ما وراء الصيام :2:

ما وراء الصيام :2:
______________
قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة183


إنََّ الصيامَ لايتحدد بالإمتناع عن الأكل والشرب وتناول المفطرات الأخرى فحسب
بل يتعدَ إلى أبعد من ذلك قاصداً بناءَ الباطن وتطهيره تكميلاً لبنيوية
الإنسان في الظاهر والباطن .
لذا لم يعرض القرآن الكريم لهذه الحالة حالة الإمتناع عن الأكل والشرب
بالأهمية بقدر ما عرضَ للغاية والغرض الواقعي وهو تحصيل التقوى فعلاً
و حتى إستعمال القرآن الكريم لمفردة(لعلّ) والتي تفيد معنى

الترجي 
والطمع في الحصول على ميزة التقوى فيه من العناية بذلك بوضوح
فالقرآن الكريم جعل الصوم بعباديته المتجسدة ظاهرا بالإمتناع عن الأكل
والشرب وتناول المفطرات في النهار مؤقتا طريقا للوصول الى التقوى

لذا جاءت مفردة (لعلكم تتقون) في محلها ووعيها لتشي بأنََّ
الموصل الى التقوى هو التقوى في الإمتناع عن تناول المفطرات إبتداءً
لابجعل الصوم عادةً وهوايةً قد إعتادها الإنسان بشريا وسنويا.

والمهم بعد ذلك كله أن يشغل الصائم نفسه وقلبه بذكر الله تعالى
فيكف نظره عن ما يحرم النظر إليه
ويكف سمعه عن كل ما يحرم سماعه من الغيبة والنميمة والغناء وكلام الباطل واللغو
ويحفظ لسانه عن جميع المحرمات اللسانية كالسب والشتم وقذف اعراض الناس وذكر معايبهم وغيرها كثير
ويكف بطنه وفرجه عن الحرام والشبهات

ففي الحديث الشريف يوجد تركيزٌ على هذا العنوان

وورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال
( إنما شيعة علي من عفّ بطنه وفرجه وإشتد جهاده وعمل لخالقه
ورجا ثوابه وخاف عقابه فإذا رأيتَ أولئك فإولئك شيعة جعفر)
: الكافي: الكليني: ج2 : ص233.

وينبغي أخلاقيا وتقوائيا للصائم أن لايستكثر وقت الإفطار من الأكل والشرب
بحيث يمتلىء في بطنه متناسياً مَن حوله ممن لايجد قرص الخبز
ومَن يتضور جوعا
فالإمتلاء من الأكل الحلال فيه مبغوضية وهذه المبغوضية تأتي من كونها
زيادةً وإفراطاً قد يُشبِع بها جائعٌ آخر .

وإنَّ ألله تعالى وبحسب مايَفهم علماء الأخلاق والعرفان
إنما شرّع الصوم حتى تنكسر القوة الشهوية في النفس البشرية والتي
قد إعتادت على الأكل والشرب دونما أن تأخذ قسطا وافرا من الإ متناع
المؤقت والذي معه تهدأ فورة الشهوة البشرية
وتتقوى النفس المؤمنة بالصوم على التقوى وتترفع عن مستوى الأكل
والشرب تاركةً لكيانيِّتها المجال ولو المؤقت في النهار بضرورة التشبه
بالملائكة الكرام الذين لايأكلون ولايشربون وإن كانوا هم خلقٌ مختلف عنّا تماما
ولكن نحن وإياهم في وقت الصيام نشترك بصفة واحدة وهي الكف عن المفطرات .
من هنا يكون إمكان التشبه بهم سلوكيا.
بل ربما نفوقهم في هذه الميزة لأننا نحن بني الإنسان إنما نترك الأكل
والشرب والمفطرات طوعا وهم أصلا وخلقا غير محتاجين لذلك

فكيف ما كان لابد من وعي الغرص الأصلي من تشريع الصيام وهو الوصول

الى التقوى الفعلية وتنشيطها ميدانيا في أوساط المجتمع وخصوصا الفقراء
والمحرومين وضرورة مواساتهم بالعون المالي والغذائي قدرالمستطاع

وقد قال رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلّم)
في خطبته الشهيرة الخاصة بشهر رمضان

( وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم وارحموا صغاركم، وصلوا ارحامكم )
: الأمالي: الصدوق: ص154.

وأخيرا ينبغي بكل إنسان مؤمن صائم أن يكون قلبه بعد الإفطار مُعلقاً بين الخوف من الله ورجاء رحمته وثوابه
إذ ليس يدري الإنسان الصائم أيقبلُ صومه فهو من المقربين أم لا ؟

وروي : ( أنَّ الإمام أبا محمد الحسن المجتبى مر بقوم يوم العيد ، وهم يضحكون ، فقال
( إنّ الله تعالى جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه ، يستبقون فيه لطاعته ،
فسبق أقوام ففازوا ، وتخلف أقوام فخابوا فالعجب كل العجب للضاحك
اللاعب في اليوم الذي فاز فيه المسارعون وخاب فيه المبطلون ،
أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسئ عن إساءته )
أي كان سرور المقبول يشغله عن اللعب ، وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك .

: جامع السعادات:الشيخ محمد مهدي النراقي: ج3:ص 304.
_________________________________________
صيامٌ مقبولٌ إن شاء الله للجميع بحق محمد وآله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الشرف
شاركه على جوجل بلس

عن مرتضى علي الحلي

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات: