مفهوم البداء الإلهيِّ ومُعطياته العقديَّة


 مفهوم البداء الإلهيِّ ومُعطياته العقديَّة
---------------------------- ------

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاةُ والسلامُ على نبينا محمد وآله المعصومين

البداءُ الإلهيّ  هو أحدُ المسائل العقديّة الرئيسة  في مجمل المنظومة الإعتقادية الإسلاميّة
  والتي بُحثَتْ في علم الكلام والأديان بدقة وضبط

مما يتطلبُ التدين به ضرورة  الوقوف على بيان مفهومه وأثره ومعطياته في هذه الحياة الدنيا 
والتي هي محل إختبار وتمحيص وتكامل لبني الإنسان قاطبة .

لينتهي به خياره  إلى مصيرٍ محتوم صالحٍ أو طالح طبقاً لما ينتهجه من نهج مستقيم أو أعوجٍ



 إنّ معنى البداء لغة : هو ظهور الرأي بعد إن لم يكن  
والبداء هو استصواب شيء عُلِمَ بعد أن لم يُعلَم 
وذلك على الله غير جائز. 
:لسان العرب:ابن منظور:مادة بدا





ومن هذا المفهوم اللغوي للبداء وقعت الفرق الضالة عقديا في اشكالية
 تحميل ذلك المعنى اللغوي للبداء على علم الله تعالى

 فلزم من اعتقادها هذا نسبة الجهل الى الله تعالى والذي هو أمرٌ مستحيل لايلتزم به مؤمن عاقل .



أما البداء إصطلاحاً  وإعتقاداً في مدرسة أهل البيت المعصومين :عليهم السلام:

 فيختلف تماماً عن غيرهم إذ أنهم فسروه تفسيرا معقولا ومنطقيا نص على

 أنَّ البداء هو أن يُظهِر الله من المشيئة ما هو مخفي على الناس وعلى خلاف ما يحسبون.  
   

وإنَّ مشيئة الله تعالى اقتضت تدبير بعض الأمور على أساس القابلية للتغيير أو التقديم والتأخير وربط بعض الأمور المُقدَّرة بأخرى بنحو التعليق 

وهو سبحانه مُطّلع على ذلك كله منذ الأزل.



{وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }الأنعام59




وبهذه الصورة التكوينية التدبيرية يُديرُ الله تعالى نظام الكون والخلق والوجود


{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }الأنبياء23



وعن الإمام جعفر الصادق :عليه السلام: انه قال 


( إنّ الله يقدم ما يشاء ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء وعنده أم الكتاب)

  وقال :ع ( فكل امر يريده الله فهو في علمه قبل أن يصنعه ليس شيء يبدوله إلاّ وقد كان في علمه إنّ الله لايبدو له من جهل )
: بحار الأنوار:المجلسي: ج 4 : ص 121




   وإنَّ مفهوم البداء الإلهي هومُرتبطٌ إرتباطاً وثيقاً  بالقضاء والقدر الإلهييّن

   إذ أنّ قضاء الله ينقسم الى قسمين هما

  :1:
قضاء محتوم: وهو القضاء الذي يكون فيه تقدير الله تعالى للأمور مُبرما وقطعيا لايرد ولايبدل ولا يتغير 
وهو الذي عبر عنه القرآن الكريم بالسنّة الإلهيَّة 

 {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً }الفتح23

{ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً }فاطر43




وهذا لايعني أنّ الله عاجزٌ عن تغييره ولكن اقتضت حكمته الازلية أن تكون هذه سنته وهذا قضاؤه
وهذا القضاء لايتبدل لا بالاستغفار ولا بالصدقة ولابالدعاء 


وهنا نعتقد قطعا أنّ وجود الإمام المهدي :عليه السلام: وظهوره هو من القضاء المحتوم الإلهيِّ الذي لايتغيَّر


بل حتى أنّ بعض العلامات لوقت ما قبل الظهور التي أكد الائمة المعصومون:ع:
 على أنها من المحتوم كظهور السفياني  ووقوع الصيحة  مثلاً هي 
تكون من القضاء المحتوم  . 




وهذا النظام الإلهي يُعزز في إيماننا بالظهور الحتمي للإمام المهدي: ع:
 إذ أنه سنة إلهيّة لاتتحول ولاتتبدل قطعا فإلى ذلك فليلتفت الناس أجمعين




:2: 
قضاء غير المحتوم:  وهو التقدير الإلهي المُعلَّق على شيء ما 

فمثلا يكتب الله تعالى للإنسان  أن يموت في وقت ما إن لم يصل رحمه

 فإن وصل ذلك الانسان رحمه أخَّرَ اللهُ تعالى أجلَ موته الى وقت آخر للمصلحة في حق الانسان.


و يتغير هذا القضاء الالهي غير المُبرم بحسب الظروف والمقتضيات فالصدقة والدعاء والاستغفار كلٌّ ينفع في تبديل قضاء الله غير المحتوم 



  وهنا يقع البداء الإلهي  الذي نعتقد به فيقدم الله ما يشاء ويؤخر 


وهذا ما يسمى بلوح المحو والاثبات الذي ذكره تعالى

 في كتابه العزيز 
{يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ }الرعد39 



و يجب الإلتفات الى مسألة العلامات غير الحتمية لوقت ما قبل الظهور للإمام المهدي:ع:
 أيضا فإنه سيقع فيها البداء الإلهي  بحسب مصلحة الوقت والناس


فلابد لنا من تفعيل خاصية الإعتقاد  بالبداء الإلهي الذي به يتحكم الله تعالى بعالم الامكان عالمُ ما سواه سبحانه .
     
ذلك كون الأمور كلها بيد الله تعالى محتومها وغير محتومها 



( بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }المائدة64 




وروي عن الإمام موسى الكاظم :ع:

 أنه قال
(عليكم بالدعاء فإنّ الدعاء لله والطلب الى الله يرد البلاء وقد قدر وقُضي ولم يبق إلاّ إمضاؤه فإذا دُعي الله وسُئل صرف البلاء صرفة)
: اصول الكافي :الكليني: ج2 : ص 470



وفي هذا المجال ذكرَ  الشيخ محمد جواد البلاغي في رسالته عن البداء 

وقال
( فالاعتراف بحقيقة البداء اعتراف بحقيقة الله تعالى وأنّ المُوجِد للعالم
 إنما هو إله وموجد بالارادة والقدرة على مقتضى الحكمة )
رسالة البداء:البلاغي:ص23:24:



ويجب أن نعتقد أنّ البداء هو مظهر من مظاهر قدرة الله تعالى المطلقة ومن يؤمن بالبداء إنما يؤمن بالله ويدين له بهذه القدرة المطلقة



  إذاً فالقول بالبداء والإعتقاد به هو الإعتراف الصريح بأنَّ العالم هو واقعٌ تحت سلطان الله وقدرته في حدوثه وبقائه وأنَّ إرادة الله نافذة في الأشياء  أزلا وأبدا  .





والسلامُ عليكمُ ورحمة الله وبركاته


مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :


شاركه على جوجل بلس

عن مرتضى علي الحلي

    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات: