" في ذكرى ولادة الإمام الحَسَن المُجتَبى ، عليه السلام ،
ينبغي بنا أنْ نستلهِمَ من إحيائها ، التحلّي بصفاته التي امتاز بها ، من كَرمِ
النفس والسَجيّة والحلْم وكظم الغيظ "
:1:- من المُناسبِ جِدّاً في هذا
الشهر الفضيل شهر رمضان المُبارك ، شهرُ الكرم والجودِ والحلم وتهذيب النفس
والأخلاق أن نقفَ على بعض الجوانب القيميّة التربوية في شخصيّة إمامنا الحَسَن بن
علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، لنأخذ منها الدروسَ والعِبرَ ، ولنقتدي بها في
هذا الشهر وفي كلّ أيام السنة.
:2:- مِن أبرز ما امتاز به الإمام الحَسَن الزكي ، عليه السلام ، هي صفة
الكرم والحلم حتى لُقِّبَ ب( كريم أهل البيت ) وكلّهم كِرام وحُلماء ، وهاتين الصفتين هما مما دعا إليهما
القرآن الكريم والأئمة المعصومون ، عليهم السلام،.
وحينما نقول: إنَّ الإمام الحسن هو كريم أهل البيت ، فهذا لا يعني أنّهم
لا يتصفون بالكرم – لا – وإنّما الظروف
هي التي تُبرّز صفةً على أخرى بمقتضى الأحوال والواقع آنذاك .
:3:- إنَّ من المقومّات الأساسيّة التي تميّز بها شخص الإمام الحَسن
المُجتبى ، أنّه عليه السلام ، كان يقرن بكرمه وجوده ابتداءً الحفاظَ على كرامة
الإنسان السائل والفقير والمُحتاج ، دون أن يشعره بالذل أو المِنّة – كان يتواضع
ولا يأنف ،
ولا يتكبّر - فيُبادر بنفسه إلى الإعطاء والتفضّل بما لا
يُريق ماءَ وجه الفقير.
(وكان من كرمه أنّه إذا أتاه رجلٌ في حاجة ، فقال له : اكتب حاجتك في رقعة وارفعها الينا)
: انظر : صلح الإمام الحسن ،الشيخ
راضي آل ياسين،ص28.:
وهذه طريقة الكتابة في رقعة تحفظ كرامة السائل والفقير أمام الآخرين من
الذل والهوان .
:4:- إنَّ كرمَ الإمام الحسن ، عليه السلام ، وجوده كان يُقدّمه ابتداءً لا
مُبادلة بين طرفين ، بمعنى أنّه يكرم تفضلاً قبل أن يسأله أحدٌ ، وفرقٌ كبير بين
الكرم عن ابتداء والكرم عن سؤال.
:5:- كان ،عليه السلام ، يتعاطف مع الفقراء من الذين ابتلوا بالأمراض
الجلدية والمحرومين منهم ، ينزل إليهم من دابته ويأكل معهم ويدعوهم إلى بيته ،
وهو إمام وقائد الأمة ، ويقدّم لهم الطعام بنفسه ، بلا تكبّر أو آنفة.
وهذه دروس ينبغي استلهامها في ترويض النفس على الكرم ابتداءً وتفضلاً.
:6:- كان الإمام ، عليه السلام ، يقاسمُ اللّهَ تعالى مالَه ثلاثَ مرّات ، وخرج من ماله لله تعالى مرتين ، فيعطي نصف للفقراء والمعوزين عدّة مرّات ،
ليُساهم في تحقيق التكافل الاجتماعي ويحفظ حقوق الفقراء والمحرومين.
حتى يُشعرَ الفقراء والمساكين بأنّ
هناك من يهتم بهم ، ويرعاهم ، وهذه هي حكمة تشريع الصيام ، والتي تجعل الغني
المتمكّن يحسّ بمعاناة وألم وجوع الفقراء والمساكين ممّا يدفعه ذلك لمساعدتهم
والحنو عليهم وإطعامهم.
:7:- إنَّ من معطيات الكرم والجود هو أن يشعرَ الفقير بأننا نتألم لحاله ومعاناته
، ولو بالقليل – بكف طعام أو بمال قليل - لأنَّ عدم الشعور بمعاناته قد تدفعه
للحقد والغيظ على الذين يحرمونه حقّه ، وقد يتحّول ذلك إلى سلوك سلبي منه تجاههم.
:8:-
من مميّزات الإمام الحسن ، عليه السلام ، هي صفة الحلم وكظم الغيظ
والسيطرة على الغضب ، وعدم التأثر بالاستفزازات التي يُثيرها الأقربون والأعداء من
الداخل والخارج في الواقع المُعاش ، وثمة استفزازات قد واجهها ، عليه السلام ، في
حياته ، ولكنه لم يُقابلها بالمثل ، بل ردّها بالبرهان المُقنع والحجة الدامغة
المُثبتة لحقّه في خياره وموقفه ، وخاصة في مسألة الصلح والتي كانت المصلحة
العُليا تقتضي ذلك لحفظ دماء المسلمين ووحدتهم وحماية دين الإسلام من الضياع ، وقد
واجه العبارات القاسية بهدوء وعقلانية ومنطق دون أن يُستفزَّ منها.
:9:- ونحن في مثل هذه الظروف ينبغي بنا أن نتعلّم كيفيّة مواجهة
الاستفزازات التي تصدر من هنا وهناك ، علينا أن نواجهها بالحجّة والبرهان المُثبت
للحق ،
وأن لا نسكتَ ، بل ندافع بحكمة
وعقل وهدوء ، في فكرنا وفي مسيرتنا ،
كما صنعَ الإمامُ الحَسنُ ، عليه
السلام ،.
علينا أن نواجه الطرفَ الآخر بالبرهان المقنع لنثبت له أنّنا على حقّ ،
وأيّاً كان هذا الطرف من البسطاء أو المثقفين أو المُخالفين لنا في الاعتقاد ، في
كلّ مكان –
في داخل البيت – في المدرسة – في الدائرة
– في السوق – المهم هو السيطرة على ضبط السلوك في الرد وعدم الانفعال بالغضب والرد
بالمثل أو بأكبر منه.
:10:- ثمة استفزازات قد تُثار بين كيانين أو مجموعتين أو اتجاهين – فما هو الخُلُق
الحَسَن في التعامل مع هكذا أمور – الخُلُق الحَسن هو خُلُق الإمام الحَسَن ، عليه
السلام ، وذلك بكظم الغيظ والحلم وضبط الانفعالات والسيطرة على التصرّفات والسلوك ،
وخاصة ونحن في أجواء شهر رمضان الفضيل ، وقد يعيش البعض حالة من التشنج والعصبيّة
والانفعال بسبب الجوع والعطش ، ولكن هنا ينبغي بالصائم الصادق أن يُسيطرَ على
انفعالاته وعواطفه وكلامه وردود أفعاله
بالحلم وكظم الغيظ وترويض النفس.
لأنَّ الصوم هو الذي يربينا في الوصول إلى التقوى ، والسيطرة على الغضب هي طريق
للوصول للتقوى ، والتي هي غاية تشريع الصيام .
:11:- في إحياء ولادة الإمام الحسن ، عليه السلام ، ينبغي بنا أن نكون ممن
يقتدي به في حلمه وعفوه وكرمه وجوده وكظم غيظه على جميع المستويات ، بما يتحوّل
ذلك إلى ظاهرة حسنة وسلوك صالح في بناء
الفرد والمُجتمع .
_______________________________________
أهمّ مَضامين خطبةِ الجُمعَةِ الأولى والتي ألقاهَا سَماحةُ الشيخ عبد المهدي
الكربلائي, دام عِزّه, الوكيل الشرعي للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ العُليا الشَريفةِ في
الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس ,اليوم - السادس عشر من شهر رمضان الفضيل ,1439 هجري
– الأوّل من حزيران ,2018م.
_______________________________________________
تدوين – مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشْرَفُ –
- كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ
تبارك وتعالى , رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ, ونسألَكم الدُعاءَ -
______________________________________________
0 التعليقات:
إرسال تعليق