""
إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ""
""
تَذْكِرَةٌ ربَّانيَّةٌ روحانيّةٌ قيِّمَةٌ جِدّا "" ذَكَّرَ بها سماحةُ
سيّدنا الأستاذ الفاضل مُحَمّد باقر السيستاني، دامت إفاضاته المُبارَكة ، بمناسبة
ذكرى وفاة السيّدة الجليلة زينب بنت أمير
المؤمنين ، عليها السلام ، والنصف من رجب الأصَبّ وفضيلة الشهور- شهر رجب وشهر شعبان وشهر رمضان .
"
عظّم اللهُ أُجوركم وأُجورنَا بمصابنا بالسيّدة الحوراء زينب ، صلوات اللهِ عليها ،"
:1:- إنَّ
هذا الشهر الشريف ، شهر رجب من الشهور التي خصّها الله سبحانه وتعالى بمزيدٍ من الفضيلة
، فاتحاً فيه - في هذا الشهر أبواب الرحمة والاستجابة والعناية لِمن كان طالباً لها
، وذلك فيما اقتضت حكمته سبحانه وتعالى ،
من التفاضل بين الشهور والأيّام والساعات في السنة
ليكون ذلك حافزاً للإنسان ، وعاملاً تربويّاً على مزيدٍ من الاهتمام والعناية .
:2:- ولو
استوت الأيّام كلّها في الفضيلة لضعفت النيّة ووهنت الإرادة عن أن يُحافظ الإنسان في
جميعها على مستوىٍ واحدٍ ، ومن ثَمَّ ربما يختار المستوى الأدنى في التعامل ، ولو اختار
المستوى الأعلى في جميع الأوقات ربّما كان ذلك خارجاً عن طاقته ولزم من ذلك محاذير
أُشيرَ إليها في الأحاديث ، في باب الرفق بالنفس في العبادة .
:3:- ومن
ثَمّ فاضلَ اللهُ سبحانه وتعالى بين الأوقات ليكون هناك أوقات متميّزة في الرعاية والاهتمام
، ويسعى الإنسان إلى التزوّد في تلك الأوقات بالنفحات التي خُصَّ بها .
:4: -
ومن هذا المنطلق كان الحال في شهور السنة ، فشهور السنة أيضاً فاضلَ اللهُ سبحانه وتعالى
بينها ، كما فاضل بين الشهور - هذه الشهور في الطبيعة ، وكانت الطبيعة مختلفة على العموم
، إلى الشتاء والصيف والربيع والخريف ، كذلك كانت الشهور أيضاً مختلفة في الجانب المعنوي
والملكوتي والربّاني .
:5:- فكانت
هذه الشهور الثلاثة الشريفة - شهر رجب وشهر شعبان وشهر رمضان - هي بمثابة ربيع السنة المعنوي ، الذي يستطيع الإنسان
فيه أن يهتمّ بنفسه ،
ويشعر بالنسمات والنفحات الإلهيّة ، التي تُفتَحُ لمن اعتنى بهذه الشهور ، وسعى إلى التزوّد
من الفرص المتاحة فيها.
:6: -
اهتمام الإنسان عموماً في هذه الأشهر في هذه الحياة عموماً ينبغي أن يكون بمزيد استحضار
الله سبحانه وتعالى ، والدار الآخرة ، واستحضار القدوات الماثلة أمامه ، من الأنبياء
والأولياء.
:7:- إنَّنَا
مهما حاولنا أن نفي بما ينبغي أن نكون عليه تجاه الله سبحانه وتعالى ،
من الشعور بالمحبة أو الخوف والمهابة أو الرغبة في
ثوابه ، في عنايته ، في ولايته فإنّنَا لا نبلغ ما ينبغي أن نكون عليه ، ممّا سوف نجده
بأنفسنا بعد الحرمان ،
من فرصة هذه الحياة ، حيث تُختَم الكتب ، وتُغلَق
ليتلقّى كلّ إنسانٍ ما عمله في هذه الحياة.
:8:- إذا
تأمّلنا أحوالنا بعد الممات وأحوال إخواننا الذين سبقونا إلى لقاء اللهِ بعد الممات
، سواء في عوالم البرزخ أم في عوالم القيامة ، فإنّنا لا نشك في أنّنا سوف نمرُّ على شريط حياتنا وممارستنا في هذه الحياة بشيءٍ من التعجّب
والحسرة ، ونستحضر من الجدِّ والقيمة لهذه
الحياة ما لم نكن نستحضره في حال وجودنا فيها ، وكذلك الحال فيما يتعلّق بالدار الآخرة .
:9:- والدار الآخرة تعني أنَّ لكّل إنسانٍ من عمله في
هذه الحياة جزاء يناسبه،
فإن أتى
بخيرٍ لقيّ خيراً خالدا ، وإن أتى بشرٍّ عانى من شرٍّ ، وإن أهمل وجدَ فراغاً وفقدانا
، ولكّل من الخير والشرِّ والإهمال مراتب ، فهناك من يكون عمله بدرجة من الإخلاص والوضوح
والورع واليقين والبصيرة ، بحيث تكون قيمته عند الله سبحانه وتعالى سبعة مئة ضعفا ،
أو يزيد على ذلك ، وهناك من يكون الخير الذي عمله في أدنى النصاب اللازم لكونه خيراً.
:10:-
فالناس متفاوتون ، والكلُّ في هذه الحياة زارع ، يزرع أعماله ليجدها غداً ، فهذه في
الحقيقة الصورة الحقيقية للحياة وعلاقتها بالله سبحانه وتعالى ،والدار الآخرة ، وقد
جعل الله سبحانه وتعالى ، وفق ما عَلِمَ من تأثّر الإنسان ببني نوعه وجريه على سنّة
الاقتداء والاحتذاء والتنافس ، خصّ عباداً من هؤلاءِ الناس بالتوفيق ليكون قدوةً وأسوةً
للآخرين ، فكانوا هم العباد الصالحين من الأنبياء والأوصياء وغيره.
:11:-
إذن علينا أيُّها الإخوة بخصوص هذه الأشهر
الشريفة أن نسعى إلى أن نصل بأنفسنا إلى الدرجة ، التي يكون الهاجس المالك لنفوسنا
ولقلوبنا هو الله والدار الآخرة ، وتكون جميع الهواجس الأخرى في حياتنا ، رغم ممارستنا
لمقتضياتها أشبه بالعاريّة ، نتعلّق بالآباء والأمّهات والأصدقاء والأزواج والأولاد
، ولكّننا نعلم في عمق نفوسنا أنّنا مفارقون للجميع ، وأنَّ الجميع أشبه بالوديعة لدى
الإنسان ، وأنَّ الذي يُرافقه الإنسان فهو رفيق دربه ، لا يُفارقه هو الله سبحانه وتعالى.
:12:-
وإنَّ الإنسان فيما بعد هذه الحياة إنّما يسير فرداً ، يكون أنيسه عمله ، الذي عمله
، فهو يُفارق الأهلين والأصدقاء والمجتمع ،
ويغادرهم إلى ما عمل به , هذه هي طبيعة الحياة ، التي أوجدها سبحانه وتعالى عليها.
:13: إذن
علينا أن نسعى أيُّها الإخوة إلى تأصيل هذه الجهة ، واقعاً تكون أحوالنا ، همومنا كالمسافرين
في هذه الحياة ،حقًا قال الله سبحانه وتعالى ، وهو قول لا يأتيه الباطل من بين يديه
، ولا من خلفه في شأن الدنيا أنَّها:
((وَمَا
هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَزِينَةٌ ..... إلى أن قال: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ))
:14:-
فعلينا أن نُخلّص أنفسنا من هذا الاغترار تخليصاً يوجب انصراف أنفسنا إلى الله سبحانه
وتعالى ، والدار الآخرة ، يوجب قدرتنا على محاسبة نفوسنا ، على محاسبة معايبنا ، على
تزكية نفوسنا ،على تخليص نفوسنا من الخصال الرذيلة وتحليتها بالفضائل ، فما نحتاجه
من هذا الوعي والأفق شيئاً كثيراً ،.
:15:-
إنَّ الصالحين في هذه الحياة عاشوا عيشةً تعلّقت قلوبهم فيها بالله سبحانه وتعالى والدار
الآخرة ، وهم يسعون في هذه الحياة بشكل دائب في تزكية نفوسهم ، يُقلّبون أحوالهم ،
خطراتهم ، يُحاسبون أنفسهم على خطرات الحسد ، خطرات التنافس في هذه الدنيا ، الخطرات
التي تنظر إلى هذه الدنيا كأنَّها الغاية ، ويسعون إلى أن يشعروا فعلاً أنَّهم سائرون إلى اللهِ كالراكب في المراكب المتحرّكة
، كيف يشعر أنّه يصل إلى الهدف ، دقّات الساعة في آذانهم هي إنذار بقربهم من الغاية
، ومن لقاء الله سبحانه وتعالى ، حين تحين لحظة الحقيقة ويتّضح فيها مستوى البصيرة
، ويلقى كلُّ إنسانٍ ما عمله .
نسأل الله
سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المُتّعظين بوعظه ووعظ أوليائه بحقِّ مُحمّدٍ وآله الطّاهرين.
______________________________________________
الأحد
- الرابع عشر من رجب الحَرام - 1439هجري.
______________________________________________
: تدوين
وتقرير – مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشْرَفُ –
- كَتَبْنَا
بقَصدِ القُربَةِ للهِ تعالى , رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ , ونسألَكم الدُعاءَ-
______________________________________________
0 التعليقات:
إرسال تعليق