي لِظُلْمَةِ
قَبْري، اَبْكي لِضيقِ لَحَدي، أبكي لِسُؤالِ مُنْكَر وَنَكير اِيّايَ، أبكي لِخُ
رُوجي
مِنْ قَبْري عُرْياناً ذَليلاً حامِلاً ثِقْلي عَلى ظَهْري،)
وليتصوّر كلُّ واحدٍ منّا ذلك إذا خلا بغرفة مُظلِمَة
وتفرّغ لربّه صادقا ، ويعيش هذه الحالات والأحوال التي تنتظره.
:4:- إنَّ الخوفَ يجب أن يكون ممّا مضى ومّما هو آتٍ
في المستقبل ، فلا يأمن أحدنا من مصيره في الهداية والثبات عليها أو مِن سلب
التوفيق منه – فعن الإمام الصادق ، عليه السلام ، (ألا إنَّ المؤمن بعمل بين مَخافتين
: بين أجلٍ قد مضى لا يدري ما اللهُ صانعٌ فيه وبين أجل قد بقي لا يدري ما اللهُ قاضٍ
فيه ، فليأخذ العبدُ المؤمنُ من نفسه لنفسه ومن دنياه لآخرته..... )، وهذا يقتضي
الحذرَ الدائم بالتنبّه واليقظة.
: الكافي ، الكليني ، ج 2 ، ص70 .
:5:- وفي قوله
: عليه السلام ،( ويشفقون أن يُسلبوا ما أُعطوا مِن الهُدى ،):-
يُنبّه إلى
ضرورة تلافي سلب التوفيق من الهُدى – وكثيرٌ من أهل العلم والذكاء والورع فجأةً
وقد يُسلَبوا التوفيق نتيجة الغرور أو الاعتداد بالنفس أو لم يوظّفوا هدايتهم في
طاعة اللهِ سبحانه .
:6:- وكم مرّة نكرّر قوله تعالى (( اهدنا الصراطَ
المستقيم )) يوميّاً في الصلاة – لماذا – إلّا لغرض أنَّ اللهَ يُريدُ أن يُربّينا
ويؤدّبنا بأن لا نطمئن لأنفسنا إلّا بالخوف الراسخ منه وبتوفيقه ثباتاً ومصيرا – (( رَبَّنَا
لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً
إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)((آل عمران.
:7:- مِن صفات المؤمنين حقيقةً وواقعاً (فإذا ذكروا اللهَ
ونعماءه وجلوا وأشفقوا ، وإذا تُليَت عليهم آياتُه زادتهم إيماناً مما أظهره من نفاذ
قدرته ، وعلى ربّهم يتوكلون) :- ينبغي أن
لا ننسى اللهَ ونعمه المتواترة علينا بشكره وتوظيفها في خدمة الآخرين – فهي غير
باقية لنا ، بل هي اختبار وامتحان .
_____________________________________________
أهمّ مَضامين خطبةِ الجُمعَةِ الأولى ،والتي ألقاهَا سَماحةُ
الشيخ عبد المَهدي الكربلائي ، دام عِزّه, الوكيل الشرعي للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ العُليا
الشَريفةِ في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس
,اليوم ، الخامس والعشرين من جمادى الأولى 1440 هجري ، الأوّل من شباط 2019م
. ______________________________________________
تدوين - مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي - النَجَفُ الأشْرَفُ
.
:كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ تبارك وتعالى، رَاجينَ
القَبولَ والنَفعَ العَامَ, ونسألَكم الدُعاءَ .
______________________________________________
0 التعليقات:
إرسال تعليق